هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
"لكل مقام مقال" وغاية ما خلص إليه الرئيس الأمريكي جو بايدن -في مقالة استباقية نشرتها واشنطن بوست السبت حول جولته المرتقبة إلى أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية ودولة إسرائيل والمملكة العربية السعودية- هي الاحتفاظ بميزته كأول رئيس للولايات المتحدة يزور الشرق الأوسط بلا قوات قتالية في أي من ساحاته.
حتى يتحقق هذا الهدف، جاءت مقالة بايدن وكأنها تبريرية اعتذارية عن زيارته السعودية تحديدا- التي تعهد بجعلها "منبوذة" إبان حملتهالانتخابية. مازال صقور يسار الحزب الديمقراطي ومن ضمنهم النائب ذات الأصول الفلسطينية رشيدة طليب والنائب ذات الأصول الصومالية إلهان (ألحان) عمر من منتقدي انقلاب بايدن على نفسه ليس فقط إزاء السعودية وإنما مصر وتركيا.
رغم الديباجة الخاصة بحرص الرؤساء والمسؤولين الأمريكيين -خاصة في وزارة الخارجية الأمريكية- على تأكيد تصدر ملف حقوق الإنسان، إلا أن الجميع ومن الحزبين الديمقراطي والجمهوري يلتقون على أرضية أولى الأولويات، وهي العمل في سبيل استمرار "قوة أمريكا وازدهارها". بطبيعة الحال، أمريكا وما يتوافق مع مصالحها القومية العليا من الحلفاء والشركاء والأصدقاء. وعليه حسم بايدن السجال – على الأقل داخل حزبه – بالقول إنه يعمل على "إعادة توجيه -وليس تمزيق- شراكة استراتيجية دامت ثمانين عاما مع السعودية".
خلافا لتصريحات سابقة لمقالة السبت، حرص بايدن على وضع الطاقة في مقدمة أهداف زيارته، ولكن من منظور دولي وليس فقط أمريكي–سعودي. يحب الساسة الأمريكيون مسألة "المنظور" و"الصورة الكبيرة" عند الخوض في الأمور الخلافية. حلحلة وتفكيك الملفات، عادة مايكون السبيل إلى إعادة ترتيب الأوراق وربطها على نحو يظهر ربح الجميع، عوضا عن أي معادلات صفرية. لذلك كان الربط بين حرب أوكرانيا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، مواجهة "العدوان" الروسي، ربح معركة "التنافسية" مع الصين، وأخيرا شرق أوسط أكثر"استقرارا واندماجا".
هذا الاندماج ثمرة "الاشتباك" الإيجابي بالشرق الأوسط الذي أجرى بايدن مقارنة بين حاله الآن وقبل ثمانية عشر شهرا. طبعا، طرح الرئيس نجاحات نسبها إلى إدارته على مختلف الساحات: وقف حرب غزة بعد أحد عشر يوما من اندلاعها، هدنة اليمن، تصفية رأس عصابة داعش الإرهابية في سوريا، هدوء نسبي في العراق واستمرار المفاوضات مع إيران.
لم يأت بايدن على ذكر أي "تلويح" بالقوة لردع إيران، لكنه آثر التركيز على اقتباس مصطلح استخدمه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني: كما يقول صديقي الملك عبد الله هناك "نيو فايب" (شعور أو جوّ إيجابي جديد) في المنطقة. تلك الإيجابية اتضحت في رغبة الجميع على"العمل معا" لما فيه المصلحة العامة أو المصالح الجماعية.
حتى التهديد الضمني الذي سارعت إليه طهران فيما بدا أول تعليق لنظام الملالي على مقالة بايدن، تمت صياغته باشتراطية ضبابية. طهران ستضرب "أقرب الأهداف" إليها في حال قام "التحالف" الشرق أوسطي الجديد ب "تهديد أمن إيران القومي". فمن يردعها؟
هذا ما لم تقله مقالة بايدن. اكتفى صاحب الخبرة بالتعامل مع الشرق الأوسط لزهاء نصف قرن كعضو في مجلس الشيوخ وثمانية أعوام كنائب للرئيس، اكتفى بإبداء حماسه لأول رحلة مباشرة يقوم بها رئيس أميركي من إسرائيل إلى السعودية.. الجمعة، سنعلم المزيد، ربما من بايدن في جدة حيث القمة الإقليمية التي تجمعه بقادة مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى قادة مصر والعراق والأردن..
ثمة "تسريب" أشار إليه "اللوبي" الأقوى في واشطن فيما يخص العلاقات الخارجية، جماعة الضغط المعنية بتعزيز التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل (إيباك)، يفيد بـ"احتمال اصطحاب بايدن لشخصية إسرائيلية معه إلى جدة".. بحسب إيباك، فإن "مصادر" أخبرت شبكة أخبار (آي توينتي فور) الإسرائيلية التلفزيونية بأن هذا الأمر المرجح سيكون من شأنه مساعدة "تطبيع سعودي إسرائيلي" في إطار ما وصفته مقالة بايدن "توسيع وتعزيز" اتفاقات إبراهيم للسلام التي أرسى قواعدها سلفه و"خصمه" الرئيس دونالد ترامب.