حجزت السلطات على حسابها المفتوح.. ما قصة "لورن أند أورن" في المغرب؟

العالم
نشر
17 دقيقة قراءة
تقرير اسماعيل عزّام
حجزت السلطات على حسابها المفتوح.. ما قصة "لورن أند أورن" في المغرب؟
Credit: http://lae-cosm.com/

الرباط (CNN)-- استبشر مئات المغاربة خيرًا باستهلال أنشطة شركة مغربية عام 2014 خاصة ببيع منتجات التجميل المستخرجة من زيت أركان والتين الشوكي، بما أن هذه الشركة تمكّن من يلتحقون بها من ربح تعويضات مادية مهمة، عبر بيع منتجاتها واستثمار بعض المال في أنشطتها، وفق ما أعلنته. انتشر الخبر بسرعة بين العاطلين والراغبين في دخل جديد، وفي غضون مدة لا تتجاوز سنتين، وصلت الشركة إلى 60 ألف منخرط.

يتعلّق الأمر بشركة "لورن أند أورن كوسميتيك" ( Learn & Earn Cosmétique) التي خلقت ضجة واسعة بعد خروجها إلى الوجود، خاصة للاتهامات التي لاحقتها باعتماد طرق غير قانونية لأجل الربح وبيع الوهم للمنخرطين، منها أساسا طريقة "بونزي" و"التسويق الهرمي"، إلّا أن الشركة تنفي هذه التهم وتتحدث عن اعتمادها لتقنية التسويق الشبكي التي تعمل بها عدة شركات أجنبية بالمغرب.

إلّا أن "النجاح" السريع للشركة قابله قرار السلطات القضائية بالحجز على حسابها المفتوح شهر أبريل/نيسان 2016، حتى يتم التحقق من قانونية عملياتها، ممّا جمّد أموال المنخرطين أو ما يسمى بـ"الموزعين" والتي تبلغ تقريبا 16 مليار سنتيم (16 مليون دولار)، الأمر الذي خلق احتجاجات واسعة بين هذه الفئة، ووصل الاحتجاج حد الدعوة إلى وقفة أمام المقرّ المركزي لبنك المغرب لأجل المطالبة بتسريع إنهاء التحقيق والإفراج عن أموالهم.

