بعد زعم نائب برلماني أن "كل شاة معلّقة من كراعها" آية قرآنية.. هل حلّ إرهاب التفكير محل إرهاب التفجير في تونس؟

العالم
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير شمس الدين النقاز
بعد زعم نائب برلماني أن "كل شاة معلّقة من كراعها" آية قرآنية.. هل حلّ إرهاب التفكير محل إرهاب التفجير في تونس؟
Credit: Chedly Ben Ibrahim/Corbis via Getty Images

هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، والآراء الواردة أدناه تعكس وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة رأي شبكة CNN.

فضيحة جديدة تهز الرأي العام التونسي هذه المرة، بطلها نائب عن حزب نداء تونس في البرلمان، فالبرلماني التونسي لطفي النابلي، وخلال ندوة نظمها مركز دراسة الإسلام والديمقراطية بالعاصمة بعنوان "أي مصير للعائدين من بؤر التوتر؟"، استشهد بمثل شعبي تونسي على أنه أية قرآنية، حيث قال في سياق مداخلته إن "الله سبحانه وتعالى قال كل شاه معلقة من كراعها"، وهو ما خلف ردود أفعال غاضبة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.

الآية القرآنية المزعومة التي أراد البرلماني التونسي أن يستدلّ بها على وجوب النظر في ملفات العائدين من بؤر التوتر كل على حدى، لا وجود لها بين دفتي المصحف الكريم، بل لا وجود لها في كتب السنة النبوية المتاحة بين أيدينا والتي أصبحت جهات مسؤولة في تونس تراها "تكفيرية" في إطار سياسة تجفيف المنابع التي تواصل الدولة اتباعها إلى الآن.

يبدو أن النائب التونسي قد اختلطت عليه الأمور، فأصبح يرى في الأمثال الشعبية التي يتداولها العرب قديما آيات وأحاديث، حيث اختلف المؤرخون في أول من قال هذا المثل الذي ورد بألفاظ مختلفة "كلُّ شَاةٍ بِرِجْلِهَا مُعَلَّقَةٌ" و"كُلُّ شَاةٍ مُعَلَّقَةٌ بِعُرْقُوبِهَا" أو "كُلّ شاة معلّقة من كراعها"، لكنهم لم ينسبوه إلى القرآن الكريم.

يقول الإمام إسماعيل العجلوني رحمه الله في كتابه الشهير "كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس" إن حديث "كل شاة معلقة بعرقوبها‏ هو مثل، وفي معناه قوله تعالى ‏{‏وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه‏}‏ ‏{‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏}‏ ‏{‏وأن ليس للإنسان إلا ما سعى‏}‏".

ويضيف "وروى ابن أبي الدنيا في العقوبات عن أبي هريرة أنه سمع رجلا يقول كل شاة معلقة برجلها، فقال لا والله، إن الطير لتهلك هزلا في جو السماء بظلم ابن آدم نفسه فيه إشارة إلى أن الإنسان أو الدابة قد يستضران بظلم العبد أو بقحط الأرض بسبب بعض الذنوب، فيعم الضرر الجميع في الدنيا، وأما في الدار الآخرة فكل إنسان مطالب بعمله مجازى به، وإنما يحمل بعض أوزار بعض من يحمل أوزارهم لكونه كان إماما لهم في الدنيا في سواد وداعية لهم إلى ضلالة، أو لظلمه إياهم، فلا يكون له حسنة يستوفونها، فيؤخذ من سيئاتهم فيلقى عليه، فهو ما حمل إلا وزر نفسه في نفس الأمر".

لسنا هنا في موضع تفنيد صحة الآية التي استدل بها البرلماني التونسي، فالموضوع شبه محسوم، بل أردنا هنا الإستشهاد بما كتبه أحد كبار العلماء المتخصصين في تنقية الأحاديث، لكي لا يظن البعض أن المثل الشعبي الوارد في كتب الأمثال بصيغ مختلفة، حديثا‏ للنبي صلى الله عليه وسلم، خاصة وأن كثيرين في تونس أصبحوا يختلقون الآيات والأحاديث بعد انتفاضة 14 يناير، بل لهم الحق في تكفير وتفسيق وتبديع وتجهيل كل من يخالفهم القول لأنهم هم الحاكمون والآمرين الناهين عن كل شيء، بفضل علاقاتهم المتينة بالجهات النافذة في الداخل والخارج.

