الطويان حول الروهينغا: ميانمار تنتهج التطهير العرقي.. وهذه جهود السعودية في القضية

العالم
نشر
10 دقائق قراءة
الطويان حول الروهينغا: ميانمار تنتهج التطهير العرقي.. وهذه جهود السعودية في القضية
Credit: Dan Kitwood/Getty Images

مقال بقلم المحامي خالد بن صالح الطويان، الذي شغل سابقاً منصب الأمين العام للهيئة الاسلامية العالمية للمحاماة. المقال يعبر عن رأي الاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.

ظلّت قضية الأقلية المسلمة في دولة ميانمار إحدى القضايا الأكثر إيلاماً في العصر الحديث، حيث تمارس الأجهزة الرسمية للدولة ضد بعض مواطنيها ممّن يمثلون أقلية من أقليات العالم أسوأ أنواع الظلم، فلا تكاد وتيرة القتل والتهجير والاضطهاد تهدأ حتى يتّقد أوارها وتتصاعد حدتها مرة أخرى، واستمر الحال على هذا المنوال على مدار سبعين عاماً عانى فيها المسلمون في ميانمار شتى صنوف الظلم والعذاب ولا يزالون كذلك.

ولا يختلف اثنان في أن القتل في ميانمار إنّما يمارس على أساس الهوية الإسلامية، وكل هذه الحملة الشعواء التي تقودها الجماعات البوذية المتطرفة بمعاونة وتواطؤ من جيش ميانمار ضد المدنيين العزل فقط لأنهم مسلمون، ولا يزال التطهير العرقي وإحراق وإجلاء القرى المسلمة وممارسة شتى أنواع الاضطهاد والإذلال تمارس بشكل علني وعلى مرأى ومسمع من جميع دول العالم.

ظلّت قضية الأقلية المسلمة في ميانمار من أولويات القضايا التي تشغل المملكة العربية السعودية، وكعادتها  في خدمة قضايا المسلمين بادرت المملكة على المستوى الرسمي والشعبي لنصرة هذه الفئة المظلومة والمضطهدة، فإلى جانب ما تقوم به المملكة من دعم مادي ومعنوي متواصل لمسلمي ميانمار، ومن خلال الأعمال الخيرية المقدّمة للاجئين في دول الجوار وسعيها الحثيث لإعادة المهجّرين منهم، سعت السعودية أيضاً على المستوى الدولي لإدراج هذه القضية ضمن أجندة الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي ومارست العمل الدبلوماسي للضّغط على حكومة ميانمار لإيقاف الأعمال العدوانية التي تقوم بها أجهزتها الرسمية وتواطؤها مع الجماعات البوذية المتطرفة، بل إن العلاقات الدبلوماسية التي فتحتها السعودية مع دولة ميانمار لم تكن من أجل تبادل المصالح الاقتصادية أو الاستثمارية أو نحوها، بل كانت من أجل الوصول الى المظلومين من المسلمين في هذه الدولة وإغاثتهم.

وتحظى الجالية البورمية (من مسلمي ميانمار) في السعودية بمعاملة خاصّة من حكومة المملكة، فضلاً عن احتضان مكة المكرمة لكثير من الفعاليات والمنظمات التي تخدم هذه القضية المهمّة.

في عام 2012 أقامت الهيئة الإسلامية العالمية للمحامين التابعة لرابطة العالم الإسلامي (سابقاً) مؤتمراً مهمّاً ومتفرّداً من نوعه، وذلك لأنّه جمع مختلف المنظمات والجمعيات التابعة لمسلمي ميانمار والتي تعمل على خدمة هذه القضية، وقد تمخّض عن هذا المؤتمر توقيع اتفاقية بين ممثلي هذه المنظمات مع (اتحاد أراكان روهينغا) ولأول مرة يتم تلاحم جهود هذه المنظمات وجمعها بموجب اتفاقية أسست للعمل المشترك وقد شرفنا برعاية هذه الاتفاقية وكانت من أهم مخرجات هذا المؤتمر، كما حضر المؤتمر مجموعة كبيرة من الخبراء في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وبعض الوزراء والسياسيين السابقين.

كان المؤتمر نقطة تحوّل مهمّة في قضية مسلمي ميانمار لكونه أول مؤتمر متخصص يتناول القضية من الجوانب القانونية والإنسانية، وقد أجمع المؤتمرون بكافّة أعراقهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم السياسية على إدانة حكومة ميانمار بارتكابها جرائم تخالف قواعد القانون الدولي والأعراف الدولية، كما طالب المؤتمر من المجتمع الدولي التدخل العاجل من أجل الضغط على حكومة ميانمار فوراً باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف عمليات القتل  والتهجير و الإبادة التي تمارس ضد أقلية الروهينغا في دولة ميانمار وتطبيق مبدأ التدخل الإنساني في ميانمار من أجل إنقاذ حياة أقلية الروهينغا وتمكين ومساعدة ودعم المواطنين الروهينغا من العودة والإقامة في وطنهم وتمتعهم بحق المواطنة ووقف تهجيرهم إلى دول العالم المختلفة. كما توجّه المؤتمر بدعوة للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي للتحرك دبلوماسياً بالضغط على حكومة ميانمار من أجل إيقاف الانتهاكات التي تتعرض لها الأقلية المسلمة على أرضها، واستدعاء سفراء دولة ميانمار والتأكيد عليهم بوجوب وقف هذه الانتهاكات، وحث الدول المتاخمة لميانمار بتكثيف جهود الاغاثة والعمل الانساني للروهينغا، وشددت على أهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة على كافة الأصعدة السياسية والإعلامية والقانونية لإجبار سلطات ميانمار على ضرورة تحقيق العدالة ووقف الانتهاكات وإعادة حقوق المواطنة إلى شعب الروهينغا.

