رأي: بعد مواقف ترامب الأخيرة.. هل أصبحت الولايات المتحدة على أعتاب التخلي عن أوروبا؟

العالم
نشر
9 دقائق قراءة
رأي: بعد مواقف ترامب الأخيرة.. هل أصبحت الولايات المتحدة على أعتاب التخلي عن أوروبا؟
Credit: Brandon Bell/Getty Images)

هذا المقال بقلم ديفيد أندلمان، كاتب في CNN، ومراسل ومدير سابق لمكتب صحيفة نيويورك تايمز في أوروبا وآسيا ولقناة "CBS News" في باريس. الآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

وصفت مادلين أولبرايت أمريكا ذات يوم بأنها "الأمة التي لا غنى عنها". هل يجعل الرئيس السابق دونالد ترامب أمريكا أمة ليست ذات صلة؟

أخيرًا كسر ترامب أيامًا من الصمت بشأن موت المعارض الروسي أليكسي نافالني، لكنه فشل في ذكر روسيا أو إدانة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أول تعليقاته العامة. ومن ناحية أخرى، واصل الجمهوريون في الكونغرس اتباع خطاه، الأمر الذي أدى إلى جمود في المساعدات المقدمة لأوكرانيا، الدولة الوحيدة التي تقف في وجه جيوش بوتين.

وقاوم رئيس مجلس النواب مايك جونسون الدعوات المطالبة بطرح حزمة المساعدات التي أقرها مجلس الشيوخ لأوكرانيا للتصويت عليها سريعا، وبدلا من ذلك سمح لمجلس النواب بالتأجيل لمدة أسبوعين تقريبا.

قد يكون هناك دعم من الأغلبية لمساعدة أوكرانيا في المجلس ككل، لكن جونسون يواجه معارضة شديدة من جناحه الأيمن بشأن المساعدات الإضافية، حيث يحث ترامب الجمهوريين على رفضها.

وجاءت هذه التحركات في أعقاب تهديد ترامب الأخير بأنه قد يطلب من روسيا "أن تفعل ما تريده" لأي دولة عضو في الناتو تتخلف عن إنفاقها العسكري.

النتائج؟ إن المخاوف المتزايدة من حدوث تحول جديد ومخيف في الولايات المتحدة جعلت عدداً متزايداً من الزعماء الأوروبيين مصممين على العمل بمفردهم.

حتى التعليقات الموجهة من الرئيس جو بايدن للكونغرس المتمرد، مثل "الطريقة التي يبتعدون بها عن التهديد الروسي، والطريقة التي يبتعدون بها عن تهديد الناتو، والطريقة التي يبتعدون بها عن تلبية احتياجاتنا، وإنه أمر صادم" لم تساعد.

والحقيقة أن مؤتمر ميونخ الأمني السنوي شهد الكثير من الأحداث بشأن إخفاقات الكونغرس. عاد أغلب الزعماء الأوروبيين إلى بلادهم من ميونخ، وهم أكثر اقتناعاً من أي وقت مضى بأن الولايات المتحدة أصبحت على أعتاب التخلي عنهم.

بالنسبة للكثيرين، من الواضح أن الديمقراطيات يجب أن تبدأ في النظر بشكل ملموس في كيفية الدفاع عن نفسها دون المظلة النووية والأمنية الأمريكية التي ازدهرت تحتها لأكثر من نصف قرن.

وقبل مغادرتها، أعلنت رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن أن بلادها ستسلم جميع المدفعية التي تملكها إلى أوكرانيا بالإضافة إلى مقاتلات إف-16. وقالت فريدريكسن: "علينا أن نفعل المزيد"، مع حلول السبت الذكرى السنوية الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا.

ولقد بدأ بالفعل اتخاذ الخطوات الأولى نحو اتجاه جديد لأوروبا ـ من دون أمريكا. وفي برلين، أعلنت أورسولا فون دير لاين، وزيرة الدفاع الألمانية السابقة التي قادت القارة ببراعة لمدة خمس سنوات مشحونة كرئيسة للمفوضية الأوروبية، الاثنين أنها ستسعى لولاية ثانية. وتقول إن تعيين أول مفوض لشؤون الدفاع في أوروبا سيكون على رأس جدول أعمالها.

ومع ذلك، فإن إنشاء مثل هذه الوزارة لعموم أوروبا يذهب إلى ما هو أبعد من مجرد إعادة توزيع البيروقراطيين في بروكسل. أولاً، هناك مسألة الميزانيات.

وبالفعل أصبح انخفاض التمويل الأمريكي محسوساً في مختلف أنحاء أوروبا. وكما ذكرت CNN، فإن الدعم الأمريكي لأوكرانيا لا يزال يستنزف موارد قيادة الجيش الأمريكي في أوروبا وإفريقيا، والتي بقي لديها الآن 3 مليارات دولار لتمويل احتياجات تشغيلية بقيمة 5 مليارات دولار بما في ذلك نقل الأسلحة والمعدات إلى أوكرانيا وحتى بولندا العضو في الناتو.

وبدون اتخاذ إجراء من جانب الكونغرس، قد ينفد تمويل العمليات الأمريكية في أوروبا في مايو/أيار، حيث توقعت المسؤولة في البنتاغون كريستين وورموث أن يضطر الجيش لأخذ أموال أجزاء معينة مقابل تمويل أماكن أخرى.

وقالت فون دير لاين أيضًا إن زيادة الإنتاج الدفاعي الأوروبي سيكون أولوية قصوى خلال فترة ولايتها الثانية، ناهيك عن الميزانيات المتباينة إلى حد كبير لمختلف البلدان.

