هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
وعد جديد أطل به جوزيف آر بايدن من على منبر الأمم المتحدة الثلاثاء في أول مرة يعتليه كرئيس للولايات المتحدة: "لا لن تكون هناك حربا باردة"، في إشارة واضحة هي الأقوى فيما يخص الأزمة الأكثر خطورة ودلالة منذ كارثة الانسحاب من أفغانستان أو ما بدا للعالم تسليمها إلى حركة طالبان.
لكن ما قد يقدح شرارة حرب عالمية ثالثة أكثر تعقيدا من الصواريخ الكوبية وخليج الخنازير. الحديث الآن عن غواصات نووية رفعت سخونة المياه الساخنة أصلا في محيطين باتا محط أنظار العالم "الجديد"، عالم ما بعد اهتزاز أركان القطب الأوحد، المحيطين الهندي والهادي (الباسيفيك) ولكل من اسمه حظ ونصيب.
الناظر في قسمات وجوه متابعي الرئيس بايدن عند نفيه تخييم أجواء الحرب الباردة يلحظ جليا علامات القلق وأقله التساؤل حول خطب سابقة لبايدن المرشح والرئيس بشّر بها بـ"عودة أمريكا" و"عودة الدبلوماسية" بعد خروج سلفه دونالد جيه ترامب من البيت الأبيض. لم يبدُ الانسحاب من أفغانستان وخاصة إخلاء قاعدة باغرام الاستراتيجية وكذلك صفقة التحالف الأمريكي البريطاني الأسترالي، سوى العكس تماما، حيث تعالت الانتقادات الأطلسية والأوروبية لانفراد واشنطن بالحل وتغليبها مصالحها. والشرخ الذي بدا في موضوع أفغانستان تعمق وصار صدعا لا مجرد كسر في أزمة الغواصات التي اعتبرتها فرنسا "طعنة وصفعة" في آن واحد.
ما جرى عمليا يضع علامات استفهام كبيرة حول مستقبل الناتو، رغم تعمد بايدن إعادة التزام بلاده بتفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف وهي المعنية بدفاع الدول الأعضاء عن أي عضو يتعرض للاعتداء من طرف خارجي.
قد لا يختلف اثنان على اللغة التصالحية في خطاب بايدن سيما وقد أحسن عرض القضايا التي باتت تشكل أولويات قصوى لدى الجميع وفي مقدمتها التعافي من كوفيد19 في نسخه الجديدة المتحورة وأخطرها دلتا حتى الآن، إلا أن ثمة مخاطر أخرى صارت متحورة أيضا كالإرهاب الذي أشار إلى استمرار الشراكة في التصدي له على ساحات عدة من بينها العراق وسوريا واليمن. داعش سوريا، صارت داعش خرسان، طالبان باكستان ومن ثم أفغانستان عادت للحكم بعد عقدين وسارعت بتحويل وزارة المرأة إلى وزارة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". الحوثي الذي رفعته إدارة بايدن (أوباما الثالثة) عن لائحة الإرهاب نفذ في الذكرى العشرين لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر هجوما بالطائرات الإيرانية المسيرة على – ميناء ميخا - المرفأ المعتمد للمساعدات الإنسانية الدولية لمنكوبي اليمن.
قد يتطلب الأمر فنجان قهوة "موكا" تيمنا بالميناء اليمني التاريخي ذاته، لفهم ما يدور في عقل الإدارة الأمريكية الراهنة في حقيقة الرسائل التي توجهها للحليف قبل العدو. ثمة غموض يدعو إلى "الترقب الحذر" وتلك من كليشيهات الناطقين باسم الأمم المتحدة وما شاكلها!