هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
بطبعي المتفائل إلى حد التعرض أحيانا إلى خيبات أمل مؤلمة، أصر على رؤية النصف الممتلئ دائما من الكأس – حتى "كأس التجارب" لا تخلو من خير أبدا. ما تم السبت الماضي في كابول والدوحة خير عظيم تمثل في خروج المعنيين مباشرة بأطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، خروجهم جميعا منتصرين: نعم فقد ربح الأميركان والطالبان والأفغان عموما ربحوا سلام أفغانستان.
في المقابل من خسر حرب أفغانستان؟ أكبر الخاسرين هم القاعدة التي كانت سبب الحرب والتي اتخذت من أفغانستان قاعدة لإرهاب تنظيمات تارة تطل برؤوسها سافرة وتارة مستترة خلف أقنعة أخرى. فالاتفاق الذي تم إبرامه بعد أشهر من المفاوضات وسنوات من الوساطات يقضي بقطع علاقات طالبان مع القاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية والعمل -وليس التعهد فقط- على عدم السماح باستخدام البلاد قاعدة أو مسرحا لأي مخططات إرهابية.
الخاسر الإقليمي الأول كدولة هي الجمهورية الإسلامية في إيران. فقد أسقطت الدبلوماسية الأميركية وباحتراف ورقة أفغانستان من يد إيران.
طبعا الخاسر الأكبر هو نفسه الرابح الأكبر وهم شعوب أفغانستان وأميركا وكل من فقد رجالا على هذه الساحة أو الدول التي عانت من ويلات الإرهاب سواء على أرض أفغانستان أو بعيدا عنها في بلادهم. أذكر هنا على سبيل الإشارة إلى وحدة معركتنا ضد الإرهاب، الشريف علي بن زيد آل عون ضابط الاستخبارات العسكرية الأردنية الذي قضي قبل عشر سنوات في خوست جنوب شرق أفغانستان، وراشد الزيود -ضابط قوات الدرك (قوة مكافحة الإرهاب) - الذي تصادف ذكرى مقتله مع كتابة هذه السطور، وقد قضى أثناء إحباط مخطط إرهابي كبير لداعش في إربد شمال الأردن.
بطبيعة الحال، هناك من سعى وحتى قبل إبرام اتفاق السلام إلى إحباطه والتشكيك بقدرته على الصمود ومن بينهم مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض المقال جون بولتون الذي وصف الاتفاق بأنه أشبه ما يكون باتفاقات أوباما مدركا أنه بذلك سيثير حنق الرئيس الأميركي دونالد ترامب. لكن الحقيقة المجردة تفيد بأن الاتفاق وبمجرد الإعلان عنه حقق ضربة انتخابية كبيرة وفي الوقت المناسب – قبل ثمانية أشهر – من الانتخابات الرئاسية. ترامب حقق أكبر وأهم وعوده الانتخابية وهي الانسحاب من الحروب اللا متناهية وإعادة القوات الأميركية إلى الوطن كونها قوات محاربة وليس عناصر شرطة "دولية". تلك مفاهيم لا تستطيع ماكينة الدعاية الحزبية أو تصفية الحسابات السياسية التقليل من وقعها على الناخب الأميركي.
يبقى للمتاجرين بأتراح وأفراح غيرهم أن نقول: أما آن لمن يفرح لقدرة أفغانستان على دحر "الغزاة" بالإشارة إلى بريطانيا وروسيا من قبل، أما آن لهم خوض معركة "الجهاد الأكبر"؟ دعونا نتابع أخبار عاجلة وتغطيات خاصة لقتل الجهل والمرض والفقر؟ نأمل مع المتفائلين أن تتكلل مساعي إعادة إعمار أفغانستان بالنجاح، طبعا بناء البشر قبل الشجر والحجر..