هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
هي "واعدة" بحسب تقدير الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي قال إن نتائج قمة جنيف قد تظهر بعد ستة أشهر. مجرد انعقادها بعد التلاسن غير المسبوق بين قيادتي البيت الأبيض والكرملين إنجاز كبير. أن تصف رئيس روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفييتي السابق ب"القاتل" ليس أمر هيّنا، أقله في العرف الدبلوماسي.
تبقى تلك الأولوية الأولى للقمة والإنجاز الأكبر لها. فقد أزالت عبئ زلة اللسان هذه عن كاهل بايدن، رغم أن من سبقه في هذا الاتهام كان السناتور الجمهوري المخضرم الراحل جون ماكين. لا خلافا حقيقيا بين الجمهوريين والديموقراطيين فيما يخص روسيا أو رئيسها تحديدا. الخلاف كان على كيفية التعامل مع "التنمّر" و"التهديد" الروسي. لهذا تطلب الأمر خبراء ليس فقط من إدارتي بايدن وسلفه باراك حسين أوباما، بل وحتى من سلفه الذي ذكر اسمه في زلة لسان خلال المؤتمر الصحفي الختامي، الرئيس دونالد ترامب. هاجس يبدو أنه لا زال يلاحق بايدن الذي أراد حينها التحدث عن نظيره الروسي فلاديمير بوتين. بايدن في معرض رده على سؤال استفزه من مراسلة السي إن إن أوضح مسألة "ثقته" في بوتين بعد وصفه ب"القاتل"، مشددا على أن المسألة منوطة بالسلوك. وحده سلوك روسيا هو الذي سيقرر إن كان جديرا بالثقة أم لا.
النجاح الثاني بعد انعقاد القمة بسلام، كان الإعلان عن عودة سفيري البلدين، بمعنى عودة الدبلوماسية وهو الشعار الذي رفعه بايدن في حملته الانتخابية ومن بعد في خطابي التنصيب والجلسة المشتركة للكونغرس. "أمريكا عادت، وعادت معها الدبلوماسية". لم يخف بايدن زهوه بنجاح هذا الشعار خلال القمة البريطانية الأمريكية، قمة السبعة الكبار وقمة الناتو وصولا إلى القمة الأهم في جنيف. أقول الأهم لأن كثيرا مما تم الاتفاق عليه في القمم السابقة لن يتحقق دون تفاهم أمريكي روسي.
الإنجاز الثالث تمثل بالاتفاق على "الممكن" و"مساحات العمل المشترك" لنزع التوتر بين القطبين الأعظم وهما بالفعل مازالا كذلك عمليا رغم إرهاصات تعدد الأقطاب وصعود الصين الذي لم يتضح بعد إن كان متصاعدا أم آفلا في أعقاب تعالي الأصوات المطالبة بمساءلة وربما محاسبة بكين على فيروس ووهان!
من تمديد ستارت -٣ إلى ٢٠٢٤ إلى تحدد ستة عشر قطاعا في أمريكا لا يجوز المس بها من قبل القراصنة الروس، مرورا بإحالة ملف تبادل السجناء إلى الخبراء، تبقى مسألة "نورد ستريم" أنبوب النفط الروسي الألماني المثال الأكثر وضوحا على حرص بايدن على تحقيق اختراق في قمة جنيف ولو خلافا لتوصية الخارجية الأمريكية. المحرج في الأمر أن تلك المسألة كانت من أبرز إنجازات سلفه ترامب المتهم "بالتواطؤ" مع بوتين! ترامب لم يتأخر عن تقريع بايدن على هذا الموقف، حيث قال بعد بضع ساعات من اختتام القمة عبر فوكس نيوز، إنه أوقف مشروع الأنبوب عندما عاتب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: كيف نحميكم بقواتنا من روسيا مجانا وتدفعون لها أموالا طائلة باستيراد الغاز الروسي؟! المفارقة الأكثر إحراجا كانت باستهداف القراصنة الروس لأنبوب نفط أمريكي قبل أسابيع تسبب بإرباك إمدادات البنزين لأيام على امتداد الساحل الشرقي لأمريكا نظير فدية خمسة ملايين دولار.
ورغم الحديث العابر عن تحديات المناخ وكوفيد١٩، لم تأت القمة بحسب المؤتمرين الصحفيين المنفصلين اللذين عقدهما بوتين فبايدن على ذكر أي من القضايا الشرق أوسطية، باستثناء سوريا وليبيا. هل غابت مفاوضات فيينا؟ الانسحاب "الآمن" من أفغانستان قبل حلول الذكرى العشرين لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر؟ قطعا لا، لكن القمة ظلت في رسالتها الإعلامية الطاغية موحدة رغم اختلافات بايدن وبوتين. هذه قمة أمريكية روسية معنية في المقام الأول بالبلدين قبل أي اعتبار أو طرف آخر. رسالة قد تغيب عن كثيرين، لكنها حاضرة في ذهن من يحترموا منطق السياسة كعلم عرّف بـ"فن الممكن"!