تونس (CNN)— تُجدّد الهزائم العسكرية التي يتعرض لها تنظيم "داعش" في كل الأماكن التي يحتلها واستمرار الضغط والتضييق عليه، خاصة في سرت بليبيا، النقاش في تونس حول مصير الأعداد الكبيرة من التونسيين التي انضمت لصفوف هذا التنظيم ويرفع منسوب الخوف من إمكانية عودتها للبلاد، فماذا ستفعل الدولة التونسية مع العائدين؟ و كيف يجب أن تتعامل معهم حتى تتفادى امتداد تجاربهم الجهادية والقتالية إلى أراضيها؟
لا توجد أرقام ثابتة وإحصائيات رسمية حول العدد الحقيقي للتونسيين الذين يقاتلون مع تنظيم "داعش" في الخارج ، فتقرير البعثة التابع لمفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، المكلفة بمتابعة ملف المقاتلين الأجانب في بؤر التوتر قدّر عدد التونسيين الملتحقين بمنظمات إرهابية منذ 2011 إلى غاية 2015 بين 5300 و 5800 موزعين على سوريا وليبيا و العراق ومالى واليمن.
هذا الرقم الكبير بات مصدر توجس للتونسيين، فاحتمال عودتهم إلى البلاد قد يعصف بجهود الدولة في استعادة الأمن والاستقرار واسترداد ثقة المستثمرين والسياح، ثم إن ماضيهم الإجرامي وسجلهم الدموي وفكرهم المتطرف سيدفعهم لمزيد ارتكاب الجرائم والقيام بعمليات إرهابية.
وعلى هذا الأساس سيخرج التونسيون في مظاهرة يوم 24 ديسمبر للتعبير عن رفضهم لعودة الإرهابيين إلى تونس ولفت انتباه الحكومة للخطر القادم الذي يمثله هؤلاء العائدين ودعوتها للتفكير في آلية مثالية لمحاسبتهم وتجنيب البلاد لجرائمهم المتوقعة.
ومؤخرا كشف الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عن الخطة التي سيتم التعامل بها مع العائدين من ساحات القتال، حيث قال في حوار مع وكالة الأنباء الفرنسية،.إنه لا يمكن منعهم من العودة إلى البلاد لأنه حق يمنحه الدستور وسيتم اتخاذ الإجراءات الضرورية لتحييدهم.، مضيفا.أنه لن يتم الزج بجميعهم في السجون لأنها لا تكفي لإيوائهم".
خطة أثارت جدلا شعبيا في البلاد وهو ما دفع بالرئيس السبسي إلى توضيح موقفه عبر بيان من رئاسة الجمهورية أكدت فيه.أن رئيس الجممهورية هو الساهر على احترام الدستور وأن تصريحاته جاء فيها أنّه تمّ اتّخاذ كامل الإجراءات الأمنيّة والسياسيّة لتحييد خطر عودة التونسيين من بؤر التوتّر، وفق ما نصّ عليه الفصل 33 من القانون الأساسي المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال".
وينص الفصل 25 من الدستور على أنه.يحجّر سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن.، لكن المقاتلين التونسيين وعند عودتهم إلى بلادهم يجب أن يتم التعامل معهم طبقا للقانون حسب الديبلوماسي السابق عبدالله العبيدي، وذلك من خلال المرور عبر السلطة القضائية ومحاكمتهم انطلاقا من القوانين الموجودة.
أضاف في تصريح لـCNN بالعربية أن الإشكالية الحقيقية تكمن في جهل السلطات التونسية بالعدد الحقيقي للتونسيين الذين يقاتلون في تنظيم الدولة وكذلك في عجزها عن إثبات الجرم على هؤلاء العائدين نظرا لغياب الأدلة والبراهين التي تؤكد تورطهم في عمليات إرهابية من عدمها.
وأرجع العبيدي ذلك إلى غياب التعاون الأمني ألاستخباراتي بين تونس والدول المعني، داعيا إلى ضرورة أن تعيد تونس علاقاتها خاصة مع سوريا حتى تساعدها في معرفة كافة التفاصيل والإلمام بكل ما يحيط بهذا الملف، كي تكون جاهزة للتعامل معهم عندما يعودون.