بونزي.. التسويق الهرمي.. التسويق الشبكي: ما هي الاختلافات؟   بين هذه المفاهيم الثلاثة التي انتشرت في عالم التجارة، توجد فروقات بسيطة، ووفق ما جمعناه من معلومات على الانترنت، مع تدقيقها مع خبراء هذا البيع، فقد حاولنا تقديم تعاريف مختصرة، علمًا أن الكثير من دول العالم تمنع نظامي "بونزي" و"التسويق الهرمي"، لعدة أسباب منها أن المشروع متجه حتمًا نحو الإفلاس، وأنه لا وجود لأي خلق حقيقي للثروة، زيادة على انعدام ضمانات الربح.   نظام بونزي، وهو اسم يعود إلى شارل بونزي، رجل أعمال أمريكي من أصل إيطالي، يتم عبر جذب الناس لأجل الاستثمار في مشروع، ويتم إيهامهم بأنهم سيربحون نسبة معينة قد تصل أو تتجاوز مئة في المئة ممّا استثمروه، ولا يتم منحهم أموالهم أو جزء منها، إلّا عندما يستثمر آخرون، فيعطي صاحب المشروع أموال هؤلاء إلى المستثمرين الأولين، وهكذا. ومن أشهر من تعاملوا بهذه الطريفة الأمريكي برنارد مادوف، الذين أدين بـ150 سنة حبسًا عام 2009، بعدما عجز عن رد أموال المستثمرين، بسبب الأزمة الاقتصادية وعدم استطاعته جذب مستثمرين جدد، ووصلت قيمة الأموال التي دخلت شركته عبر هذا الاحتيال 65 مليار دولار.   أما التسويق الهرمي، فيخص خلق منتج، قد يكون حقيقة وقد يكون وهما أو منتجا مبالغا في ثمنه، ويشترط صاحبه على من يريد الدخول إلى الشبكة، أن يقوم بإدخال أشخاص آخرين وأداء مبالغ ما، تُبرر إما بثمن المنتج أو الانخراط، ويقوم الربح أساسًا على إدخال الناس إلى الشبكة وليس حول المنتج، وهكذا تكبر أرباح من التحقوا في البداية بالشبكة حتى وإن توقفوا عن بذل أيّ مجهود، بينما من يوجدون في أسفل الهرم تكون أرباحهم أقل، إلى غاية صعودهم إلى مستويات أعلى في الهرم.   وبخصوص التسويق الشبكي، فهو يقترب نوعا ما من الهرمي، غير أن الفرق أن المنتج يكون موجودًا ولديه فائدة وسعره قريب من السوق، كما أن أرباح من يلتحق بالشبكة تُحدد وفق الجهد الذي بذله، وتنحصر هذه الأرباح في دائرة من قام بإدخالهم، كما تكون العمولات واضحة، سواء حول عدد من تم إدخالهم، أو كمية المنتج الذي تم بيعه، ويعد هذا النوع قانونيا في أكثر من بلد.   موزعون: شركتنا تعمل بالتسويق الشبكي   تؤكد مليكة جمال، رئيسة مكتب الاتحاد الوطني للمسوقين الشبكيين، وجود ثلاث طرق للربح داخل شركة "لورن أند أورن"، أولها عمولات من البيع المباشر للمنتجات، ثانيا أن يحصل الموزع على عمولات مُحصلة من مساهمته في تسجيل أشخاص جدد، وثالثا ما يُعرف بـ "الشراء المميز" لباقات ممتازة، وهو نوع من الاستثمار التجاري، يتطلب الوقت و العمل، وفق قولها.   وتنفي مليكة جمال، في اتصال مع CNN بالعربية، أن تكون "لورن أند أورن" تعمل بنظام "بونزي" أو التسويق الهرمي: "الشركة تتوفر على منتجات و مخازن و لها علاقات مع مختبرات و مزودين بالمواد الأولية، كما أن جميع عمليات البيع و الشراء للمنتجات موثقة بفواتير، و هنا لا مجال للحديث عن التسويق الهرمي الذي لا يتوفر على منتجات حقيقية".   وتؤكد جمال أن هناك تعاونيات مغربية هي من تصنع مواد التجميل بينما تقوم "لورن أند أورن" بتسويقها، وأن كل من يريد التأكد ما عليه سوى زيارة مقرّات مخصصة لتلفيف المنتجات وحفظها في منطقة ليساسفة بالدار البيضاء، دون أن تعطي مليكة اسم أي تعاونية تقوم بإنتاج هذه المواد. وقد بيّنت فيديوهات متعددة كميات من السلع المفروض أن الشركة هي تسوقها.   حسناء الإدريسي، وهي إحدى الموزعات في الشبكة، تضيف معطيات أخرى: "غالبية من انخرطوا استفادوا من أرباح مهمة في البداية، ضمنت لهم الحرية المادية، كما ساهمت الشركة في إنجاح مشروع المقاول الذاتي الذي راهنت عليه الدولة، ومن أصل رقم 30 ألف مقاول ذاتي الذي وضعته الدولة هدفًا، حصل 20 ألف موزع من الشركة على هذه الصفة المقاولاتية، بعد عقد الشركة لاتفاق مع بريد المغرب والوكالة الوطنية لدعم المقاولات المتوسطة والصغرى".   هل تعمل الشركة بنظام "بونزي؟" مصطفى العلوي، مهندس مالي، ينقل معطيات مثيرة: "أزيد من 90 بالمئة من مداخيل الشركة تعود إلى الاستثمار أي ما يعرف بالشراء المميز، بما يعني أن إرجاع مساهمات الأعضاء القدماء يتم بمنحهم مساهمات الأعضاء الجدد، ممّا يؤكد أن الشركة تعتمد على نظام بونزي". وقد قدم مصطفى لأجل تدعيم كلامه نسخة من تقارير الأرباح اليومية للشركة، (لم نتأكد بشكل مستقل من حقيقة هذه التقارير).

لكن في نظام "بونزي" لا يوجد منتوج.. يجيب مصطفى: "تتطور أنظمة الاحتيال مع مرور الوقت لتجاوز القوانين. السؤال الذي يجب طرحه هل مبيعات المنتج كافية لتسديد مصاريف الاستثمار؟ فالمنتجات التي تبيعها الشركة مجرد حيلة لحماية نفسها قانونيا، وإلا فلماذا يكون ثمن هذه المنتجات عند البيع للمُستثمر أغلى من ثمن البيع للزبون العادي؟".

وقد سبق لوالي بنك المغرب، عبد اللطيف جواهري، الذي يتهمه عدد من موزعي الشركة بوضع شكاية ضدها لأجل توقيف حسابها بينما هو ينفي ويجعل ذلك اختصاصًا للقضاء، أن صرّح لمجلة تيل كيل المغربية أن استثمارات الموزعين في شركة "لورن أند أورن" مخالف للقانون، لأن هذا الاستثمار حكر فقط على المؤسسات البنكية في المغرب.

