تحليل بقلم كلير سيباستيان من شبكة CNN
(CNN)-- قبل 3 أيام فقط من عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وقعت روسيا وإيران على "اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، التي كانت قيد الإعداد لعدة أشهر.
وتعيد هذه الخطوة تركيز الاهتمام على الشراكة التي شكلت ساحة المعركة في أوكرانيا، والتي تظل ملتزمة بتحدي النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة - حتى مع وعد الإدارة الأمريكية الجديدة بمزيد من المشاركة مع روسيا.
وتشترك روسيا وإيران في ماضي معقد، مليء بالصراع، وحتى الآن تسيران على خط رفيع بين التعاون وعدم الثقة، ومع ذلك، فإن الحرب في أوكرانيا جعلت موسكو وطهران أقرب.
وقال جون ألترمان، مدير مركز الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن، لشبكة CNN، إن "فكرة وجود الولايات المتحدة ليس فقط كخصم ولكن كهدف استراتيجي لجميع سياستهم الخارجية قد جمعتهم معا في ساحات القتال في أوكرانيا".
وأشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالاتفاقية الجديدة ورحب بفرصة مناقشة "الشراكة الاستراتيجية" الناشئة، وقال نظيره الإيراني مسعود بزشكيان إن العلاقة بين البلدين تنمو "يومًا بعد يوم".
وعلى عكس اتفاقية الأمن الروسية مع كوريا الشمالية، لا تتطلب الصفقة مع إيران من البلدين أن يدافعا عن بعضهما البعض إذا تعرض أحدهما للهجوم؛ فقط عدم تقديم المساعدة العسكرية أو غيرها للمهاجم.
وفي يوليو/ تموز 2022، بعد 5 أشهر من غزوه الكامل لأوكرانيا، زار بوتين طهران، وهي أول رحلة له خارج الاتحاد السوفييتي السابق.
ووراء التصوير والمصافحات، لم تكن "عمليته العسكرية الخاصة" في أوكرانيا تسير وفقًا للخطة، فقد خسر جيشه الكثير من مكاسبه الأولية عندما تم دفعه خارج منطقة كييف، وسيخسر المزيد في وقت لاحق من ذلك العام في هجومين مضادين ناجحين آخرين في أوكرانيا.
وأثمر التوجه إلى طهران بالنسبة لروسيا، وبفضل صفقة تم توقيعها بعد تلك الزيارة، تنتج روسيا الآن آلاف الطائرات الهجومية بدون طيار المصممة إيرانيًا من طراز شاهد، في مصنع في تتارستان. وجد تحقيق أجرته شبكة CNN في ديسمبر/ كانون الأول أن معدلات الإنتاج في المنشأة تضاعفت بأكثر من الضعف في 2024.
وشكلت هذه الطائرات بدون طيار العمود الفقري لحرب موسكو الاستنزافية، فأسراب منها - تستهدف المناطق المدنية والبنية التحتية للطاقة في محاولة لكسر عزيمة الشعب الأوكراني واستنزاف دفاعات كييف الجوية.
ونشرت روسيا أكثر من 11000 طائرة بدون طيار في أوكرانيا العام الماضي، وفقًا لإحصاء CNN لتقارير القوات الجوية، وهو أكثر من أربعة أضعاف التقديرات التي تزيد قليلاً عن 2500 طائرة في عام 2023، والتي قدمتها مصادر CNN في الاستخبارات العسكرية الأوكرانية.
ووفقا للولايات المتحدة، تسلمت موسكو، صواريخ باليستية إيرانية ــ وفي حين لم تظهر أي أدلة حتى الآن على نشرها، فإن هذه الأخبار وحدها أرسلت إشارة قوية إلى حلفاء أوكرانيا بأن بوتين على استعداد للتصعيد.
وعلى الرغم من أن هذا كان أقل استحسانا بالنسبة لموسكو، إلا أنه كان أيضا أحد العوامل التي ساعدت في تحويل المناقشة حول منح أوكرانيا الإذن بإطلاق الصواريخ الطويلة المدى التي يوفرها الغرب على أهداف عسكرية في روسيا.
وفي أوائل يناير/كانون الثاني، زعم العديد من المدونين العسكريين الروس البارزين، دون تقديم أدلة، أن قاذفات الصواريخ الإيرانية وغيرها من المعدات كانت تُسلَّم إلى ساحات التدريب العسكرية الروسية قبل توقيع الاتفاق.
وبعد عامين ونصف العام من زيارة بوتين إلى طهران، تغيرت الديناميكية بشكل ملحوظ لكلا الجانبين.
