الرباط (CNN)—انتقد العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطابه الأخير الواقع الاجتماعي في بلاده، عندما قال إن المغرب يشهد "مفارقات صارخة من الصعب فهمها"، وإن "برامج التنمية البشرية والترابية، التي لها تأثير مباشر على تحسين ظروف عيش المواطنين، لا تشرفنا، وتبقى دون طموحنا"، رغم تأكيده أن البلاد تشهد تطورا مستمرا.
وليست هذه هي المرة الأولى التي ينتقد فيها الملك واقع البلاد، فقد سبق له أن تساءل "أين الثروة؟"، وسبق له أن وجه انتقادات كبيرة للإدارة العمومية وللأحزاب السياسية، ممّا يجعل المؤسسة الملكية تتفق بشكل كبير مع آراء فئات عريضة من الشارع المغربي عندما تتحدث عن أن الأوضاع لا تسير كما يجب، ومع تقارير عدة منظمات دولية ومحلية، تكشف عن اختلالات اجتماعية يعرفها المغرب.
تعرّف أكثر على الموضوع:محمد السادس: المغرب يعيش مفارقات صارخة.. وبرامج التنمية البشرية لا تشرّف
ففي تقرير التنمية البشرية لعام 2016، الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، احتل المغرب المركز 123 عالميا من أصل 188 دولة قدم البرنامج مؤشراتها، وجاء المغرب في صنف الدول التي تشهد تنمية بشرية متوسطة، وهو ثالث تصنيف في السلم، بعد "تنمية بشرية مرتفعة جدا"، و"مرتفعة"، وقد تقدمت عليه بلدان تشهد نزاعات داخلية كالعراق وليبيا، أو أخرى خرجت للتو من تداعيات الربيع العربي كمصر وتونس، أو أخرى في عمق إفريقيا كبوتسوانا.
وعلى الصعيد المحلي، فتقرير مجلس أنشأته الدولة، هو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لعام 2015 (صدر عام 2016)، يشير إلى أن المغرب، وإن حقق عددا من المكتسبات كتقليص الفقر المدقع، وتخفيض طفيف للفوارق بين الأجور، وتحسين مستوى التمدرس، وتقليص وفيات الأمهات والأطفال إلى النصف، وانخفاض أسعار الدواء، ووجود جهود لتعميم التأمين الإجباري عن المرض، وارتفاع نسبة الولوج للسكن الاقتصادي، فإنه في المقابل، يشهد مجموعة من التحديات.
ومن هذه الأخيرة، هناك استمرار الفوارق بين الوسطين الحضري والقروي في الولوج إلى التعليم والصحة، وغياب جودة في التعليم، وعدم استجابة العلاج لحاجيات المواطنين، وقلة الأطباء مقارنة بعدد الساكنة وتركزههم في مناطق معينة، وعدم بلوغ برنامج التأمين الإجباري عن المرض أهدافه، واستمرار بقاء ثلثي الساكنة النشيطة خارج أنظمة التقاعد، ووجود عوائق أمام الحركية المهنية، وغياب حوار اجتماعي مسؤول في مجال الشغل، فضلا عن مشاكل النقل الحضري.
وسبق للمندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة عمومية) أن نشرت في فبراير من هذا العام، مذكرة إخبارية جاء فيها أن ما يقارب مليون و685 ألف شاب مغربي، تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، لا يعملون ولا يدرسون ولا يتابعون أيّ تكوين، أي ما يصل إلى شاب من كل أربعة شباب في هذه الفئة العمرية.
تعرّف أكثر على الموضوع: أرقام رسمية: حوالي 1,68 مليون شاب مغربي لا يعملون ولا يدرسون
كما أشارت المندوبية إلى أن الشابات ضمن هذه الفئة هن الأكثر تضررا، إذ تصل نسبتهن إلى 44 في المئة من صفوف مجمل شابات المغرب في هذه الفئة، بينما لا تتجاوز النسبة عند الشباب الذكور 11.7 في المئة. وقد سبق للمؤسسة ذاتها أن دقت ناقوس الخطر فيما يتعلق ببطالة خريجي المعاهد والمدارس العليا، التي باتت تشهد منحى تصاعديا.
وأطلق العاهل المغربي عام 2005 مشروعا ضخما كلّف ميزانية كبيرة اسمه "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، يهدف إلى محاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي والنهوض بالأنشطة المدرة للدخل ودعم مشاريع البنية التحتية وأهداف أخرى، بيدَ أن المبادرة لم تحقق كلّ المأمول منها، إذ أبدى العاهل المغربي في خطاب العرش لعام 2015 انشغاله باستمرار الأوضاع الصعبة للمواطنين في المناطق المعزولة، واستمرار الخصاص بهذه المناطق، مبرزا أن مبادرة التنمية البشرية ستحمل توجها جديدا.
"رغم وجود إرادة عملية لتحقيق التنمية وخدمة المواطنين، فهناك اختلال في التطبيق وفي تنصل المسؤولين من مسؤولياتهم بمصوغات واهية" يقول عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، في تصريحات لـCNN بالعربية، مبرزًا أن هذه الإرادة "تصطدم بمنعرجات وثغرات في التفاصيل، ترمي بأهداف المصطلح عرض الحائط"، بل إن الواقع "يزيد قتامة من خلال تعميق الفوارق بين المناطق وأبناء المنطقة الواحدة".
ويحمّل الخضري المسؤولية في الوضع إلى ما يراه خللا في السياسة المتبعة من لدن الدولة، فهي تدعم المناطق والشرائح الاجتماعية على أساس "الولاء السياسي والبرغماتية الرأسمالية"، كما أنها لا "تنمي الأنشطة المبنية على الإنتاج، أي تلك التي تدر قيمة مضافة، بل تركز على أنشطة ريعية في معظمها، كما أن حتى الأنشطة التي توجد فيها إنتاجية، تفتقد إلى الرؤيا المستقبلية والمواكبة المستمرة"، ممّا يجعل من تحقيق أيّ قفزة في التنمية البشرية أمرا مستحيلا حسب قوله.
وأبرز الخضري أن الخطاب الملكي استشعر الأزمة ووضع الأصبع على الجرح، لكن "يجب الاعتراف أن الجرح غائر، وكل الانتقادات لن تستطيع رفع الواقع مما هو فيه، لان الأمر بلغ مستويات عميقة، مما يستدعي إعادة النظر في كل النسق، ولن يتأتى ذلك إلا بتغيير الفلسفة والمنهجية التي يدار على أساسهما"، متحدثا عن أن المغرب يحتاج "تنمية ديمقراطية حقيقية، تضع الحسابات السياسية جانبا، ويحمل مخططوها على أعناقهم أمانة توفير مقومات النمو الضرورية".