ست سنوات على اندلاع أولى احتجاجاتها.. ما أسباب خفوت حركة 20 فبراير بالمغرب؟

العالم
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير اسماعيل عزّام
ست سنوات على اندلاع أولى احتجاجاتها.. ما أسباب خفوت حركة 20 فبراير بالمغرب؟
أرشيف.. من احتجاجات الحركة لعام 2014Credit: FADEL SENNA/AFP/Getty Images)

الرباط (CNN)--  لم يكن مفاجئا أن يحيي بضع مئات على أقصى تقدير، بالعاصمة المغربية الرباط الذكرى السادسة لاندلاع مظاهرات حركة 20 فبراير، النسخة المغربية من حراك ما يعرف بـ"الربيع العربي"، فالحركة التي أخرجت عام 2011 مئات الآلاف إلى الشوارع، لم تعد تجمع اليوم إلّا عددا من الأفراد بعد تراجعها بشكل واضح وانسحاب الكثير من الوجوه منها.

الحركة التي دعا إليها شباب مغاربة، ودعمتها عدة هيئات سياسية ونقابية وحقوقية، نجحت في تحريك مياه البرك السياسية بالمغرب وأعادت للاحتجاج في الشارع قوته، كما ساهمت إلى حد كبير بإعلان البلاد عن أوّل دستور في عهد الملك محمد السادس وإجراء انتخابات سابقة لأوانها مكّنت من صعود الإسلاميين إلى رأس الحكومة، غير أنها اليوم تبقى بالنسبة للكثيرين مجرّد ذكرى لواحدة من أكبر الاحتجاجات الشعبية التي شهدها المغرب الحديث.

وأحيى صبيحة أمس الأحد 19 فبراير عدة أفراد مستقلين وآخرون منتمون إلى أحزاب النهج الديمقراطي و"الطليعة الاشتراكي الديمقراطي"، و"الحزب الاشتراكي الموحد"، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ونقابيون، وعاطلون، هذه الذكرى، وأعادوا التشديد على ضرورة تحقيق مطالب الحركة، متهمين السلطات بالاستمرار في نهج الاستبداد وعدم إقرار الإصلاحات اللازمة.

وعودة إلى مطالب الحركة، فقد أثارت جدلا واسعا منذ البداية، إذ توجد عدد من الأرضيات المطلبية التي سبقت الإعلان الرسمي عمّا عرف بـ"شباب 20 فبراير"، خاصة في بدايات الحركة عندما انطلقت من فيسبوك وكانت تسمى "حرية وديمقراطية الآن".

 وتمحور الإعلان الرسمي للحركة الذي قدم في ندوة صحفية يوم 16 فبراير/شباط 2011 على "إقرار دستور ديمقراطي يمثل الإرادة الحقيقية للشعب"، و"حلّ الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تخضع لإرادة الشعب"و "قضاء مستقل ونزيه" و"محاكمة المتورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب خيرات الوطن"  و"إطلاق كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ومحاكمة المسؤولين" و"الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية"، و"توفير شروط العيش الكريم".

وانضم إلى الحركة في ذلك أطراف قيل إن تعايشها أمر صعب، كجماعة العدل والإحسان الإسلامية المعارضة، وأحزاب يسارية وحركات حقوقية، كما أثير جدال واسع حول حقيقة السقف السياسي الذي تطالب به الحركة، ففي الوقت الذي كانت فيه عدة هيئات تتفق على مطلب "الملكية البرلمانية"، لم تتفق بقية هيئات الحركة على هذا المطلب، وبقي الشكل السياسي للنظام نقطة خلاف بين تيارات الحركة.

وبالتمعن في مسار الحركة، فقد بدأت قوية  بداية من شهر فبراير إلى صيف ذلك العام، إذ كانت الحركة تخوض احتجاجات دورية، بشكل دوري (بين ما هو أسبوعي وما هو شهري)، وشهدت هذه الاحتجاجات تدخلات أمنية في بعض المرات، واستطاعت الحركة بفضل احتجاجاتها الضغط لنيل عدد من المكتسبات رغم رفضها الرسمي للدستور بوصفه "ممنوحا"، ودعوتها إلى مقاطعة الانتخابات.

بيدَ أن التراجع بدأ نهاية عام 2011، واشتدت الانتقادات من داخل وخارج الحركة على طريقة احتجاجاتها، قبل أن تنسحب جماعة العدل والإحسان منها لأسباب لم توضحها الجماعة بشكل كبير، الأمر الذي أثر على قوة الحركة، كما انسحب منها عدد من شباب الأحزاب المشاركة في الانتخابات، وظهر التراجع جليا في الذكرى الأولى لتأسيس الحركة، إذ كان عدد المحتفين قليلا للغاية.

وتعدّدت التحليلات وراء خفوت الحركة التي اندلعت أياما بعد سقوط نظام بن علي في تونس ونظام مبارك في مصر، لدرجة أن هناك من يطرح السؤال حول أن تشبه الحركة بالموجات الثورية في بلدان أخرى، حتى وإن كانت مطالبها مختلفة، كان بذرة وفاة في نشأة الحركة التي توهجت عندما كان الحراك العربي في أوجه، ثم تراجعت عندما لم يصل هذا الحراك إلى ما طمح إليه من نتائج.

وتتفق سارة سوجار، إحدى أنشط شباب الحركة، مع فكرة أن  "20 فبراير" تأثرت إيجابيا بـ"الربيع العربي، غير أنه أثر سلبا عليها كذلك بسبب نسب العنف في أكثر من بلد شهد الحراك، خاصة الحرب السورية، ثم الانقلاب على مرسي والاغتيالات في تونس، إذ ساد تخوف بين عدد من المواطنين المغاربة من أفق الاحتجاجات وإمكانية أن تجرّ البلاد لمنزلقات خطيرة.

وتضيف سوجار، في حديث لـCNN بالعربية، عند تعدادها لأسباب تراجع الحركة، أن هذه الأخيرة عانت من غياب حركة سياسة قوية لديها قدرة على التفاوض مع النظام السياسي، فالقوى التي كانت إلى جانب الحركة، وتحديدا قوى اليسار، كانت ضعيفة ولم تكن مستعدة للحظة التاريخية، رغم نضالاتها، كما أن الحركة تحوّلت فيما بعد إلى حركة نخبوية ولم تعد جماهيرية بسبب عدم قدرتها الاستمرار في التأثير على الفئات الاجتماعية التي كانت تدافع عنها.

كما تحيل سوجار على ما اعتبرته ذكاء للسلطة السياسية في التعامل مع الاحتجاجات بشكل أضعف هذه الأخيرة، ومن ذلك سرعة الخطاب الملكي وتعاطيه الإيجابي مع الحراك، وعدم وقوع تدخلات أمينة في بداية الاحتجاجات، وما تبع ذلك من دعوة لتكوين لجنة لإعداد الدستور ثم تنظيم انتخابات.

لكن ماذا عن ضبابية الأفق السياسي للحركة؟ تقول سوجار إن مطالب الشباب كانت واضحة، إذ نادوا بإصلاحات دستورية من داخل النظام الملكي، غير أنها تؤكد أن تعدّد الشعارات السياسية بين الهيئات المشاركة أثر سلبا على الحراك وخلق تناقضا داخله، لا سيما مع عدم تحديد جماعة العدل والإحسان والنهج الديمقراطي لرؤيتهما حول طبيعة النظام السياسي في الاحتجاجات.