هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
ثلاثة وثمانون يوما على الانتخابات الرئاسية الأمريكية وجو بايدن المرشح الديمقراطي يعلن الثلاثاء اختيار كامالا هاريس نائبا له في حال انتزاعه الرئاسة من دونالد ترامب الذي استبق الإعلان بوصمها بالزيف (فوني كامالا).
لكن ما جاء في دعاية انتخابية متلفزة لا يستطيع تزييف جملة من الحقائق التي تصب في صالح كامالا التي وصفها مؤيدوها بـ"كاي هايف" على غرار المطربة الأمريكية من أصول أفريقية بيونسيه وحمّى الـ"بي هايف". ولعل أبرز ما أراده بايدن ومن ورائه "مؤسسة" الحزب الديمقراطي هو ذلك "الهايف" أو الحماسة التي ترد على وصم ترامب بايدن بالملل وقد وصفه بعيد إعلانه دخول السباق الرئاسي بجو النعسان (سليبي جو).
من أبرز الحقائق وجميعها جعلت من كامالا الأولى في كل شيء، هو كونها أول امرأة من أصول "أفريقية" تتولى منصب مدعي عام في ولاية كاليفورنيا وهي كذلك أول امرأة من أصول "آسيوية" تصبح عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي، وفي حال نجاح بايدن ستكون أول امرأة وأول ابنة مهاجرين وأول امرأة "ملونة" -وتلك التسمية الأدق- التي تصل إلى البيت الأبيض كنائب للرئيس. بايدن قالها صراحة عند دراسة خياراته بأنه يريد اختيار شخصية أصغر منه سنا تكون قادرة على إكمال المسيرة في حال جاء قضاء الله وانقضى عمره.
كان محسوما ومنذ وقت مبكر أن يتفادى بايدن اختيار كبار السن والرجال والبيض لغايات تتعلق باستقطاب مزيد من المؤيدين. كانت الأنظار تتجه نحو عضوة مجلس الشيوخ عن ولاية مينيسوتا إيمي كولبوشار، لكن مقتل جورج فلويد في تلك الولاية تحت ركبة الشرطي ديريك شوفين، عزز فرص اختيار امرأة من أصول إفريقية (ملونة) لاستمالة الناخبين من تلك الأصول وبشكل أعم الناقمين على إفراط الشرطة باستخدام القوة إضافة إلى اتهامات العنصرية.
بيد أن سجل كامالا التي واجهت بايدن في بداية حملتها الانتخابية بماضيه الداعم لدعاة الفصل العنصري والتمييز وذهبت أبعد من ذلك إلى حد تبنيها مزاعم من اتهمنه بالتحرش الجنسي، سجلها ليس بكامل في دعم العدالة والحرية، بل حافل بالعديد من العيوب من ضمنها اتهامات بغض الطرف عن قسوة الشرطة إثر مقتل شابين أسودين وشبهات بالتغاضي عن فساد في قضايا مخدرات أسفرت عن شطب نحو ألف قضية إضافة إلى مزاعم عدم توجيهها تهم فساد جراء تلاعب ومخالفات في قضايا ائتمان عقارية لبنك كان بقيادة وزير الخزانة الحالي ستيفن منوتشين.
بذلك لم يبق من اعتبارات تفضيل كامالا على آخر قائمة بأسماء منافساتها وبخاصة سوزان رايس مستشارة الأمن القومي في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، سوى استمالة الليبراليين واليسار الوسط والمتطرف في الحزب الديمقراطي. لكن يسارية كامالا إن جاز التعبير ليست ليبرالية كاملة لا اجتماعيا ولا اقتصاديا. فهي تؤيد الإجهاض لكنها مترددة في موقفها من عقوبة الإعدام حيث رفضت المطالبة بهذه العقوبة لقاتل شرطي الأمر الذي لم يسلم من امتعاض عرابتها في مجلس الشيوخ المخضرمة ديان فينشتاين وانتقادها لها علانية في تأبين الفقيد. وهي تدعو إلى تبني إباحة تدخين الماريجوانا رغم سجنها مئات المتهمين وغالبيتهم من السود، متباهية في الوقت نفسه بارتباط موقفها الداعي إلى شرعنة التحشيش بإرث جامايكا الأمر الذي دفع أباها الأمريكي الجامايكي الأصل إلى انتقادها علانية وهو الذي انفصل عن والدتها الأمريكية من أصول هندية وهي في ربيعها السابع. أما اقتصاديا فهي مع رفع الضرائب وتخفيض الإنفاق على الدفاع وحظر التنقيب عن البترول والغاز عبر ما يعرف بالتكسير "فراكينغ".
إنها بداية النهاية، ليس فقط نهاية السباق الرئاسي وإنما نهاية السباق التقليدي بين الجمهوريين والديمقراطيين. إنه سباق فريد من نوعه كون كلا الحزبين تحركا ومنذ ولاية أوباما الثانية تقريبا إلى مسافة أقرب إلى اليسار (الديمقراطي) واليمين (الجمهوري). وما تفضيل بايدن لهاريس على رايس سوى إقرار منه ومن مؤسسة الحزب بأن الغلبة هي لمعسكر بيرني ساندرز وإليزابيت وارن اللذين لم ينسحبا بسهولة كما انسحبت هاريس بعد حصولها على 2% فقط من الأصوات في ديسمبر العام الماضي.