هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
قد يكون الشيء الوحيد المشترك الظاهر للعيان بين جائحة فيروس كورونا وصفقة القرن هو جاريد كوشنير. الرجل ما زال في أضيق دائرة المقربين المحظيين بثقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فبصفته مستشارا لدى ترامب، وبعد إنجازه مهمة تقديم صفقة القرن على الأقل من الناحية النظرية كعرض قابل للرفض وخاضع للتعديل، عهد الرئيس الأمريكي لصهره المستشار مهمة تقديم يد العون لفريق العمل الخاص بجائحة كورونا بقيادة نائبه مايك بينس بتوفير ما يلزم لمواجهة الجائحة من الناحية اللوجستية. ولعله بشكل أو بآخر، ينخرط على نحو أكثر حضورا في مهام إعادة فتح الاقتصاد الأمريكي وهي مهمة تعمل على أحد جوانبها عقيلته كريمة الرئيس إيفانكا التي أولت أصحاب الأعمال الصغيرة اهتماما خاصا.
يتسرع البعض كعادتنا للأسف في الشرق الأوسط، ويقول إن الجائحة أطاحت -فيما أطاحت- بالصفقة، لكنها في حقيقة الأمر غير ذلك. وبلا تردد أقول إنها ليست في المقابل ضامنة لـ "فرض" صفقة القرن أو إنجاحها. هي أقرب ما تكون إلى تعديلها. لكن السؤال الكبير هو هل ينحصر التعديل في الجداول الزمنية أم في أدوات الصفقة أم جوهرها؟ وهو الأهم في تقديري.
رغم كل ما يردده أصحاب "نظرية المؤامرة"، فإن جائحة القرن التي فاقت بضحاياها البشرية الحروب الأمريكية ضد النازية والفاشية والشيوعية والإرهاب مجتمعة، والتي بلغت فيها نسبة الضحايا الأمريكيين ربع ضحايا العالم من فيروس كورونا المستجد، هذه الجائحة بلغت في تدميرها ما يمكن اعتباره حربا عالمية.
إن كانت حربنا كبشر ضد الإرهاب وفي أكثر صوره توحشا - داعش – هو ما وصفه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بالحرب العالمية الثالثة وإن كانت تلك الحرب كما وصفها بعض المنظرين المستشرقين بمثابة الحرب الأهلية في العالم الإسلامي، فإن كوفيد 19 هو بحق حرب عالمية رابعة من جهة ومن جهة أخرى يُخشى أن يكون منطلقا لحروب في العالم كله.
حتى ونحن في أتون صراع البقاء مع كورونا، نخوض حروبا حول موقفنا من الصين كدولة ومن الشيوعية كنظام ومن النظام العالمي الراهن بكل منظماته التي هي في الأصل من نتاج الحروب آنفة الذكر.
وفقا لتقارير استخبارية من ضمنها المخابرات الألمانية وفقا لما نشرته مجلة دير شبيغل المخضرمة، فإن دوائر الإدانة لا مجرد الاتهام تضيق أكثر فأكثر على مختبر ووهان. لو تعاملت السطات المحلية والمركزية بشفافية ولم يعش العالم بظلام دامس لستة أسابيع تفشى فيه الفيروس في العالم، لكان بالإمكان التعرف على حجم الخطر وطبيعته وبالتالي الاستعداد له بشكل أفضل وقائيا وعلاجيا.
كذلك هو الحال فيما يخص صفقة القرن، ثمة كثير من الكوارث الموضوعية المادية لا الجدلية السياسية قد زادت تعقيدا وتدهورا جراء جائحة القرن. نتحدث هنا عما كشفته الجائحة من عيوب بنيوية ووظيفية في دولنا وحكوماتنا وأحزابنا لا بل وفينا كأفراد.
لعلها فرصة للتعافي من الجوائح كلها وأمراضنا المزمنة أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا. أمام الموت والمرض تتراجع كثير من الأولويات وتتلاشى كثير من الأحلام والأوهام.
في الحالتين التعافي يبدأ بحسن التشخيص، علينا جميعا معرفة العدو الخفي على حقيقته. نحن أمام عالم جديد وليس فقط إقليم أو دولة أو منطقة جديدة. حقائق ومفاهيم آخذة بالتغيير الإرادي الخارجي والتغير الذاتي اللاإرادي في معظم الأحيان.
لنفتح الأبواب والنوافذ ونعمل أولا على تجديد الهواء الثقيل، لندع النور والشمس يقتلع الرطوبة والعفن والطحالب حتى لا تبقى مرتعا لخفافيش الظلام وفيروساتها الفتاكة.
ما من شيء غير قابل للنقاش ما دام يطرح بالنور أمام الناس، الناس الحقيقيين أصحاب المصالح الحقيقية لا المتنطعين ولا الانتهازيين. كذب كل من افترى أن الزمن لصالح أصحاب الحقوق، فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. وكلنا بهذا سواء شرق النهر وغربه في إسرائيل والضفة والقطاع وعبر ضفاف المتوسط والخليج والأحمر والأسود والأطلسي والهادئ، كلنا في همّ الجوائح شرق!