كذلك ما يميّز هذا المؤتمر خروجه بتوصيات تتضمّن وجوب إقامة دعاوى أمام جهات القضاء الدولي المختص لملاحقة مرتكبي الجرائم ضد أقلية الروهينغا في ميانمار، والعمل على إنشاء مرصد لتوثيق الجرائم والانتهاكات وجمع المعلومات وأدلة الإثبات والوثائق الخاصة بهذه الانتهاكات لتكون مرجعاً لكافة الجهات الدولية والقانونية والإعلامية المهتمة بهذه القضية، وهذه الدعاوى لو وجدت الدعم الكافي كانت ستشكل فارقاً حقيقياً ونقطة مهمّة جداً في مسار الأقلية المسلمة في ميانمار لكونها وسيلة من وسائل الضغط المهمّة على الحكومة والورقة الرابحة لهذه القضية بجانب بقية التوصيات التي خرج بها المؤتمر.

ورغم الجهود التي تبذلها السعودية على الصعيد الرسمي (دولياً وداخلياً) وعلى الصعيد الشعبي، فإنّه لا بد من تضافر جهود كافّة الدول والمنظمات الاقليمية والدولية انطلاقاً من الواجب الإنساني الذي يمليه الضمير السوي المحب للخير والكاره للظلم والاستبداد، وأن تعمل الدول المتاخمة ممّن يقصدها اللاجئين الروهينغا هروباً من جحيم القتل والعنف على إغاثة اللاجئين وإقامة المخيمات وتقديم المعونات الطبية والغذائية ومراعاة الظروف الصعبة التي يعبر بها هؤلاء المضطهدين، وتسهيل إدخال المواد الإغاثية خصوصاً دولة بنغلاديش والتي لم تكن بالقدر الكافي من المسؤولية، وعمدت إلى منع اللاجئين من ولاية راخين (أراكان) شمال غرب ميانمار من العبور إلى داخل بنغلاديش، ومحاصرتهم رغم أنّ العبور نفسه يعد مخاطرة كبيرة يتعرّض فيها اللاجئين إلى الاستغلال والتعذيب والقتل من قبل المهربين، حيث اعترفت منظمة العفو الدولية قائلةً على لسان قسم شؤون اللاجئين في المنظمة إن "الانتهاك البدني اليومي الذي يتعرض له أبناء الروهينغا العالقون على متن القوارب في خليج البنغال وبحر أندامان انتهاك مروع إلى حد تكاد تعجز الكلمات عن وصفه. لقد فروا من ميانمار لكنهم استبدلوا كابوساً بآخر، وحتى الأطفال لم ينجوا من هذه الانتهاكات،" كما ذكرت كذلك: "لقد استبد اليأس بالروهينغا إلى حد أنهم سيظلون يخاطرون بأرواحهم عبر البحر إلى أن تتم معالجة هذه الأزمة من جذورها. لذلك يجب على حكومة ميانمار أن تضع حداً لاضطهاد طائفة الروهينغا على الفور".

إنّ إجبار حكومة ميانمار على احترام القانون الدولي وكفّ يد البطش والتقتيل والظلم ضد هذه الأقلية أصبح واجباً حتمياً حتى لو أدى ذلك إلى التدخل الإنساني المباشر ولا عبرة بمبدأ السيادة في مثل هذه الحالات التي تعمد فيها دولة ما إلى تطهير عرقي ممنهج يشمل النساء والأطفال والشيوخ ولا يستثني المدنيين من سواهم، حيث أن الانتهاكات التي مارستها حكومية ميانمار هي ذات الأفعال الموصوفة في المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها والتي تنص: "في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: 1- قتل أعضاء من الجماعة. 2- إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة. 3- إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً. 4- فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة. 5- نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى."

وقد نصّت الاتفاقية على أن يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية أو التآمر على ارتكابها أو التحريض المباشر والعلني على ارتكابها أو محاولة ارتكابها أو الاشتراك فيها سواء كانوا حكاماً دستوريين أو موظفين عامّين أو أفراداً أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية.

 إن مأساة أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار وصمة عار على جبين البشرية، والصمت عن هذه المأساة المتجددة المتجذرة إعانة على الظلم ومشاركة في القتل والتهجير والاضطهاد، وعلى جميع دول العالم والمنظمات الدولية الحقوقية منها والإنسانية القيام بواجبها تجاه هذه الأقلية وتحييد المصالح السياسية الضيّقة لا سيّما وأن معظم الضحايا من الأطفال والنساء المغلوبين على أمرهم.