ليبيا (CNN)-- خلّفت الزيارة الأولى التي قام بها قائد الجيش الليبي خليفة حفتر إلى الجزائر مطلع هذا الأسبوع تساؤلات عديدة حول أبعادها الأساسية وأسرار الانفتاح بين الطرفين، فماهو طبيعة الدور الذي يمكن أن تعلبه الجزائر في الأزمة الليبية المستمرة وهل يبحث حفتر في الجزائر عن الدعم العسكري أم السياسي؟
ومنذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011 لم يسبق لخليفة حفتر زيارة الجزائر، مما أرجعه بعض المراقبين إلى وجود جمود في العلاقة بينه و بين الدولة الجارة والتي رفضت في عدة مرات دعم مشروعه مما دفعه إلى وصفها في إحدى تصريحاتها "بالدولة غير الشقيقة" واتهمها بالإنحياز للحكومة التي كانت تتخذ من طرابلس مقرأ لها، وبغض الطرف عن الإرهابيين الذين يدخلون ليبيا.
الجزائر من جهتها ومنذ بداية الأزمة في ليبيا، أعلنت في أكثر من مرة على لسان مسؤولييها أنها تقف على مسافة متساوية ومعتدلة بين كل الاطراف الليبية، ولهذا الغرض لعبت دورا كبيرا في الاتفاق الأممي الذي توصلت إليه الأطراف الليبية وانبثقت منه حكومة الوفاق التي باركتها لاحقا ، فالأزمة في ليبيا بالنسبة للجزائر هي جزء من أمنها القومي واستقرار هذا البلد يهمها بدرجة كبيرة.
ولذلك لا شك أن زيارة حفتر الأخيرة والمفاجئة تحمل في طياتها العديد من المعاني والأبعاد وربما تكون لها تداعيات على الملف الليبي في قادم الأيام، فالجزائر التي أصبحت في الفترة الأخيرة قبلة للمسؤولين السياسيين الليبيين بمختلف توجهاتهم تحاول أن تلعب دورا أكبر في المشكلة الليبية وقد يكون لها دورا مؤثرا في اتجاه تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة وإزالة الخلافات بينهم أو ربما في اتجاه حسم موقفها ودعم طرف على حساب الآخر.
أسباب زيارة حفتر حسب ما أعلنت عنه التصريحات الرسمية الجزائرية، تأتي في سياق محاولات الجزائر تشجيع الأطراف الليبية على التوصل إلى اتفاق سياسي، والتمسك بطرح موقفها الداعي إلى حل سياسي في ليبيا يقوم على الحوار وعلى عدم إقصاء أي طرف من الأطراف المتصارعة بما في ذلك تيار الإسلام السياسي.
وهو الطرح نفسه الذي تبناه الصحفي الجزائري المختص في الشؤون السياسية جيلاني بن أيوب الذي اعتبر "أنه من الطبيعي جدا أن تستقبل الجزائر حفتر وهذا يعني أنها أصبحت تعتبره جزءا من الحل في ليبيا و فاعلا رئيسيا في المرحلة المقبلة خاصة بعد أن أصبح مدعوما دوليا ولديه ثقل داخلي"، مشيرا إلى أن ذلك "يندرج في إطار مساعي الجزائر عدم اقصاء أي طرف وفي اتجاه محاولاتها حل الأزمة وإزالة الخلافات العالقة من خلال جلوس الجميع إلى طاولة الحوار".
وأضاف بن أيوب في تصريح لـCNN بالعربية أنه "لا توجد أي نية للجزائر بدعم طرف على حساب الآخر"، معتبرا أن وجود حفتر في الجزائر هو دليل على "أنه مستعد للتحاور والنقاش مع الأطراف الأخرى، لأن الديبلوماسية الجزائرية كانت ولا زالت ثابتة خاصة تجاه البلدان التي تشهد نزاعات وشعارها هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية أو الإنحياز لطرف دون الآخر واتباع لغة الحوار والوساطة مع عدم القبول بالتدخلات العسكرية الخارجية".
