هذا المقال بقلم کاملیا انتخابی فرد، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
كانت تركيا منذ فترة ليست بعيدة مثالاً لمعظمنا في الشرق الأوسط عن لقاء الغرب بالشرق. أمّة مسلمة تتمتع بديمقراطية كبيرة وحرية تعبير واقتصاد يتنامى بسرعة، وهو ما كانت معظم الدول الإسلامية تتطلع إليه وتسعى لتحقيقه من أجل بلدانها.
إن سماء إسطنبول الزرقاء الصافية والجو اللطيف الآمن يجعل المدينة أكثر وجهة سياحية مرغوبة لدى الكثيرين. وربما تكون هي المدينة الوحيدة في الشرق الأوسط التي يشعر فيها السياح الإسرائيليون والعرب والمسلمون والأوربيون بالراحة وهم يستمتعون بحمام شمسي دون القلق حيال أي شيء.
لكن تركيا الحالية أبعد ما تكون عن تلك التي عرفناها وأحببناها في السابق. من "تورطها" العميق في الحرب الأهلية السورية إلى تدهور علاقاتها مع إسرائيل واضطراب علاقاتها مع امريكا، وكذلك مع السعودية وإيران إلى حد ما، كل ذلك أدى إلى تدهور كبير في قطاع السياحة في تركيا. إن التوتر الشديد بين السلطات التركية ومواطنيها الأكراد، ومشكلة الإرهاب، واعتقال الصحفيين والسياسيين بشكل واسع في هذا البلد، يوضح لنا حقيقة أن هذا البلد غير الذي كنا نعرفه في السابق.
كانت هناك محاولة انقلاب فاشلة في الصيف الماضي من قبل بعض ضباط الجيش، وردت السلطات التركية باعتقال عشرات آلاف الأشخاص، كما قُتل المئات في الشوارع خلال الاتقلاب وفي الفترة التي سادت فيها الفوضى بعد الانقلاب مباشرة.
انقلب الرئيس التركي أردوغان ضد الولايات المتحدة واتهم زعيم المعارضة التركية السيد فتح الله غولن، الذي يعيش في الولايات المتحدة، بتدبير مؤامرة الانقلاب ضد حكومته. لكن الحكومة التركية لم تستطع تقديم أدلة كافية إلى الولايات المتحدة لإثبات هذه الاتهامات وإقناعها بتسليم غولن إلى القضاء التركي.
ان الأموال التي تصب في تركيا بسبب أزمة اللاجئين فتحت للرئيس أردوغان فرصة كبيرة للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي ليس للاستفادة من الأموال المخصصة للاجئين فقط، ولكن لتسهيل عملية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي أيضاً.
ليس فقط سياسة الحكومة التركية هي التي جعلت قطاع السياحة يتدهور بسرعة كبيرة، بل لعبت نشاطات تنظيم داعش الإرهابي والعمليات الدموية التي قام بها في بعض المناطق المأهولة بالسكان دوراً رئيسيا أيضا في قتل هذه الصناعة التي كانت مصدراً رئيسياً للاقتصاد التركي.
في الاستفتاءات التي ستجرى في 16 آبريل / نيسان القادم، إذا نجح الرئيس أردوغان في إجراء التغييرات الدستورية، فإن ذلك قد يؤدي إلى إغلاق فصل فريد من الديمقراطية الإسلامية التي كان هذا البلد يتمتع بها في رأي كثير من المراقبين. هذه التعديلات الدستورية تهدف إلى إحداث تغييرات جذرية في طريقة الحكم في تركيا.
يسعى مشروع الدستور المثير للجدل، والذي يطلق عليه اسم "الرئاسة على الطريقة التركية"، الى استبدال النظام البرلماني الحالي بنظام رئاسي، وذلك لتمهيد الطريق للرئيس رجب طيب اردوغان الذي تولى الحكم لمدة 13، أولاً كرئيس للوزراء ومن ثم رئيس للبلاد منذ عام 2014، بأن يصبح السلطة التنفيذية الوحيدة في البلاد.
النقاد يقولون أن التغييرات المقترحة تهدف في الحقيقة إلى إضعاف البرلمان، وخلق نظام سياسي دون ضوابط، مما قد يضع تركيا في نهاية المطاف تحت حكم رجل واحد.
إن القرار الذي سيتخذه الاتراك في 16 نيسان سيؤثر علينا في منطقة الشرق الأوسط أيضاً. من الصعب التنبؤ بما يخبئه المستقبل للأتراك وما إذا كان هذا الاستفتاء سيجلب الاستقرار والأمن لهذا البلد. لكن الكثير من السياح قرروا الابتعاد عن تركيا هذه الفترة لأن التوقعات تنبئ باحتمال حدوث اضطرابات.
إن الناس ينتظرون ليروا ما سيحدث للديمقراطية التركية التي أسرت قلوبنا بجمالها في يوم من الأيام. هل ستعود جميلة أم أنها غرقت مع ذلك الطفل الكردي السوري إيلان الذي قذفته الأمواج غريقاً على الشواطئ التركية في 2015؟