 حملنا سؤال الاستثمار إلى مليكة جمال التي ردت: " الشركة متخصصة في تسويق منتجات التجميل عبر موزعيها الذين يحصلون على عمولات على مجهوداتهم الخاصة والجماعية. كما أن الاستثمار الذي تتحدثون عنه هو عبارة عن استثمار تجاري موثق بفواتير ووصولات  قانونية لجميع العمليات التجارية التي تجمع الشركة بموزعيها، و قد تم إرسال جميع هذه الوثائق للجهات المعنية و نحن متأكدون من سلامة نشاطنا".

وظهر زكرياء فتحاني، مؤسس الشركة، في فيديو مباشرة بعد حجز حساب الشركة، وهو يتحدث عن إمكانية أن تجد السلطات القضائية خطأ في الطريقة التي تعمل بها الشركة رغم اقتناعه واقتناع محاميها أن عملهم قانوني: " نقول إن عملنا قانوني، لكن تفكير عقل واحد ليس كتفكير أربعة أو خمسة عقول، سنرى رأي المراقبةK وإذا كان هناك أيّ تغيير في صالح الشركة، فلن نرفضه، فنحن نريد العمل وفق القانون".
كما أكد في تسجيل صوتي آخر أن تغييرات عميقة ستحدث في الشركة بعد المراقبة، وهو المقطع ذاته الذي يؤكد فيه زكرياء أن الشركة لا ترغب بأيّ شكل من أشكال التواصل في هذه الفترة، ممّا يجيب على سبب عدم وجود من يجيب على اتصالاتنا في الرقم الذي تضعه الشركة في موقعها، كما لم يعد البريد الذي تضعه الشركة في الموقع يشتغل.

هل هناك نظام هرمي في الشركة؟

يمنع القانون المغربي البيع الهرمي، إذ تنص المادة 58 من القانون رقم 31.08 الخاص حماية المستهلك، والصادر بالجريدة الرسمية 7 أبريل/ نيسان 2011، على: "يُمنع ما يلي: البيع بالشكل الهرمي أو بأية طريقة أخرى مماثلة، يتعلق خاصة بعرض منتوجات أو سلع أو خدمات على المستهلك، مع إغرائه بالحصول على المنتوجات أو السلع أو الخدمات المذكورة بالمجان أو بسعر يقل عن قيمتها الحقيقية". كما يمنع القانون" اقتراح قيام مستهلك بجمع اشتراكات أو تقييد نفسه في قائمة مع إغرائه بالحصول على مكاسب مالية ناتجة عن تزايد هندسي لعدد الأشخاص المشتركين أو المقيدين".

يشرح زكرياء فتحاني، في فيديو بثه، طريقة الربح من الأعضاء الجدد أو ما يسمى بـ VIP، حيث يربح العضو تعويضات مالية عن كل ثلاثة أعضاء جلبهم إلى الشبكة، وكلما جلب الأعضاء الآخرين أعضاء جدد يتسع الهرم إلى عشر مستويات تكبر كلما نزلنا إلى أسفل، ممّا يجعل التعويضات تكبر مع كل زيادة للمستويات، ويمكن للعضو أن يربح ما يقترب من 60 ألف درهم (6 آلاف دولار) غداة أداء ثمن الاشتراك كل ثلاثة أشهر، وهو ما يجعل مصطفى العلوي يتحدث عن أن الشركة تعتمد نظامًا هجينا يجمع بين البيع الهرمي ونظام بونزي.

أما بخصوص طريقة الشراء التضامني والبيع المباشر، فلا يوجد فيديوهات حولها، رغم أن المؤسس أكد قبل مدة أنه سيبثها، ممّا يعني أنها قد تكون نُشرت ثم حذفت بعد ذلك أو جرى منع مشاهدتها. كما تُظهر مقاطع فيديو متعددة، عدة أشخاص في حفلات تنظمها الشركة يتحدثون عن ربحهم لأموال كبيرة،  منهم شخص قال: "صرت أجلس في بيتي، وأراقب المال يدخل إلى حسابي على الهاتف"، وسيدة تقول: صرت أربح يوميا 10 آلاف درهم".

محمد العربي عضو الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، يرى أن شركة "لورن أند أورن"، تمزج بين شكلين للبيع، الأول شبكي بما أنها تبيع منتجات لأشخاص، يقومون بتسجيل أنفسهم في بياناتها، ويبحثون عن بيعها لأجل ربح عمولات، وهنا يعملون تقريبا بنفس طريقة الوكيل التجاري، والشكل الثاني هو الهرمي بما أنها تطلب من البائعين جلب أشخاص آخرين حتى تتضاعف أرباحهم، لافتًا إلى أن هذا المزج ليس خاصًا بهذه الشركة، بل معظم شركات التسويق الشبكي في المغرب تقوم به، ممّا يخلّف عدة ضحايا، توصلت جمعيته بشكايات من لدنهم، ليس بينهم في الفترة الحالية ضحايا من "لورن أند أورن".

