هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
تنفست وكثيرون الصعداء بمجرد أداء جوزيف آر. بايدن اليمين كالرئيس الـ 46 للولايات المتحدة الأمريكية. ثمة خوف حقيقي خيّم لأيام على واشنطن من خيارين كارثيين: إعلان الأحكام العرفية سواء بقي الرئيس السابق بالسلطة أم سلمها للجيش، وتنفيذ عمل إرهابي أو أعمال عنف منظمة واسعة تعطل الانتقال الآمن والسلس للسلطة.
خطاب التنصيب كان مطمئنا وفي الصميم بدعوة بايدن لإنهاء ما وصفها "الحرب غير المتمدنة" (أنسيفيل وور) في توصيف جارح على أمل التعافي للواقع وهو "حرب أهلية" بدأت في حقيقة الأمر منذ وصول باراك حسين أوباما إلى السلطة كأول رئيس من أصول إفريقية ومسلمة. ورغم وصف بايدن تلك الحرب - التي تعهد بإنهائها كرئيس للأمريكيين كافة - بأنها بين الجمهوريين والديمقراطيين، المدنيين والريفيين، المحافظين والليبراليين، إلا أنه لم يأت على ذكر فئتين أخريين لا يقلا خطورة وهم الساخطون على ما وصفه سلفه دونالد جيه ترامب بـ "المؤسسة" و"المستنقع": المؤسسات في مجملها ومن ضمنها الأحزاب وامبراطوريات الشركات عابرة القارات والاقطاب الإعلامية المؤسسية بمن فيها عمالقة التكنولوجيا "بيغ تيك" – أسياد وادي السيليكون - الذين طغوا على هوليوود في تأثيرها على أراء الناس وقناعاتهم، والأهم مشاعرهم وانفعالاتهم.
الحرب قائمة لا قادمة. القارئ للمشهد الأمريكي عن قرب لا تغيب عنه إرهاصات تلك الحرب التي بدأت ثقافية وصارت سياسية فاجتماعية (مجتمعية) أفقيا وعموديا في الأمة الأمريكية. القضية لم تعد من يحكم أمريكا وإنما لأجل من؟ بايدن وعد الأربعاء الأبيض - بعد أسبوعين من أربعاء أسود صدم العالم كله في مشاهد اقتحام قلعة الديمقراطية الأمريكية وهيكلها بحسب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي - وعد بأن يتمثل روح الرئيس الراحل أبراهام لينكولن في الحفاظ على "اتحاد أفضل" يعمل على "حكم الشعب للشعب بالشعب من أجل الشعب." لينكولن انتصر بالحرب، انتصر على الانفصاليين أو بالأصح الكونفدراليين لكن أعلامهم ورموزهم ومخاوفهم وأحلامهم مازالت قائمة ليست في كتب التاريخ والمتاحف وإنما فيما يعرف "صابيربيا" وهم سكان الضواحي. نحو عقدين من الجيرة الحسنة عرفتها شخصيا وأسرتي عن قرب لأحد أحفاد من قاتلوا في تلك الحرب وخسروها. مازال يرفع علم الكونفدرالية قبالة بيتي ليس في وجه "الشمال" لكن في وجه "الشرق" ممثلا بالصين. هناك من يخافون على أمريكا "الآباء المؤسسين" وهذا الخوف حقيقي ومشروع وليس بنظرية مؤامرة، وتلك معارضة مرحب بها كما وعد بايدن بنفسه. معارضة في إطار وحدة الأمة.
هل يفي بايدن وعده كما وفى ترامب بوعوده الانتخابية كافة بصرف النظر عن الموقف منها داخليا وخارجيا؟ هل يثبت العارف بواشنطن وخفاياها لنصف قرن وساكن البيت الأبيض كنائب للرئيس 8 سنوات بأن إدارته ليست ولاية ثالثة لأوباما؟
نصلي لذلك.. وثمة مؤشرات يمكن الاسترشاد بها أولها رد بايدن على ما وصفه بالرسالة "السخية" التي تلقاها من ترامب في مكتب الرئيس في المكتب البيضاوي وفقا للتقاليد الرئاسية المرعية. الرد المأمول يتمثل بالوقوف في وجه بيلوسي وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك تشومر. التصالح يبدأ بإلغاء مساعي العزل الثاني كون ترامب الآن خارج السلطة. أما الرد على تشومر، فيتمثل برفض بايدن لمسألتين في غاية الخطورة: زيادة عضوية المحكمة العليا، وزيادة عدد الولايات المتحدة (واشنطن العاصمة وبورتوريكو). تشومر وعد بـ "تغيير أمريكا" بعد انتزاع مقعدي ولاية جورجيا ومجلس الشيوخ من الجمهوريين، وهو تغيير يعلم بايدن أكثر من غيره بأنه لن ينتهي على خير – لا قدر الله.