رأي.. بشار جرار يكتب عن معضلة "التحكم" في المحتوى: أمن الانتخابات وعمالقة التقنية المعلوماتية

العالم
نشر
5 دقائق قراءة
تقرير بشار جرار
الانتخابات الرئاسية في أمريكا
Credit: JEFF KOWALSKY/AFP via Getty Images

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

كانت جلسة استماع لا استجواب على النقيض من جلسة سابقة شهدها مجلس النواب الأمريكي ذو الغالبية الديمقراطية. استجواب وزير العدل الأمريكي بيل بار كان بحضوره شخصيا أمام اللجنة القضائية، فيما أطلّ 4 من عمالقة شركات التقنية المعلوماتية وهم مديرو غوغل وفيسبوك وآبل وأمازون. 

أطلوا "إلكترونيا" على لجنة فرعية منضوية تحت تخصصات اللجنة القضائية - من مكاتبهم الوثيرة على الجانب المقابل من أمريكا شمالا من مدينة سياتل في ولاية واشنطن الأميركية وجنوبا في "السيلكون فالي" جنوبي سان فرانسيسكو شمال ولاية كاليفورنيا. لم يخل الأمر من بعض "غليتشات" أو تقطعات في البث، الأمر الذي تسبب ببعض الحرج والتقاط الأنفاس من وقت لآخر كلما احتد النقاش. 

خلافا للأجواء المتوترة على نحو غير مسبوق في جلسة استجواب، الثلاثاء، اتسمت جلسة استماع الأربعاء بمناوشات وتجاذبات بين النواب الجمهوريين والديمقراطيين لم تحل دون اتفاقهم على جملة من المخالفات أو على الأقل من المخاوف التي تتطلب توضيحا أو تعديلا في سلوك تلك الشركات التي تحصى موجوداتها بالتريليونات وأرباحها الصافية بالمليارات سنويا. 

اتفق الجانبان مثلا على الموضوع الذي تحمل اسمه هذه اللجنة الفرعية وهي "لجنة محاربة الاحتكار" وضمان التنافسية الحرة والعادلة بين الشركات والأفراد من القطاعين العام والخاص. نالت شركتا غوغل وأمازن أعلى الانتقادات صوتا وحدّة. من ضمن الأمثلة المطروحة كانت الحرب التي شنتها غوغل كمحرك بحث على شركة خاصة ساهمت في خفض أسعار حفاضات الأطفال. دهاقنة خورزمة المعلومات "اللوغرتمات" قاموا بوضع مصفوفة "ماتريكس" أسفرت عن كساد الشركة النامية مما أدى إلى الاستحواذ عليها ومن ثم إعادة رفع الأسعار مما أضر بقطاع واسع من المستهلكين "الضعفاء" وهم الأمهات بلا أزواج أو المتزوجين حديثا من ذوي الدخول المتدنية وحتى الوسطى. 

بالمقابل احتدم السجال واحتدّ فيما يخص مسألة التحكم في المحتوى المعلوماتي والدعائي لأسباب سياسية أو فكرية. أقوى المنتقدين كان كبير الأقلية الجمهورية في اللجنة القضائية النائب جيم جوردان. عرض جوردان المشهور بظهوره الدائم متجردا من "الجاكيت" وهو البطل السابق في عالم المصارعة بولاية أوهايو، سلسلة من المخالفات موثقة ومؤرخة التي تثبت على الأقل من وجهة نظره كجمهوري وكمحافظ، تورط غوغل وفيسبوك بالانحياز لصالح الحزب الديمقراطي والثقافة الليبرالية والعداء إلى حد الحظر والشطب لمؤيدي الطرف الآخر من جناحي الديمقراطية والتعددية الأمريكية.

أقوى الأمثلة كانت تعميما داخليا من الانتخابات الرئاسية السابقة كشف عن تبرع غوغل السري لحملة هيلاري كلينتون وتدخلا عبر خورزمة المعلومات يتيح مشاركة أكبر للناخبين من أصول لاتينية تحديدا في الولايات المتأرجحة انتخابيا. 

ولزيادة حرج العمالقة الأربعة وخاصة غوغل وفيسبوك ورغم غياب مدير تويتر التنفيذي ومالكها عن الجلسة، تطرق الحديث إلى شطب إعادة تغريدة للرئيس دونالد ترامب وإلغاء حساب نجله الأكبر من تويتر لإعلان خاص باستخدام العقار المثير للجدل هيدروكسي كلوروكين رغم أن الإعلان جاء في مؤتمر صحفي عقده أطباء الميدان الذين شهدوا بنجاعة العقّار علاجيا ووقائيا. 

الصادم في دفاع مارك زوكربيرغ المدير التنفيذي لفيسبوك عن واجب الإلغاء قوله إن معلومات غير موثقة كتلك من شأنها تعريض حياة الناس للخطر ومعياره العلني في ذلك هو ما يصدر عن منظمة الصحة العالمية! السؤال الكبير هنا خاصة للقادمين من دول العالم الثالث الحالمين ببقاء أمريكا قائدة ومنارة للعالم الحر: من جعل منك يا زوكربيرغ ومن منظمة الصحة العالمية القيّمين على حرية الناس في النقاش وحقهم بالاختيار؟! سؤال قد يجيب عليه الناخب الأمريكي في الثالث من نوفمبر المقبل.

على أي حال دفع السجال الراهن بين مؤيد ومعارض للتصويت عبر البريد إلى زيادة مخاوف مناوئي الصين وشركات التقنية المعلوماتية في التدخل "الخشن" بالانتخابات الرئاسية عن طريق استصدار نسخ مزيفة للاقتراع ستنتهي في حال كشف زيفها بالإلغاء. قبل ساعات من كتابة هذه السطور، أشار ترامب إلى حوادث عدة شهدتها لوس أنجلوس وبنسيلفانيا ونيوجيرسي جميعها تحذر من التزوير الناعم عبر التلاعب بالقناعات أو الخشن الفج عبر ضياع الأصوات ونتحدث هنا عن آلاف مؤلفة ذهبت مع الريح بعد نحو 6 أسابيع من محاولات الفرز لانتخابات محلية. باختصار، الأمن السيبراني في هذه الانتخابات يبدأ من عمالقة "التك".