أموالهم محجوزة.. معاناة الموزعين   تتبع نشاط الموزعين على مواقع التواصل الاجتماعي يُظهر أن هناك العديد منهم ممّن لم يخفوا تذمرهم ممّا تشهده الشركة، بل إن بعضهم تداولوا هاشتاغ صافي اعطيونا فلوسنا "أعطونا نقودنا"، حيث عبر يعض الموزعين عن غضبهم من تدني نسبة الأرباح وعدم تحقيق مبتغاهم مع الشركة، وقد طالب بعض الموزعين بإرجاع أموالهم فقط.   ورغم المعاناة، تدافع مليكة جمال عن الشركة: "مررنا بتجارب مع شركات دولية للتسويق الشبكي، واكتشفنا أن هذه الشركات كانت تربح أموالا هائلة عبر طرق غير قانونية، إذ كانت ترفض أن نتعامل معها بالحساب البنكي، هذه الشركات امتصت جيوب الكثير من المواطنين وأخرجت الأموال من المغرب، ومع ذلك لم تعاقب، واليوم هناك شركة مغربية تقدم منتجات مغربية، مؤسسها مغربي، وتساهم في التنمية المستدامة، كما تبحث عن الانتشار في الخارج، تواجه كل هذه العراقيل".   وتتابع مليكة: "المآسي الاجتماعية التي تسبّب فيها تجميد أموال الشركة لا تحصى"، وأضافت قائلة: " زيادة على إيجاد حلّ لأموالنا المجمدة، نرغب بقانون يقنن قطاع التسويق الشبكي في المغرب حتى نعمل بحرية تامة. التجميد وقع بسبب غياب القانون، إذ توجد السلطات في حيرة من أمرها حول حقيقة التسويق الشبكي، لذلك فتشريع قانون ينظم القطاع سيعود بالكثير من النفع علينا وعلى البلاد".   تنقل حسناء الإدريسي كذلك معاناة الموزعين: "الكثير منهم وضعوا كل مدخراتهم في أنشطة هذه الشركة، واليوم يعانون كثيرا لأجل تسديد مصاريفهم. هناك حالات اجتماعية وصلت إلى الطلاق، وهناك من اضطر إلى الاستدانة وهناك من أضحى مهددًا بإفراغ مسكنه"، قبل أن تردف: ما يطالبنا به بنك المغرب من الاستغناء عن نظام الربح عبر الأجيال (الربح عبر إدخال الأعضاء)، وكذا عن نظام الشراء الامتيازي، أمر مجحف في حقنا، لأنه سيؤثر كثيرا على أرباحنا وأرباح الشركة".   لكن هل هناك من حماية قانونية من الشركة لموزعيها؟ يقول مصطفى العلوي إن الموزع عندما يقوم بخاصية الشراء التضامني، التي تعدّ أهم موارد الشركة وفق قوله، فهو يحصل على فاتورة تبين أنه اشترى منتجات بالمال الذي قدمه، بمعنى أنه لا توجد أيّ ضمانات من الشركة للموزعين بإمكانية استرداد أموالهم.   ويدافع محمد العربي عن الموزعين وعن ضرورة إنصافهم: "هناك إشكال قانوني في حجز الأموال لأن القانون المغربي لم يحدّد الآليات الممكنة للدولة حتى تتعامل مع الشركات التي تستخدم التسويق الهرمي. المطلوب الآن هو العمل على إرجاع الأموال إلى الموزعين لأنهم حقهم، وإن كانت من عقوبات زجرية فيجب أن تخصّ الشركات وأصحاب الفكرة"، قبل أن يستطرد: "لماذا لم تتدخل الدولة قبل أن يصل الرقم إلى 60 ألف موزع؟ لماذا بقيت غائبة كل هذه المدة والشركة تمارس نشاطها فوق التراب المغربي؟ المفروض أن تكون المراقبة قبلية وليس بعدية فقط والدولة كما هي ملزمة بالمراقبة المالية، فهي كذلك ملزمة بحماية الأفراد".   وفي انتظار الإعلان النهائي لنتيجة التحقيق القضائي الذي تجريه السلطات، يظهر زكرياء فتحاني واثقًا، من خلال مقاطعه الصوتية المنشورة، أن الشركة لن تغلق وأن ما يجري مرحلة عابرة فقط، لكن في الجانب الآخر، يتخوّف الموزعون من حجز نهائي على أموالهم، وهو القرار الذي إن صدر، لن يؤثر فقط على الأوضاع المالية للموزعين، بل كذلك على سمعة الشركات التي تعلن "التسويق الشبكي" في المغرب، وإن كان بعض أعضاء "لورن أند أورن" يثقون في أن الشركات الأجنبية المنافسة لهم تمني النفس بإنهاء أول تجربة مغربية أرادت منافستهم.