الرباط (CNN)-- نبأ حزين ذاك الذي خيّم هذا الأسبوع على جماعة تازارين بإقليم زاكورة، جنوب شرق المغرب، بعد تأكد خبر مقتل ضابط الصف، مبارك عزيز، الذي لقي مصرعه على أيدي الميليشيات المسيحية "أنتي بالاكا" بجمهورية إفريقيا الوسطى حيث كان مبارك، ضمن البعثة المغربية المشاركة في قوات حفظ السلام، أو ما يعرف بالقبعات الزرق.
اختفى مبارك يوم الاثنين 8 ماي/أيار بعد تبادل إطلاق نار بين جنود مغاربة ومسلحين من "أنتي بالاكا"، إذ كان ضمن كتيبة مغربية دافعت عن جنود كمبوديين ضمن قوات حفظ السلام، خلال تعرّضهم لإطلاق النار من الميليشيات المذكورة، وبقي مبارك مختفيا إلى حين إعلان العثور على جثته وإعلان وفاته رسميا يوم الخميس الماضي، لتكون الحصيلة بين قوات حفظ السلام خمسة قتلى، واحد من المغرب وأربعة من كمبوديا، زيادة على جرح تسعة جنود مغاربة وآخر كمبودي.
من مواليد عام 1968 بقرية مولاي أيت بوعزة، جماعة تازارين، كان يلقب بطبيب العائلة وحتى القرية، إذ كان يعمل خصيصا في الصحة العسكرية. تخرّج في المدرسة العسكرية بالرباط موسم 1993/1994، وعمل في الكتابة الخاصة بالصحة العسكرية في عدة مدن منها ورزازات ومراكش وأسا الزاك، حيث كان يرافق الطبيب العسكري، فمكنته تجربته المهنية من تملّك تجربة إنسانية فريدة.
يتحدث لنا شقيقه، إبراهيم عزيز، كيف أن منزل الأسرة كان يكتظ بعدد من أبناء القرية كلما زارهم مبارك، إذ كان الجيران يستشيرونه عن وصفات الدواء الأفضل ويقدم لهم بعض الخدمات الطبية البسيطة كتبديل الضمادات ومعاينة بعض الأمراض. وحتى عندما تزوج، ورُزق بثلاثة بنات وابن، وملأ بيته الخاص في ورزازات، كان مبارك كان دائم الزيارة لقريته وبيت أسرته.
يضيف شقيقه ابراهيم لـCNN بالعربية، أن مبارك كان مثابرا في عمله، وكان يمني النفس أن يرتقي في العام القادم إلى رتبة ضابط بعد سنوات من العمل، خاصة وأنه لم يترّدد في التوجه إلى إفريقيا الوسطى قبل ثلاثة أشهر للمشاركة في عمل إنساني نبيل، وهو حفظ السلام ومنع أيّ محاولات للقتال والدفاع عن المدنيين ببلد يشهد صراعات مسلّحة دامية أودت بحياة الآلاف.
"كانت تلك آخر مرة نراه فيها، عندما ودعنا وهو يحمل حقائبه للتوجه إلى إفريقيا الوسطى.. وعندما وصل بقي على تواصل معنا، وكان يرسل لنا صوره مع الساكنة هناك، إذ كان يلتقي بهم ويقدم لهم استشارات في المجال الصحي"، يقول ابراهيم بصوت متألم، قبل أن يردف: "دافع شقيقي عن الجنود الكمبوديين الذين كانوا بدون سلاح كما دافع سابقا عن المدنيين.. آلمنا وأفجعنا خبر وفاته، لكن يبقى من عزائنا أنه توفي دفاعا عن مهمته".
شهد بيت الأسرة تقاطرا كبيرا من الجنود المغاربة الذين لم يستطيعوا حبس دموع غسلت وجوههم وهم يتذكرون زميلهم الذي قضى في مهمة لحفظ السلام، يتابع ابراهيم، مشيرًا أن جثمان الراحل، الذي قُتل في بلدة يوغونفونغو، قرب مدينة بانغاسو، جنوب إفريقيا الوسطى، سيصل المغرب اليوم الأحد أو غدا الاثنين، وأن الدفن سيتم بعد وصوله ببضع ساعات.
محمد، أحد أبناء القرية، يؤكد ما جاء على لسان ابراهيم: "كان مبارك من أطيب خلق الناس وكان إنسانا مستقيما، تألمنا كثيرا لوفاته وتألمنا أكثر لما سمعناه عن مصير جثمانه، إذ لم نتقبل أن يتم التمثيل بجثة إنسان بهذه الطريقة"، في إشارة منه إلى ما جرى تداوله عن تشويه لجثة مبارك من طرف المليشيات المسلحة.
مصير جثمان مبارك كانت إذاعة RFI الفرنسية قد أشارت إليه قبل أيام، إذ نقلت على لسان أحد الوسطاء الذين تكفلوا بمشاورات مع المليشيات المسلحة، أن هذه الأخيرة اختطفت ثلاثة جنود كمبوديين وآخر مغربي هو مبارك، وبعد استطاعة الوسطاء استعادة جثامين الكمبوديين، التي وُجدت مشوهة، تأكدوا من مقتل مبارك الذي دفنته الميليشيات ورفضت تسليم جثمانه، قبل أن تعلن بعثة الأمم لتحقيق الاستقرار في إفريقيا الوسطى استخراج جثته.
"لا نعلم في الوقت الحال طريقة مقتله، وهل جرى قتله في الاشتباكات وأخذت الميليشيات جثمانه أم اختطف حيا وقُتل في وقت لاحق.. ننتظر التشريح الطبي الذي وعدتنا به المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية"، يقول ابراهيم.
وشهدت البعثة المغربية في إفريقيا الوسطى أسبوعا عصيبا، فيومين بعد إعلان مقتل مبارك عزيز، جرى الإعلان عن مقتل جندي مغربي آخر صبيحة أمس السبت، عندما حاول رفقة عدد من زملائه الدفاع عن المدنيين الذين تعرّضوا لإطلاق نار من الميليشيات المسلحة، وقد خلّف الهجوم عددا من القتلى بين المدنيين لم يتم تقديره بعد من لدن البعثة الأممية.