وفيما يتعلق بأوكرانيا، وعلى الرغم من احتجاجاته الأولية على التضامن الأبدي، فقد تعهدت حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتقديم 640 مليون يورو فقط (686 مليون دولار)، مقارنة بمبلغ 17.7 مليار يورو (19.1 مليار دولار) من المساعدات العسكرية الألمانية، وفقا لحسابات "معهد كيل" الألماني، معهد بحوث اقتصادية ومؤسسة فكرية. وعلى الرغم من أن الرقم الفرنسي محل خلاف، إلا أن المعهد يقول إن "مساهمات فرنسا" أقل بكثير من مساهمات المملكة المتحدة"، التي تقع فقط في المرتبة المتوسطة بين الموردين الأوروبيين.

ومع ذلك، فإن أوروبا ككتلة التي وصلت مساعدتها عند نحو 85 مليار يورو (92 مليار دولار) تجاوزت الولايات المتحدة بالفعل والتي قدمت 66.2 مليار يورو (71.6 مليار دولار) في إجمالي الالتزامات تجاه أوكرانيا. وكانت المساعدات العسكرية الأمريكية أعلى من تلك التي يقدمها الاتحاد الأوروبي، ولو أن هذه المساعدات توقفت الآن في مواجهة تقاعس الكونغرس عن التحرك بينما تتسارع مساعدات الاتحاد الأوروبي.

ثم هناك القضية النووية. تمتلك الولايات المتحدة ما يقدر بنحو 100 سلاح نووي في قواعد جوية في بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا - على الرغم من أن جميع رموز الإطلاق في أيدي الولايات المتحدة. وفرنسا هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تمتلك ترسانة خاصة بها، وهي رابع أكبر ترسانة في العالم. ومع 290 رأسًا حربيًا، فهي الأكبر في أوروبا، على الرغم من أنها لا تزيد عن 5 في المائة من حجم روسيا.

وقد رفضت فرنسا التنازل عن سيطرتها على مثل هذه الأسلحة لأي قوة أخرى، رغم أن ذلك قد يتغير. وفي زيارة قام بها مؤخراً إلى السويد، اقترح ماكرون أنه على الرغم من أن الردع النووي ضروري ومن منطلق "المصالح الحيوية لفرنسا"، فإن مثل هذه الخطط لابد أن يكون لها "بعد أوروبي واضح، وهو ما يمنحنا مسؤولية خاصة".

وتمتلك بريطانيا، رغم أنها لم تعد عضوا في الاتحاد الأوروبي، ترسانة مكونة من 225 سلاحا نوويا. وفي مؤتمر ميونخ الأمني، قال وزير الخارجية البريطاني في حكومة الظل ديفيد لامي، إن حزب العمال، إذا تم انتخابه في الانتخابات هذا العام، سيقترح "اتفاقية أمنية جديدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي".

تمثل كل هذه الجهود والتعهدات تغييراً جذرياً في الاتجاه بالنسبة لقارة ظلت لعقود من الزمن مقيدة بالولايات المتحدة باعتبارها الضامن لها. وللإشراف على هذه العملية، تحتاج أوروبا إلى فرد قوي وحازم ليكون قيصرها الدفاعي الأول.

أحد المرشحين الأوفر حظا هي رئيسة وزراء إستونيا كايا كالاس، التي تولت بالفعل زمام المبادرة في خطة الاتحاد الأوروبي لتسليم مليون قذيفة مدفعية إلى أوكرانيا.

وكتبت كالاس لصحيفة "بوليتيكو" العام الماضي: "نحن بحاجة إلى أوروبا ذات فعالية قتالية، قادرة على توفير الدفاع عن نفسها. هذه هي الطريقة الوحيدة لبناء الردع من خلال الإنكار الذي سيكون ذا مصداقية كافية لتجنب الحرب ووقف دورة العدوان الروسية”.

وقالت "منذ أن بدأ الغزو، رأينا روسيا تطلق ما يعادل الإنتاج الشهري من المدفعية الأوروبية في يوم واحد في أوكرانيا. إن القدرة والاستدامة ستحدد نتيجة هذه الحرب."

لدى كالاس دافع واضح لتولي مثل هذا المنصب. في الأسبوع الماضي، وضعها الكرملين على قائمة المطلوبين، ويبدو أنها أول رئيسة حكومة يتم استهدافها. (واتهمها هي وآخرين بتدمير أو إتلاف نصب تذكارية تخلد ذكرى الجنود السوفيت). وفي ميونخ، اقترحت وضع اليد على كل أصول روسيا المجمدة في الخارج وتسليمها إلى أوكرانيا ــ قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني.

ومع ذلك، فإن الدليل الأكثر وضوحا على مدى ابتعاد أوروبا عن أمريكا ونحو الاكتفاء الذاتي كان عمود رأي كتبه الرئيس الإستوني آلار كاريس يوم الاثنين، والذي تحدث فيه عن الدفاع في المنطقة دون إشارة واحدة إلى الولايات المتحدة أو دونالد ترامب.

وأشار كاريس إلى أن "أي دولة أوروبية ستكافح لمواجهة روسيا بمفردها.. ولكن عندما نكون متحدين، فإننا لا نقهر."

وفي صفعة مباشرة لترامب، كتبت مجلة دير شبيغل الألمانية: "الناتو، بالطبع، ليس وكالة لتحصيل (الديون)."