رأي.. بشار جرار يكتب: من ينزع فتيل الحرب العالمية الثالثة إن وقعت؟

العالم
نشر
5 دقائق قراءة
بوتين
Credit: ILYA PITALEV/SPUTNIK/AFP via Getty Images

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

ليس دفاعا عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولا من قبل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ولا الرئيس السوري بشار الأسد. اندلاع حرب عالمية ثالثة لن يكون بسبب أوكرانيا كما لم يكن بسبب الكويت أو سوريا. لو كانت الحروب الإقليمية وليس فقط العالمية تندلع لاعتبارات أخلاقية لكانت اندلعت عام ١٩٩٤ في رواندا لتفادي أو لمحاسبة مقترفي مجازر قبائل الهوتو ضد التوتسي. وبحسب تقرير لهيومان رايتس ووتش استند إلى خبير من الأمم المتحدة عام ١٩٩٩، فإن ثمانمائة ألف روح أزهقت في عشرة أيام، مما أسفر عن إبادة ثلاثة أرباع قبائل التوتسي، فضلا عن فظائع البتر والتشويه والتمثيل، واغتصاب مئات آلاف النساء والطفلات.

وحده الاقتصاد في عالم اليوم الذي يقدح شرارة الحروب وينزع فتيلها. حتى النظم الأخلاقية والفكرية لا بل، والروحية للأسف، صارت محكومة لدى كثير من المؤسسات الدولية، ومن ضمنها الأمم المتحدة، بعنصر المال والذي صار صانعا للوعي وموجها للرأي العام، شئنا الاعتراف بذلك أم أصررنا على الإنكار.

أول تشبيه لزعيم في القرن العشرين، بالزعيم الألماني النازي أودولف هتلر لحشد الرأي العام الدولي ضده، كان تشبيه الرئيس الأمريكي الراحل جورج بوش الأب للرئيس العراقي الراحل صدام حسين عند احتلاله الكويت. الإعلام الغربي الآن يعيد الكرّة ويصف بوتين بهتلر القرن الواحد والعشرين. بوتين بدوره برر غزوه لجارته أوكرانيا قبل سبعة أشهر بأنه دفاع عن النفس ومحاربة للنازيين الجدد الذين لا يهددوا فقط الأقلية الروسية والمعارضة الأوكرانية لانقلاب عام ٢٠١٤ وإنما أوروبا كلها والعالم بأسره.

رغم ضراوة الحرب الإعلامية بين الطرفين، لا ينكر منصف ممارسات النازيين والفاشيين الأوكرانيين وقد رصدتها كاميرات الصحافة الدولية و"الصحافيين المواطنين"، تماما على غرار ما تم رصده مثلا من انتهاكات صارخة إبان الربيع العربي المشؤوم ومن الطرفين (النظام والمعارضة).

القضية الحقيقية هي الغاز، غاز روسيا، وقمح أوكرانيا، تماما كما كان نفط العراق والكويت، خمس امدادات النفط العالمية وأجودها.

عندما تصل الأمور بعد كل المليارات التي أنفقت على تسليح أوكرانيا وجميع العقوبات التي فرضت على روسيا إلى حد التهديد باستخدام السلاح النووي، فإن الوضع بات في حكم الأمر الواقع وبلغ نقطة اللاعودة.

استفتاء المناطق التي قالت روسيا إنها تريد اللحاق بالوطن الأم روسيا، سينتهي إلى مصير شبه جزيرة القرم، ولن يكن في يد الرئيس الأمريكي جو بايدن ما لم يكن في يدي سلفيه باراك حسين أوباما وجورج بوش الإبن. أوروبا أيضا، وخاصة ألمانيا، لم تعد فيها قيادات بحجم أنجيلا ميركل. خلافا لما قيل عن إيلام روسيا، من الجلي أن الألم الأوروبي أكبر من العقوبات الغربية. في المثل الأمريكي يقال: كمن أطلق النار على قدمه. وما جرى هو بمثابة إطلاق النار على قدم الحليف.

بعيدا عن الخطابات التي شهدتها الأمم المتحدة في الدورة السابعة والسبعين للأمم المتحدة، فإن الرد على بوتين يمكن أن يكون أكثر وضوحا وحسما بعد استحقاقين انتخابيين، إن جاز التعبير. استحقاق انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر المقبل، وقبله استحقاق المؤتمر العام للحزب الشيوعي الصيني، والتجديد المحتوم لقيادة شي جين بينغ لرئاسة كل شيء.. الحزب والجيش والحكومة والدولة!

شي، دعا صراحة جيشه المقدر بثلاثة ملايين وثلاثمئة ألف للتدريب "في ظروف قتالية" وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون ينصح بايدن بالكف عن التصريحات التي تحمل تهديدات. فأين سيكون الردع الغربي لروسيا إن قامت الصين بضم تايوان عنوة بعد مؤتمر الحزب؟ هل لأمريكا والناتو والغرب المصلحة، والأهم القدرة على خوض حرب عالمية ثالثة -وأخيرة لا قدر الله- في حال استخدام السلاح النووي؟

قد يكون المخرج "الرغائبي" الآمن نسبيا، تغييرا للحكم في روسيا أو أوكرانيا، أو عودة الجمهوريين إلى أغلبية قوية في مجلسي الشيوخ والنواب. حينها ستكون الأولوية لأجندة "أمريكا أولا"، وقطعا في مقدمة أولوياتها ستكون الأجندة المحلية: محاربة التضخم والجريمة والمخدرات، أي تأمين الحدود الأمريكية أولا، قبل إنفاق المزيد من المليارات على حدود بعيدة آلاف الأميال.

نشر