من جهته يرى العميد السابق ورئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل، العميد مختار بن نصر، أنه لا يمكن التعامل مع ملف الإرهابيين العائدين من سوريا إلا وفقا لقانون الإرهاب وأنه يجب أن تتم معاقبة كل ساهم في إراقة الدماء واقترف جرائم.
وأوضح في تصريح لـCNN بالعربية أن السؤال المطروح الآن هو هل يمكن لتونس أن تتفطن لكافة العائدين خاصة أن بعضهم سيختار مسالك غير شرعية للدخول إلى البلاد، مشيرا إلى أن إمكانية تسللهم تشكل خطرا كبيرا على أمن الدولة مع وجود احتمال تشكلهم في خلايا إرهابية نائمة.
ويذكر أن القانون الأساسي المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال والمؤرخ في أوت 2015 ينص على أنه.يعدّ مرتكبا لجريمة إرهابية ويعاقب بالسجن، كل من يتعمّد استعمال تراب الجمهورية أو تراب دولة أجنبية لانتداب أو تدريب شخص، بقصد إرتكاب إحدى الجرائم الإرهابية داخل تراب الجمهورية أو خارجه، أو السفر خارج تراب الجمهورية بغاية ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية".
وفي هذا الجانب يقول الناشط الحقوقي مسعود الرمضاني إن لديه تحفظات على قانون الإرهاب، مشيرا إلى أن محاكمة العائدين يجب أن تتم عن طريق القانون ويجب أن تكون عادلة، مضيفا أن الزج بهم في السجن ليس الحل الوحيد وإنما ينبغي إعادة تأهيلهم اجتماعيا وثقافيا ودينيا لضمان عدم ارتكابهم جرائم أخرى عند خروجهم.
ونبّه الرمضاني في حديث مع CNN بالعربية إلى خطورة إقرار العفو العام في حق هؤلاء، لأن تونس تمتلك تجربة سيئة في هذا المجال عندما قامت بإقرار العفو العام للمساجين السياسيين وعدد من القيادات السلفية سنة 2011 ليتوجه حوالي 80 بالمائة منهم عقب خروجهم للانخراط في أعمال عنف وممارسة نشاطات مشبوهة دفعت البلاد لاحقا ثمنها غاليا.
وسعت بعض الأطراف السياسية قبل عامين إلى إقرار قانون.التوبة.لصالح الإرهابيين العائدين من بؤر التوتر والذي يمّكنهم من العفو وعدم العقاب شرط إعلان توبتهم وإثبات عدم تورطهم في الإرهاب والقتل الدموي، إلا أن هذا القانون لم يمرر بسبب الرفض الذي واجهه.
ويؤيد زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي إقرار قانون.التوبة.، حيث سبق وأن أعلن أن باب التوبة يبقى مفتوحا أمام الجهاديين التائبين الذين يريدون العودة إلى تونس، متحدثًا عن أن المصالحة التونسية يجب ألّا تستثني الجهاديين وكل فئات التونسيين.
لكن الاتحاد التونسي للشغل، أهم منظمة نقابية في البلاد، عارض بشدة هذه المواقف، موضحا أن إصرار بعض الأطراف على "التطبيع مع الإرهابيين ممن مارسوا أبشع أنواع القتل والتنكيل المشهدي بالجثث وتحويل تونس لملجأ للارهابيين لن يحدث"، لأن التجارب في الجزائر مثلا أثبتت أن التوبة "كانت وهما بالنسبة لغالبية ممن مارسوا التقتيل والخروج على القانون".
وشدد الاتحاد في بيان صدر يوم أمس الأربعاء، أن قانون الإرهاب هو الإطار الوحيد الأمثل لمعالجة ظاهرة المسفّرين، بعيدا عن كلّ أنواع التبرير الإيديولوجي والمقايضات السياسية، إذ على أساس هذا القانون يمكن الحديث عن.التوبة.وفق قاعدةث المكاشفة فالمحاسبة فالعقاب فالمتابعة".