في حين اعتبر البعض الآخر أن هذه الزيارة تهدف إلى إزالة اللبس الذي طبع العلاقة بين الجانبين خلال السنوات الماضية، فداعمو الشق الشرقي في ليبيا لم يكونوا راضين على أداء الجزائر في المسألة الليبية واتهموها بوقوفها إلى جانب الإسلاميين في الغرب على حساب حكومة عبدالله الثني والبرلمان في الشرق.
المحلل السياسي الليبي عبد العزيز الرواف، اعتبر أن زيارة حفتر تتمحور حول "إفهام الجزائر ما يقوم به الجيش خاصة أن الموقف الجزائري لا يزال يكتنفه الغموض، حيث أنها تقترب من حكومة الغرب في ليبيا"، مضيفا في هذا السياق "اعتقد أن فحوى اجتماعات حفتر في الجزائر هي إن لم تقفوا معنا فلا تقفوا مع الجانب الآخر".
وبخصوص توقيت الزيارة التي تتزامن مع تحرير سرت ونهاية المدة القانونية للاتفاق السياسي، يرى الرواف أن حفتر اختار الوقت المناسب للذهاب للجزائر وذلك مباشرة بعد زيارته لروسيا والتي أثمرت نتائج إيجابية لصالحه وكذلك بعد تحرير بنغازي من الجماعات الإرهابية إضافة إلى سيطرة الجيش الذي يقوده على أكبر قاعدتين جويتين في الجنوب إحداهما تتاخم الحدود الجزائرية، موضحا أن كل هذا جعل من حفتر في موقف قوي للتفاوض مع دول الجوار.
ورجحّ الرواف في حديث مع CNN بالعربية، احتمال توسط روسيا في هذا اللقاء بين المسؤولين في الجزائر وحفتر خاصة أن علاقاتها جيدة مع الطرفين وتبحث عن نفوذ أوسع في المنطقة وعن تأييد أكبر لمواقفها تجاه الأزمة الليبية والذي يتعارض مع مواقف الدول الكبرى التي مازالت تؤيد وتتعامل مع حكومة الوفاق.
أما الكاتب الصحفي حمد إبراهيم المالكي، فإنه يعتقد أن زيارة حفتر للجزائر تأتي عقب المتغيرات التي حصلت في ليبيا وفي إطار بحث الجزائر عن حماية مصالحها، مضيفا أنها دليل على أن الجزائر بدأت بتغيير موقفها وإعادة حساباتها بعد سيطرة الجيش الذي يقوده حفتر على الموانئ النفطية واقتراب حسم المعركة في مدينة بنغازي، إضافة إلى العمليات العسكرية التي تقع في جنوب ليبيا وعلى مقربة من الحدود الجزائرية.
وأضاف أنه كان لازما على الجزائر أن تكون سياستها اكثر انفتاحا على الجيش الذي يقوده حفتر واعتباره حليفا عسكريا داخل ليبيا من أجل التنسيق معه أمنيا وعسكريا لحماية حدودها خاصة من جانب الجنوب الليبي الذي يعج بالجماعات الإرهابية التي يقودها مختار بالمختار العدو الأول للجزائر.
واختتم المالكي حديثه مع CNN بالعربية قائلا "لا يخفى على أحد أن الجزائر يحكمها جنرالات وبالتالي العقلية الأمنية والعسكرية لايفهمها إلا شخص عسكري وهذا ماوجدته وستجده الجزائر في شخص المشير حفتر".
وبالتوازي مع الجزائر التي بدأت تتحرك بكثافة لحلحلة الأزمة الليبية، بدأت تونس بدورها ترتيبات من أجل عقد قمة ثلاثية بينها وبين مصر والجزائر بحضور المسؤولين الليبيين، من أجل بحث مساعدة ليبيا سياسيا وأمنيا، تحركات أخيرة تشير إلى أن دول الجوار سيكون لها دورا فاعلا ورئيسيا وحاسما كذلك في الملف الليبي مستقبلا، فهي المتضرر الأكبر مما يحصل على حدودها ولم تعد تتحمّل إطالة أكثر للأزمة.