من الرسالة السنوية لبيل وميليندا غيتس، رئيسا مؤسسة بيل وميليندا غيتس الخيرية. الرسالة التي شكلت الأساس للكثير من النقاط الواردة في المقال أدناه متوفرة بالكامل على الرابط التالي (اضغط هنا). الآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظرهما.
هل من العدل أن يكون لكم كل هذا النفوذ؟
سؤال سمعناه أكثر من مرة خلال السنوات الـ18 الماضية منذ أن أطلقنا مؤسستنا. وجوابنا هو: كلا. ليس من العدل أن نمتلك كل هذه الثروة في حين أن مليارات البشر ليس لديهم سوى القليل من المال، كما أنه ليس من العدل أن تفتح ثروتنا الأبواب المغلقة أمام معظم الناس.
ولكننا في جميع الأحوال نقوم بهذه المهمة ونستخدم نفوذنا لمساعدة الناس قدر الإمكان ولدعم المساواة في جميع أنحاء العالم. ونحن نحرص على الشفافية في توضيح ما نموله والنتائج المسجلة، وقد يكون من الصعب أحيانا تحديد طبيعة المبادرات الناجحة وتلك الفاشلة، ولكن فريق العمل في مؤسستنا يعمل بجهد لتقييم تأثيرنا وتصحيح مسارنا وتشخيص الدروس المستفادة.
رغم تحقيقنا لبعض النجاح في دفع العالم إلى الاهتمام أكثر بالصحة والفقر المدقع، غير أنه من الصعب القول في هذه المرحلة أننا نجحنا في جعل العالم يهتم بذلك كثيرا.
امتلاك النفوذ يصعّب مهمة الحصول على تقييم صادق. ففي عالم الإعمال يسارع الزبون عادة لإعلامك بالخطأ الذي ترتكبه، ولكن الأمر مختلف في عالم الأعمال الخيرية. بعض الذين لديهم انتقادات لا يصرحون بها خشية خسارتهم لما نقدمه لهم من تمويل، لهذا السبب فإن توجيه الأسئلة القاسية والرد عليها أمران بالغا الأهمية، كما أن هذا الواقع يفرض عليها توظيف خبراء واستشاريين من أصحاب الكفاءات العالية ومواصلة التعلّم من ممارساتنا والبحث دائما عن وجهات نظر أخرى.
مع أن مؤسستنا هي الأكبر في العالم، إلا أن شركات الأعمال والحكومات تنفق أكثر منا، فعلى سبيل المثال تنفق ولاية كاليفورنيا الأمريكية على نظامها الدراسي الحكومي أكثر من كامل ما نتعهد به سنويا.
ونحن نستخدم مواردنا بطريقة محددة جدا، وهي: اختبار التكنولوجيا الجديدة الواعدة وجمع وتحليل المعلومات والبيانات ودفع شركات الأعمال والحكومات إلى تطوير ودعم التكنولوجيا التي نكتشف نجاحها من أجل إدامة الاستفادة منها. نحن نريد أن نشكل حواضن للكثير من الأفكار المتنوعة ومن ثم إطلاق الناجحة منها إلى العالمية.
هناك سؤال استطرادي يتبع التساؤل حول نفوذنا وهو: إن لم يكن من العدل امتلاك ثروة بهذا الحجم فلماذا لا تقدمانها كلها للحكومة؟ الإجابة هي أننا نؤمن بأن المؤسسات المستقلة سيكون لها على الدوام أدوار مميزة لتلعبها، فهي قادرة على امتلاك وجهة نظر شمولية وعالمية تبحث عن الاحتياجات الكبرى للبشرية وتنفذ مقاربات طويلة الأمد لحل المعضلات الصعبة وإدارة المشاريع المرتفعة المخاطر التي تمتنع الحكومات أو الشركات عن الدخول فيها.
بحال جرّبت الحكومات تنفيذ فكرة معينة اتضح لاحقا أنها فاشلة أو أن من يشرف عليها لم يكن يقوم بواجبه فإن سيخسر منصبه في الانتخابات، أما نحن فتقوم مهمتنا على تجربة أفكار نعرف أن بعضها سيفشل في نهاية المطاف، وإذا لم نقم بذلك فسنكون قد قصّرنا في واجباتنا.
إليكم سؤالا ثانيا نسمعه على الدوام: لماذا تتبرعون بأموالكما؟ ما تحصلون لقاء ذلك؟
الأمر لا يتعلق بالطريقة التي نعتقد فيها أن الناس ستذكرنا بها بعد رحيلنا. سنشعر بالسعادة الغامرة إذا انتهت ذات يوم أمراض مثل الملاريا وشلل الأطفال وطواها النسيان، وطوى معها ذكرى أننا عملنا لمحاربتها.
نحن ننفذ هذا العمل لأنه مهم ولأنه يوفر لنا مكافآت مجزية وهو ينسجم مع طريقة تربيتنا. كلانا جاء من عائلة تؤمن بأنها تركت أثرا جيدا على العالم بعد رحيلها. عائلة ميليندا كانت تحرص على زرع مفاهيم العدالة الاجتماعية المستوحاة من تعاليم الكنيسة الكاثوليكية في قلوب أبنائها. عندما كانت ميليندا ترتاد المدرسة الثانوية في دالاس تطوعت في مدرسة رسمية لمساعدة الطلاب المقصرين بمادة الرياضيات.
عائلة بيل دافعت عن عدد هائل من القضايا وروجت للكثير من المؤسسات المحلية في سياتل، من "يونايتد وي" إلى جامعة واشنطن، وصولا إلى حملات المدارس المحلية.
هذه القيم بالطبع لا تقتصر علينا، فهناك الملايين من البشر الذين يحاولون المساهمة في خير المجتمع من هلال التبرع بوقتهم ومالهم لمساعدة الآخرين. الأمر المميز فينا أننا نمتلك الكثير من الأموال التي تسمح لنا بتقديم تبرعات كبيرة. هدفنا هو تنفيذ ما تعلمناه من عائلتينا ونقوم بما علينا لتحسين وضع العالم.
كلانا يقوم منذ عقدين بهذا العمل - الذي يستهلك كل وقتنا تقريبا – أي خلال معظم فترة زواجنا وكذلك منذ وصول أولادنا إلى هذه الدنيا. الآن بات يستحيل فصل عمل المؤسسة عنا. نحن نقوم بهذا العمل لأنه حياتنا.
حاولنا نقل قيمنا إلى أولادنا عبر التحدث معهم حول عمل مؤسستنا، كما اصطحبناهم معنا عندما كبروا في رحلاتنا الخيرية كي يتمكنوا من رؤية الأشياء بأنفسهم. أمضينا آلاف الساعات ونحن نتعلم معنا ونقابل العلماء والمتخصصين وقادة العالم. هذه القرارات حول كيفية تمضية وقتنا وتحديد الكتب الأنسب للقراءة وكيفية التفكير تشكل صلب عملنا في المؤسسة، فنحن لا نمضي وقتنا في مشاهدة مسلسلات التلفزيون.
ربما كان بوسعنا قبل 20 عاما أن نتخذ قرارات مختلفة حول ما سنفعله بثروتنا، ولكن اليوم، يصعب علينا حتى أن نتخيل ذلك.