يبدو أن "النخبة" السياسية والثقافية في تونس أصبحت تعاني اليوم من جهل كبير ومعقد ومركب في نفس الوقت، فلا يكاد يمر شهر إلا وتطالعنا هذه "النكبة" مثلما يحلو للبعض تسميتها، بطوام وأخطاء اتصالية عجيبة تنم عن استغباء للشعب، ولكن إذا ما عرف السبب بطل العجب، مثلما يقول المثل الشعبي حتى لا يظن البعض أنه آية قرآنية.

الإشكال الكبير اليوم ليس في الخطأ "العفوي" الذي وقع فيه النائب لطفي النابلي بقدر ما هو إصراره على تخطئة المتابعين واتهامهم بـ"التفوريخ" وبأن "مستواهم منحط" وفق ما صرح به لموقع "الصباح نيوز".

النابلي نفى في تصريح للموقع المذكور صباح الإثنين، أن يكون قد تحدث عن آية قرآنية في مداخلته في ندوة مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، حيث زعم أنه لم يتحدث عن آية قرآنية وأن ما قاله هو يجب أن نعامل الإرهابيين كما قال ربي "هاذم ما نجموش نحاسبوهم كالقطيع .. كل شاة معلقة من كراعها ..وكل يحاسب بمفرده وبما اقترف من جرائم"، مضيفا أن ما يقال في صفحات شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ضده بأنه "خيال واسع وخصب وأن هناك من أوّل كلامه"، قبل أن يناقض نفسه ويعترف بأن استشهاده بـ"كل شاة معلقة من كراعها" على أنها آية قرآنية صحيح، مبررا ذلك بأنه "ليس في جامع، والعبرة بالمقصود" وفق تعبيره.

شخصيا، لو كنت مكان النائب، لقلت إنني أخطأت وأغلقت الباب أمام المتربّصين بي والمصطادين في الماء العكر، لكن اللف والدوران واتهام "الفروخ" وأصحاب النوايا المبيتة باستهدافه شخصيا زاد الطين بلة، خاصة وأن الفيديو كان دليل إدانة قوي مقابل فقدان آية قرينة للبراءة، هذا إذا ما أعملنا القواعد القانونية في تحليلنا لما قاله.

عندما نستمع لخلط لطفي النابلي النائب الحالي عن حزب نداء تونس والأستاذ الجامعي السابق، بين القرآن والأمثلة الشعبية، لا يمكننا أن نلوم "شعب الويو" الذي هب لاستقبال ربيع بودن، للإستمتاع بما يتفوه به من كلام بذيء، خاصة إذا ما أضفنا إلى ذلك ما كشفه الناطق الرسمي السابق باسم حكومة الحبيب الصيد خالد شوكات عن أن "7 أعضاء في حكومة يوسف الشاهد بلا شهادة جامعية، و85‎%‎ من النواب في البرلمان لم يتجاوزوا البكالوريا ومن مستشاري رئيس الجمهورية من لم يدرس في الجامعة الا سنة أو سنتين، ناهيك عن قيادات حزبية تصول وتجول في المنابر الإعلامية وتحلل وتبين الحلول للأمة كيف تخرج من أزمتها وهي أقرب في مستواها العلمي للأمية".

نعلم جيدا أن حديث شوكات يصنّف في باب الخصومة السياسية خاصة وأن تصريح النائب بمجلس نواب الشعب عن نداء تونس منجي الحرباوي قد بين بالأرقام زيف ادعاءاته، لكن بين هذا وذاك يبقى أصحاب العقل الراجح والرأي الرصين مغيّبين ومدفونين في تونس، في حين يرتع كثير من السياسيين وأشباه المثقفين يمنة ويسرة لتنغيص عيش التونسيين، أملا في الوصول إلى سدة الحكم على جماجم الأبرياء والمساكين.