تحليل لجوليان زيليزر، أستاذ في التاريخ والشؤون العامة بجامعة برينستون، ومحلل سياسي لدى شبكة CNN، وهو مؤلف كتب "الحاجة الملحة الآن: ليندون جونسون، الكونغرس، ومعركة من أجل المجتمع العظيم." الآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.
أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- خلال الأيام السبعة الماضية، انتقل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من التركيز على كيف سيتعامل مجلس الشيوخ مع تخفيضات الرعاية الصحية والضرائب - والتحضير لأول رحلة خارجية له – إلى اكتشاف أنه سيواجه محققاً خاصاً، روبرت مولر، الذي سيحقق في صلات بين عناصر من حلمة ترامب الانتخابية وروسيا. وبحلول نهاية الأسبوع، تحدث البعض حتى عن احتمال عزل الرئيس.
وإن لم يكن ذلك كافياً، عندما غادر الرئيس الدولة، الجمعة، فجرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريراً عن اللقاء الأخير بين ترامب ومسؤولين روس – بعد يوم من إقالته لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي – والذي يُزعم أنه قال للروس خلاله: "أقلت للتو مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي. إنه كان مجنوناً، معتوه حقيقي. لقد واجهت ضغوطاً كبيرة بسبب روسيا، والآن خف ذلك."
وأضاف ترامب: "أنا لست قيد التحقيق"، وفقاً لـ"نيويورك تايمز"، التي استشهدت بمذكرات أُخذت خلال اللقاء.
وبينما انشغل الخبراء السياسيون بمناقشة تداعيات ما قد يعنيه ذلك، الحقيقية هي أن الكثير مما سيحدث مستقبلاً سيعتمد على كيف ستتكشف السياسة. مصير الرؤساء الذين واجهوا الفضائح يُحدد بشكل كبير داخل ميدان سياسي عوضاً عن محكمة قضائية. تجاوز فضيحة بهذا الحجم يتطلب قدرات سياسية هائلة من البيت الأبيض، وبعض الحظ.
كل الأعين تتجه إلى مولر
كيف ستبدو الأشهر المقبلة؟
المسؤول الأول في هذه العملية، هو روبرت مولر (المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي)، الذي عينه مساعد وزير العدل، رود روزنشتاين. وأعطت وزارة العدل مولر كامل الصلاحيات للنظر فيما حدث مع روسيا في انتخابات 2016 وكل القضايا ذات الصلة، بما في ذلك السبب وراء إقالة الرئيس المفاجئة لكومي (الذي عمل معه مولر خلال رئاسة جورج بوش).
الأدلة التي سيجمعها مولر، وقدرته على الحصول على شهادات قوية، ستكون محورية لنجاحه. ووفقاً لشبكة "NBC" الإخبارية، فإن التحقيق يشمل بالفعل صلات مالية محتملة بين روسيا ومسؤول آخر في البيت الأبيض لم تُكشف هويته.
ولكن هذه المهمة تحتاج إلى تحلي مولر بالفطنة السياسية. إذ يواجه رئيساً عدائياً، قام بالفعل بمهاجمته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحاول أن يُرسم صورة عنه بأنه الشخصية الرئيسية في عملية "مطاردة ساحرات" حزبية ذات أبعاد تاريخية.
وتعلّم مدعّون عامون مستقلون، مثل لورنس والش وكينيث ستار، كيف يمكن لمثل هذه الهجمات أن تضر بالمفاهيم المتعلقة بسلامة التحقيق. سيحتاج مولر إلى إبقاء هذا التحقيق مكثفاً، وسيضطر إلى لمواجهة أي جهود لتقويض مكانته وسلطته، لأنه في مرحلة ما من المحتمل أن يواجه جهداً من قبل الرئيس لإيقافه أو حتى إقالته.
هناك بالفعل بعض المحللين الذين يدّعون أن مولر لديه تضارب في المصالح ويجب أن يستقيل، لأن شركته في واشنطن تمثل بول مانافورت وجاريد كوشنر. ويرى آخرون أنه بما أن مولر لم يعمل في قضاياهم، فلا توجد مشكلة.
لماذا يزال التشريع أمراً مهماً؟
ورغم سلطة المحقق الخاص، لا يزال للكونغرس دور هام يلعبه، خاصة إذا بدأ الجمهوريون أخيراً بالمشاركة في التحقيق عوضاً عن المماطلة وحماية ترامب. ويمكن أن تكون جلسات الاستماع في الكونغرس ميداناً هاماً للنقاش. وخلافا لعمل مولر، يمكن إجراء هذه الجلسات أمام الجمهور.
وكما تعلّم الرئيس نيكسون خلال فضيحة ووترغيت، فإن هذا النوع من العلنية يمكن أن يكون له أثر مدمر. وإذا استطاع أعضاء الكونغرس إقناع مسؤولي الإدارة بالتحدث عما حدث، فإن هذه الشهادة يمكن أن تؤثر على آراء الأمريكيين الذين يراقبونهم.
