الرباط (CNN)— لا يزال الاحتجاج عنوانا لغالبية الأخبار القادمة من منطقة الريف المغربية، فرغم اعتقال الأجهزة الأمنية لما يقارب 135 ناشطا حسب تقارير حقوقية، منهم أهم الوجوه البارزة في الحراك، ورغم تعدّد المبادرات لإيجاد حلّ ينهي حالة الاحتقان، إلّا أن الاحتجاج لم يتوقف، إذ يستمر تقريبا بشكل شبه يومي.
وشهد أمس الأربعاء فصلا جديدا من التظاهر، فقد اختار المتظاهرون في مدينة الحسيمة إطفاء أنوار المنازل والمحلات التجارية الاحتجاج بـ"الطنطنة"، أي قرع الأواني في الليل، للاحتجاج على استمرار الاعتقالات، واستمر القرع لمدة من الوقت، وحسب نشطاء، فقد شهد مشاركة كثيفة ليس فقط في الشوارع وأماكن التظاهر، بل كذلك من داخل المنازل.
وقامت مجموعة من الجمعيات المدنية بإنشاء مبادرة حملت اسم "المبادرة الوطنية لأجل الريف"، خُلقت لأجل معرفة أسباب التظاهر والسماع من جميع الأطراف، حسب ما يؤكده منسقها محمد النشناش، متحدثا لـCNN بالعربية عن أن التظاهر لأجل تحقيق مطالب اقتصادية واجتماعية استمر سلميا لثمانية أشهر رغم الحضور الأمني المكثف، إلّا أن حادثة المسجد خلفت مواجهة بين بعض المتظاهرين وعناصر الأمن، نتج عنها جروح بين الطرفين، واعتقالات تصل أو تفوق مئتي معتقل، حسب قوله.
ائتلاف حقوقي: هذه "انتهاكات" مسجلة
ونشر الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان، الذي يتكون من 22 جمعية حقوقية مغربية، تقريرا أمس الأربعاء أشار من خلاله إلى وقوع "العديد من انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من لدن القوات العمومية وبعض رجال السلطة المحلية وجماعات 'بلطجية'، متهما القوات العمومية بـ"العنف المفرط" الذي أفضى إلى عشرات الجرحى بينهم مواطنين غير متظاهرين.
وفي الوقت الذي كانت فيه وزارة العدل والحريات المغربية قد نفت وجود تعذيب للمعتقلين، قال تقرير الائتلاف إن شهادة مندوب الصحة بالإقليم تفيد باستقبال 19 معتقلا لأجل العلاج، وإن المحامين صرّحوا أن عددا من المعتقلين تعرضوا للعنف داخل مخافر الشرطة، متابعا أن جميع معتقلي الدار البيضاء وُضعوا في زنازين انفرادية، كما أن أسرهم تعاني لأجل اللقاء بهم.
"المغرب يخسر كثيرا على المستوى الحقوقي عندما تتدخل القوات العمومية خارج القانون، وعندما يتم تصفية الحسابات عن طريق القضاء وعندما تنتهك السلطات العمومية عددا من حقوق الإنسان، وهو ما ينطبق على الريف" يقول محمد الزهاري، عضو الائتلاف، لـCNN بالعربية.
و"من مظاهر هذا الانتهاك، هناك الحصار الأمني المضروب على الحسيمة" يقول الزهاري، فـ"هناك أحياء كسيدي العابد لا يمكن أن تلجها إلّا إذا كنت مقيما فيها أو لديك أقرباء هناك وتريد زيارتهم لغرض عائلي، وهو ما عاينه أفراد من الائتلاف"، مردفا "أن التضامن الواسع مع الريف داخل وخارج المغرب يشكّل محاكمة لتعامل السلطة مع الوضع".
أيّ حل للخروج من الاحتقان؟
أوصى الائتلاف الحقوقي بإطلاق سراح المعتقلين وإنهاء كل المتابعات المرتبطة بحراك الريف، وفتح حوار مسؤول مع قادة الحراك والقطع مع المقاربة الأمنية وفتح تحقيق قضائي حول "الانتهاكات"، وجبر الأضرار المادية والمعنوية، والتعجيل بإصدار ظهير يلغي عسكرة الحسيمة، وهي الوثيقة التي سبق لوزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، أن نفى وجودها، متحدثا عن أن الحسيمة إقليم كباقي أقاليم المغرب.
ويرى محمد الزهاري، عضو الائتلاف أن الحل الوحيد الذي يلوح في الأفق لإنهاء حالة الاحتقان والبدء بإنهاء الأزمة هو إطلاق سراح المعتقلين، مشيرًا أن المتابعات "غير قانونية بما أنها جاءت نتيجة الاحتجاج والتظاهر والتتبع الذي يحظى به الحراك".
كما وضعت "المبادرة المدنية من أجل الريف" عدة توصيات لإنهاء الاحتقان، فزيادة على الإفراج عن المعتقلين وإيقاف المتابعات بحقهم، طالبت بانطلاق مسار تفعيل المطالب ذات الأولوية التي يرفعها المحتجون، والتوقف عن كيل التهم للمحتجين من قبيل "الخيانة والعمالة للخارج"، وحوار بين ممثلي الحكومة والنشطاء، واعتبار مشروع "الحسيمة منارة المتوسط" وكامل الملف المطلبي بمثابة خارطة طريق تترتب عنها التزامات ملموسة تتبعها لجنة ثلاثية من النشطاء والحكومة والمنتخبين.
ووضعت المبادرة توصيات متوسطة منها استكمال تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وإدراج دراسة أحداث الريف في برنامج عمل معهد تاريخ المغرب، ودراسة شروط إعادة رفات محمد عبد الكريم الخطابي إلى المغرب وإنجاز مشاريع ثقافية تخص هذا القائد، وخلق برامج لفائدة نساء المنطقة، واعتبار منطقة الريف ضمن الأولويات التنموية الوطنية، وإقرار تحفيزات مالية وضريبية لصالح منطقة الريف.
ويشاطر النشناش فكرة أن إطلاق سراح المعتقلين هي مدخل تهدئة الوضع، مشيرًا أن العفو الملكي عنهم هو الحل: "إذا كان الوطن غفور رحيم مع من حملوا السلاح في وجهه، فكيف لا يكون مع شباب خرجوا فقط للتظاهر؟ فحسب اتصالاتنا معهم، كل مطالبهم اقتصادية واجتماعية وليست سياسية، كما أن الحكومة التزمت بالاستجابة لهذه المطالب".
ويتابع النشناش أنه متفائل: "السلطات العمومية من حكومة وقضاء ناس مسؤولين يحبون الخير لبلادهم، شأنهم شأن المتظاهرين الذين يريدون حقوقهم. حتى في سنوات الرصاص كنا متفائلين بإمكانية المصالحة وهو ما وقع، لذلك فالاحتقان سينتهي في هذه القضية رغم محاولات بعض الأشخاص الركوب عليها من أجل التصعيد".