والآن تتمتع روسيا بميزة في أوكرانيا، فهي تكتسب أراضي على الجبهة الشرقية، وبمساعدة الجنود الكوريين الشماليين، تدفع أوكرانيا ببطء إلى الوراء في منطقة كورسك الروسية.
وتريد إدارة ترامب القادمة، وسط فرحة موسكو التي بالكاد تخفيها، بدء المحادثات، وتثير ضجة حول السماح لروسيا بالاحتفاظ بالأراضي التي تحتلها، وتعطيل محاولة أوكرانيا للحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وقدم اجتماع الجمعة بين بوتين وبزشكيان لموسكو فرص لتلميع صورتها كقوة عظمى.
وقال جان لوب سمعان، من المجلس الأطلسي، لـCNN، إن روسيا ترى هذه العلاقة "غير متكافئة، ولا يزالون يعتبرون أنفسهم الشريك الأكبر هنا، وإيران شريكا إقليميا".
من ناحية أخرى، تشعر إيران بأنها أقل أمانًا بشكل واضح.
ويقول نيكيتا سماجين، الخبير المستقل في شؤون روسيا وإيران، الذي عمل في وسائل الإعلام الحكومية الروسية في طهران قبل غزو أوكرانيا، إن إدارة بزشكيان تتعجل لتوقيع هذه الاتفاقية مع روسيا وسط تهديدات متعددة لأمنها.
وأضاف: "هم خائفون من إدارة ترامب، ومن إسرائيل، ومن انهيار(الرئيس السوري المخلوع بشار) الأسد، وانهيار حزب الله، فإيران تبحث عن الدعم".
وقال ألترمان: "روسيا قد تتطلع إلى استغلال هذا، فموسكو لا تريد أن تكون في ورطة، بل إنها تريد أن تساعد طهران قليلا، ولكن يمكنها أن تصل بها إلى حيث تحتاج إليها وأن تحصل منها المزيد مما تريده".
وما تريده روسيا أكثر ليس واضحا، فقد قامت الآن بتوطين إنتاج المسيرة الإيرانية "شاهد" على الأراضي الروسية، وبعد أن دفعت مستحقاتها لإيران بموجب صفقة امتياز أولية لتصنيعها، فإنها تفعل ذلك الآن بمشاركة إيرانية أقل كثيراً.
وجاءت مكاسب روسيا الأخيرة في ساحة المعركة بتكلفة باهظة على قواتها لذا ففي حين أن مشاكل القوى العاملة لديها لا تقترب بأي حال من مستوى مشاكل أوكرانيا، فإنها قد تحتاج إلى المزيد من الجنود على الأرض.
ولكن الخبراء يشككون في أن إيران قد تكون على نفس القدر من الود في هذا الصدد مثل كوريا الشمالية، التي نشرت حوالي 11 ألف جندي من قواتها في منطقة كورسك الروسية، وفقاً للتقييمات الأوكرانية والغربية.
وقال سماجين: "حتى عندما تخوض إيران حروبها خارج حدودها، فإنها ليست على استعداد للتضحية بجنودها".
وأضاف: "عندما نتحدث عن إيران وروسيا، فهناك خلفية كبيرة جدًا من عدم الثقة من الجانب الإيراني تجاه روسيا".
وتابع: "روسيا قد تكون حذرة من أي اتفاق دفاعي، نظرا للتهديد الأكثر إلحاحا لإيران من إسرائيل".
وقال ألترمان: "أعتقد أن هذا مقصود جزئيًا كرسالة إلى إدارة ترامب بأن كل منا لديه خيارات، وأعتقد أن الإيرانيين يبحثون عن أدوات يمكنهم استخدامها مع الأمريكيين وهناك شعور بأن هذا يمنحهم شيئا للحديث عنه".
وتبحث إيران، التي تواجه احتمال إحياء عقوبات الأمم المتحدة التي تم رفعها بموجب اتفاقها النووي لعام 2015، بشكل عاجل عن طرق لإقناع الولايات المتحدة بالعودة إلى تلك الاتفاق النووي، الذي خرج منه ترامب في عام 2018، أو إعادة بدء المفاوضات.
بالنسبة لروسيا، فإن الاتفاقية الجديدة مع إيران - وهي الدولة التي قد تكون أقرب من أي وقت مضى إلى القدرة على إنتاج سلاح نووي - قد تكون جزئيًا بمثابة تلويح بالتصعيد أمام الإدارة الأمريكية الجديدة التي ترى أنها أقل التزامًا تجاه أوكرانيا.
وقال ألترمان: "من المؤكد أن الإيرانيين لديهم بعض القدرات المثيرة للقلق، ومن المؤكد أن الروس أظهروا استعدادًا لاستخدام قدرات مثيرة للقلق".