الزميل جون دفتريوس، معد ومقدم برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" يقوم بتسجيل انطباعاته ومشاهداته أسبوعياً، ويطرح من خلالها، وبلغة مبسطة، رؤيته لاقتصاد المنطقة، انطلاقاً من خبرته الطويلة في عالم الصحافة الاقتصادية.

رجل الأعمال الثري وارن بوفيه

لندن، بريطانيا (CNN) -- قام رجل الأعمال المعروف، وارن بوفيه، خلال الأسبوع المنصرم بصفقة كبيرة لشراء أسهم شركة بيرلنغتون سانتا، مالكة إحدى أكبر وأقدم شبكات السكك الحديدة في الولايات المتحدة، والتي كانت خطوطها العمود الفقري لنهضة أمريكا الاقتصادية.

ومن المعروف أن بوفيه، الشهير بلقب "عراف أوماها" بسبب جذوره التي تعود إلى ولاية نبراسكا، لديه حدس دقيق للغاية حيال الصفقات الناجحة، وهو يدرك ضرورة أن يصمد المرء ويتمكن من رؤية الفرص الاستثمارية الممكنة حتى قبل اكتمال معالمها.

وبناء على ذلك، يبدو أن بوفيه قرر عدم كشف رؤيته حول مسار الاقتصاد، تاركاً المحللين يتخبطون في تحديد ما إذا كانت الانتعاشة الحالية في الولايات المتحدة مقدمة لنمو على شكل (V) حيث تتراجع مؤشرات الاقتصاد بشدة قبل أن تعود لتتقدم، أم أنها ستكون على شكل (W) مع ما يعنيه ذلك من حصول انتعاش محدود يعقبه ركود بشكل متكرر لعدة سنوات.

وفي الواقع، فإن هذين الحرفين (V وW) لا يرتبطان في ذاكرتي بالقضايا الاقتصادية بقدر ما يعيدان إلى ذهني ذكريات سيارة الفولسفاغين VW الصغيرة التي استخدمتها ذات يوم لزيارة شواطئ كاليفورنيا في ريعان شبابي.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قمت بزيارة شملت ثلاث محطات في الشرق الأوسط، قطر ودبي وأبوظبي، حيث تابعت في العاصمة الإماراتية سباق "الفورمولا 1" وافتتاح مقر CNN الإقليمي الجديد.

وقد دفعني ذلك إلى وضع التحليلات الاقتصادية التقليدية جانباً، والتفكير في الحدس والغرائز الموجودة بكثرة في عالم الحيوانات، واضعاً نصب عيني مجموعة معطيات، أولها ما قاله لها خبراء في القطاع المصرفي حول قدرة دبي على جمع مبلغ 6.5 مليارات دولار عبر اكتتاب في سندات بسهولة، خاصة وأن الشريحة الأولى من العرض جرى تغطيتها بثلاثة أضعاف المبلغ.

أما الأمر الثاني فيتمثل في ما قاله لي بعض رجال الأعمال الذين جزموا بأن قطاع العقارات في الإمارات قد تجاوز المرحلة الأسوأ وعاد ليظهر بعض النمو، وهذا ما أثبتته أرقام شركة "كوليريز" التي أشارات إلى نمو في أسعار العقارات بدبي بواقع سبعة في المائة خلال الربع الثالث من 2009، بعد انخفاض وصل إلى 47 في الماضي، علماً أن هذه الأرقام لا تعني بالضرورة أن الأزمة وصلت منتهاها.

أما في قطر، فالاقتصاد المحلي يكاد يكون معزولاً عن الركود العالمي، فرغم تراجع أسعار الغاز التي لا تعادل حالياً سوى ربع قيمة برميل النفط، غير أن النمو الاقتصادي في البلاد سيتجاوز 8.5 في المائة.

أما في أبوظبي، فلا يشكل سباق "فورمولا 1" سوى نقطة الانطلاق لهذه الإمارة التي صعقت لدى معرفة أنها استثمرت 40 مليار دولار لبناء جزيرة ياس والبنية التحتية المحيطة بها لاستضافة حلبة السباق، وفق ما ذكره وزير الاقتصاد الإماراتي، سلطان بن سعيد المنصوري، الذي اعتبر ذلك "مجرد بداية."

وأضاف المنصوري أن الحلبة وجزيرة ياس بشكل عام ليسا سوى مقدمة لمشاريع التنمية المطروحة، والتي تبلغ قيمتها ترليون دولار، تشمل طرقات وسكك حديد ومحطات كهرباء.

وبقدر ما يثير هذه المبلغ الهائل - الذي تكتم البعض في الحكومة الإماراتية حوله لبعض الوقت - الدهشة لدى الخبراء، إلا أنه يعكس واقعاً جديداً على المستوى العالمي، يظهر فيه دور الاقتصاد القديم في بناء الاقتصاد الحديث، كما يدل على أن المستقبل في الشرق الأوسط لا يمكن قياسه برمزي V وW.