هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
"أنت بالنسبة لي السيناتور كامالا". هكذا صححت نفسها مضيفة المناظرة اليتيمة لنائبي مرشحي الرئاسة عندما انتقلت بسؤال من نائب الرئيس مايك بنس إلى منافسته السيناتور كامالا هاريس. مدرسة صحفية غاية في الانضباط المهني في الحياد المطلق حتى بمخاطبة الضيفين رغم دعوة نائبة المرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي جو بايدن لسوزان بيج بمناداتها باسمها الأول.
على النقيض من الفوضى العارمة التي تميزت بها أولى المناظرات الرئاسية، مرت المناظرة بسلام وبسلاسة باستثناء بعض التجاوزات والمقاطعات الطفيفة التي لم تكن في مضمونها لا حادة ولا مشوشة لانسيابية الحوار. بيج تمكنت بالفعل من قلب الصفحة منذ بداية تقديمها لقواعد وهيكلية المناظرة التي استضافتها سولت ليك سيتي عاصمة ولاية يوتا الأمريكية إحدى الولايات التي يقطن غالبيتها تاريخيا طائفة المورمون التي ينتمي إليها زميل هاريس وبنس في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور ميت رومني المرشح الذي هزمه الرئيس السابق باراك أوباما ونائبه جو بايدن.
تسعة محاور في تسعين دقيقة أولها التعامل مع جائحة كورونا وخاتمتها الاعتراف بنتائج انتخابات الثالث من نوفمبر المقبل والانتقال السلمي للسلطة في العشرين من يناير عام ٢٠٢١ وهو السؤال ذاته الذي طرحه كريس والاس في ختام استضافته المناظرة الرئاسية الأولى. أما السؤال الأخير والوحيد الذي لم تطرحه مديرة صحيفة "يو إس توداي" في واشنطن، فكان سؤال تلقته من طالبة في الصف الثامن بإحدى المدارس الإعدادية في يوتا واسمها بروكلين براون وقد تساءلت: كيف لنا كأمريكيين أن نتّحد في ظل الانقسام والخصام بين المسؤولين والحزبيين. وقد كانت بالفعل لحظة وطنية جامعة أحسن فيها كل من المتناظرين في تنحية الخلاف والسجال جانبا وإعلاء الروح الوطنية الأمريكية. بنفس واحد تناغمت إجابة بنس ومن ثم هاريس في طمأنة بروكلين بأن روح المناظرة والنقاش لن تفسد للود قضية وأنهما فخورين بها كقيادية واعدة أبدت اهتماما مبكرا بالشأن العام.
لكن بعيدا عن المجاملات، لم يوفر مايك وكامالا فرصت في دعم حزبيهما وقائديهما في هذه الانتخابات وإن كانت الكفة قد رجحت في نظري لصالح بنس على الأقل فيما يخص إبراز الخلاف الخفي بين ما تقوله هاريس الآن وما قالته في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي ومن قبل كعضو في مجلس الشيوخ وحتى خلال خدمتها كمدعية عامة في سان فرانسيسكو. لم تستطع هاريس أن تخفي إصرارها ومن قبل إصرار بايدن على الهروب من سؤال زيادة عدد مقاعد المحكمة العليا كرد على إصرار الإدارة الراهنة على القيام بواجبها الدستوري في ملأ المقعد الشاغر إثر وفاة القاضية (الليبرالية) روث بادر غينسبيرغ. كذلك نجح بنس في إظهار التناقض بين ما يقوله بايدن وهاريس فيما يخص "الخطة الخضراء" التي هي في حقيقة الأمر تبني يسار اليسار في الحزب. حتى موقفها من "الفراكينغ" سارعت النائبة اليسارية التقدمية المتطرفة عن ولاية نيويورك "إيه أو سي" بالتغريد بعيد المناظرة بأن التنقيب عن النفط والغاز عبر آلية "فراكينغ أمر سيء" في إشارة تعزز تعهدا متكررا بإنهاء العمل به مما يرفع في أسعار الطاقة ويضرب اقتصاد عدد من الولايات من ضمنها إحدى أهم الولايات المتأرجحة بنسيلفانيا.
في المقابل تمكنت هاريس من إرباك بنس عند محاولته التملص من الإجابة على سؤال مشترك طرحته بيج فيما يخص إلغاء قرار المحكمة العليا عام ١٩٧٣ المعروف بقضية "رو ضد ويد" التي شرّعت الإجهاض واعتبرتها شأنا يخص الولاية وليس الاتحاد وأن ما من أحد يملك الحق الخاص في هذا الشأن سوى الأم بعد تلقيها المشورة الطبية المحايدة من طبيبها الخاص. بنس اضطر أخيرا للقول إنه مع حق الطفل في الحياة بمعنى أنه ضد الإجهاض، مؤكدا أنه لن يكون اعتذاريا في ذلك.
خلاصة الأمر أن كلا المتناظرين وكما كان متوقعا لن يغيرا من قناعات الجمهوريين والديموقراطيين ومن المستبعد أن يكونا قد تمكنا من إحداث فارق فيما يخص الولايات المتأرجحة أو الأصوات المستقلة. لكنهما بالتأكيد تمكنا من زيادة الحماس للمشاركة في الاقتراع.
وفيما سارع ترامب وعدد من دائرته الأسرية والسياسية الأقرب في التعبير خلال المناظرة عبر وابل من التغريدات عن سعادتهم بأداء بنس، لم نر من بايدن سوى تغريدة يتيمة في ختام المناظرة أعرب فيه عن "اعتزازه" بأدائها، فهل يكون في حقيقة الأمر نادما الآن أكثر من أي وقت مضى على اختياره؟ أظنه كذلك. فأداء كامالا أظهر أن اليسار سيطغى على الإدارة، "إدارة هاريس" التي يبدو أنها لم تكن مجرد زلة لسان لها في لقاء انتخابي الشهر الماضي، مما يعزز مخاوف بعض المترددين في التصويت لصالح ترامب الذي حذر مرارا من تولي كامالا الرئاسة فعليا أو عمليا في المدى المنظور!