في مجلس الشيوخ، يحتاج الأمر عدداً قليلاً فقط من الجمهوريين لتحويل الأغلبية ضد ترامب. ليس هناك الكثير مما يمكن للرئيس القيام به لطمأنتهم، لأنه لن يغير لحنه أبداً. ولكنه يستطيع تقديم تشريعات ومشاريع قوانين جذابة.
وبما أن المشرعين أصبحوا أكثر تركيزاً على انتخابات منتصف العام في 2018 والانتخابات الرئاسية في 2020، فإن الأمر الذي يحتاجونه حقاً لإعادة تنشيط الحزب الجمهوري هو مشروع قانون ضخم. إذا استطاع البيت الأبيض التحكم في زمام الأمور وبدء العمل على تمرير مشروع قانون في الكونغرس، يمكن لذلك أن يكون كافياً لتعزيز دعم الجمهوريين له في وقت يتجلى بوضوح أنه يتلاشى.
التشريعات لا تزال محورية في مبنى الكابيتول هيل (مقر الكونغرس)، إذ كانت أخطر التطورات خلال الأسبوع الماضي، بدء إعراب الجمهوريين عن قلقهم إزاء الإدارة، إذ تغير انتقادات زعماء جمهوريين مثل السيناتور جون ماكين، الذي قارن مؤخراً تحقيق روسيا بفضيحة وواترغيت، الديناميكية السياسية للتحقيق لأنه يخلق إمكانية معارضة لترامب من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي).
وهناك أيضاً استطلاعات الرأي والاقتراعات، التي لأول مرة، أظهرت تضاؤل الدعم لترامب بشكل دراماتيكي في أوساط الناخبين الجمهوريين.
كما أن قدرة الصحفيين على مواصلة عملهم ستشكل فهم الجمهور للدراما الجارية. ومشاهدة مدى فعالية الصحفيين المحافظين المتعاطفين في سرد الروايات البديلة ستكون مثيرة للاهتمام.
التسريبات ظلت تتدفق بمعدل ثابت، كما اتضح الجمعة الماضية، ويرجح أن وتيرتها ستتسارع. وفي مواجهة هذا الضغط، ومع احتمال أن ينأى ترامب بنفسه عن أعضاء فريقه، قد تبدأ بعض الشخصيات في البيت الأبيض بالانفصال علناً عن الإدارة لحماية أنفسهم. وفي حال تحدثوا، إما مع مولر أو أمام الجمهور عبر الكونغرس، قد يغير ذلك قواعد اللعبة.
لا يمكن التنبؤ بما سيحدث ضمن الفضائح
كما أن هناك دائماً تأثير الأزمات داخل الدولة وخارجها على حد سواء. إذ عادة ما تطغى الأحداث على النقاشات الوطنية. ومن المحتمل أن تؤثر بعض الأزمات الكبرى، من هجوم إرهابي إلى أسواق الأسهم المضطربة، على روح الشعب، بحيث تفقد فضيحة روسيا هيمنتها على الحوار العام.
هذا ليس حتمياً، بطبيعة الحال. إذ في وسط فضيحة ووترغيت، كانت هناك حرب كبيرة في الشرق الأوسط وعانت الولايات المتحدة في وقت لاحق من خلال نقص كبير في النفط. ومع ذلك، فإن تحقيق ووترغيت أصبح أقوى.
ورغم أنهم أقلية، سيتم اختبار حكم الديمقراطيين في الكونغرس أيضاً. إذ أثناء المعارك التي جرت حول عزل الرئيس بيل كلينتون، قلب نهج وموقف الجمهوريين الرأي العام ضدهم. وأصبح الجمهور يرى أن الجمهوريين هم المشكلة، عوضاً عن الرئيس.
يعتقد الكثير من الأمريكيين أن الجمهوريين كانوا متعصبين لحزبهم بشراسة وعملوا على إسقاط كلينتون بأي وسيلة. وقد ارتفعت معدلات قبول واستحسان كلينتون عندما تغير الحوار من الحديث عن أخطائه ليتمحور حول فكرة أن العملية برمتها كانت منحازة تماماً.
وسيحتاج الديمقراطيون إلى إيجاد توازن في الأشهر المقبلة من خلال الاستمرار في الضغط من أجل إجراء تحقيق شامل دون السماح للرئيس ترامب بأن يُظهرهم وكأنهم متعصبون لحزبهم ويقومون بتصنيع اتهامات للتعويض عن خسارة هيلاري كلينتون.
ومن الخطأ الكبير أن نفترض أن الفضائح ستتكشف بطريقة معينة. إذ يُوضح التاريخ أنها يمكن أن تنفجر، أو أن تتلاشى أو أن تستمر ببساطة.
وكما هو الحال عادة، فإن السياسة ستكون العامل الرئيسي في تحديد ما إذا كانت هذه الفضيحة، مثل قضية إيران-كونترا في الثمانينيات، سواءً تلاشت أم لا، فمثل ما حدث مع وواترغيت، قد تُسقط رئيساً وتغير أمة.