CNN CNN

دفتريوس: أزمة المال و"موسم الهجرة" العربية إلى لندن

الخميس ، 07 شباط/فبراير 2013، آخر تحديث 15:12 (GMT+0400)

الزميل جون دفتريوس، معد ومقدم برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" الجديد يقوم بتسجيل انطباعاته ومشاهداته أسبوعياً، ويطرح من خلالها، وبلغة مبسطة، رؤيته لاقتصاد المنطقة، انطلاقاً من خبرته الطويلة في عالم الصحافة الاقتصادية.

وفي هذا الأسبوع، يكتب جون زاويته من لندن، متناولاً أوضاع القطاع المصرفي العربي في ظل الأزمة المالية الراهنة، متوقعاً تراجع الاستثمارات الغريبة خلال الفترة المقبلة.

دفتريوس تناول مستقبل القطاع المصرفي العربي
دفتريوس تناول مستقبل القطاع المصرفي العربي

لندن، بريطانيا (CNN) -- باتت الهجرة المؤقّتة أمراً شائعاً. فرجال الأعمال العرب يستبدلون الحرارة التي تفوق 45 درجة في شبه الجزيرة العربيّة بأجواء لطيفة لا تتجاوز فيها الحرارة 25 درجة في مدينة لندن بغية الاتفاق على توصيفات تصلح للسنة الفائتة ورسم مخطّط محتمل لمتابعة العمل عليه.

ويرتسم نوع من السخرية في عمليّة الهروب الصيفيّة السنويّة هذه إلى لندن. فمنذ تسعة أشهر فقط، في خلال الأسبوع الثالث من سبتمبر/أيلول، كان المودعون في هذه العاصمة المالية يتساءلون ما إذا كان بوسعهم تأمين ملاذ آمن لأموالهم التي اكتسبوها بجهد وعناء.

أمّا هذا الأسبوع، في خلال القمّة المصرفيّة العربيّة، فقد شعر هؤلاء العرب بنوع من الراحة، بعد أن قارنوا ما بين حالهم وحال المؤسّسة المصرفيّة العالميّة.

ووفقاً لما أدلى به أحد الرسميين المصرفيين المرموقين، فإننا لا نزال نشعر بارتدادات ذلك الزلزال الذي ضرب الاقتصاد العالمي. ولكن في الإجمال، يسجّل 80 مصرف تعتبر من أفضل 1000 مصرف في العالم، من بين مصارف المنطقة البالغ عددها 280، نجاحات تفوق تلك التي يبلغها نظراؤها في الغرب وفي الشرق الأقصى.

وفي الواقع، ما زالت المنطقة تنمو وتزدهر، الأمر الذي يمنح بعض الراحة، لاسيّما مع توقّعات للنمو تبلغ 2.5 في المائة للسنة الحاليّة وترتفع إلى 3.5 في المائة في السنة القادمة، الأمر الذي يوفر قاعدة جديدة للعمل بعيداً عن أزمة القروض المتعثرة بتلك المصارف.

ولكن في الإجمال، تتربّع المصارف الإقليميّة فوق أصول تفوق 2 تريليون دولار وودائع تبلغ قيمتها نصف هذا المبلغ.، ولم يكن الإقراض المفرط سائداً في السنوات القليلة الماضية، ما وفر لتلك المصارف القدرة على الظهور بمظهر الفائز في هذه الأزمة الحالية، باعتبار أنها لم تتورط في القروض المتعثرة بشكل كبير، ما جعل الكثيرين يلقون باللائمة في الوضع الراهن على واشنطن.

أقيم في لندن منذ زمن طويل وصرت الآن أمضي عشرة أيّام شهريًّا في المنطقة العربيّة ولكنّني أشعر ببعض الإساءة عندما تُوجّه الإهانات إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة. ولكنّ حين يُحتمل أن تكون وول ستريت مسؤولة عن ثلاثة أرباع الأزمة المصرفيّة، فإنّ الاقتصاد الأميركي  يمتصّ 25 في المائة فقط من آثار الانهيار الناتج عن هذه الأزمة.

هذا الأمر سبّب أزمة مساوية تنشر سمّها بالتساوي تقريبًا في جميع أنحاء الكرة الأرضيّة وتصيب الجميع من أكبر المستثمرين في المؤسّسات وأصغر عملاء التجزئة على حدّ سواء.

ويعتقد مدراء المصارف والوزراء أيضًا أنّ مناقشة نظريّة "البراعم الخضراء" التي ترجح عودة الانتعاش إلى الأسواق تؤدّي إلى عودة النشاط الاقتصادي بالعقليّة المعتادة. فقد كانت مستويات تعويض الخسائر، ولا تزال، بعيدة المنال عن المجتمعات العاديّة، لذلك عندما ترى هذه المجتمعات الأرباح ترتفع مجدّدًا يندفع الشركاء القلقون إلى تحقيق عائدات تتراوح بين 10 و20 في المائة من رؤوس الأموال، في حين يكافح الاقتصاد العالمي للعودة إلى طبيعته.

وقد تحدّث الكثيرون عن العودة إلى الأسس والقواعد، أي معرفة العملاء وشهيّتهم للمخاطرة، ويبقى الأهمّ من ذلك كلّه معرفة شهيّة المصارف للمخاطر. من الواضح أنّ الاختلال الحقيقيّ يكمن في هذه النقطة. أمّا التحدّي القائم الآن فيتمثّل في تأمين الطريق المناسب للإنعاش الاقتصادي واتباع الأنظمة الصحيحة.

وتأتي هذه التطورات بينما تنكشف للعيان أوسع عمليّة لإعادة هيكلة الديون- أي ما يراوح 6.3 مليار دولار، لاثنتين من أكبر الشركات العائلية في السعوديّة، كما اتّضح أنّ مصرفي "بي أن بي باريبا" BNP Paribas ومجموعة سيتي غروب Citigroup يتصدّران قائمة تتألّف من سبع وثلاثين دائنًا سيخضعون لعمليّة إعادة الهيكلة هذه. وبالتالي ما زال من الضروري استخلاص بعض الدروس الصعبة.

وبصرف النظر عن هذه الأحداث الجانبيّة، استفادت المنطقة العربيّة من الارتفاع التقليدي لمتطلّبات رأس المال وفرض القيود عليه بغية إحباط التعرّض لدرجات مرتفعة من المخاطر الناشئة في خلال العقود الماضية في لندن وفي بورصات وول ستريت.

من هنا، فإن للمنطقة عذرها في التفكير بوجوب عدم السير وفق الأسلوب الغربي للأعمال، حتّى أنّ أحد المدراء التنفيذيّين العرب دافع عن نظرائه في أوروبا ليتجنّب التنازعات والتجاذبات عبر الأطلسي. في الحقيقة، يجب إجراء تحليل جديد للعبارة الشهيرة التي قالها المموّل الساخر إيفان بوسكي: "ليس الجشع مفيدًا مهما كانت نتائجه".

أصحاب المصارف هؤلاء يترقّبون بلهفةٍ مرحلة التجاوب التالية مع الأزمة بينما يشكّك بعض المشرّعين في ما إذا كانت مجموعة الدول العشرين ستلتزم حقّاً بقائمة الحلول التي كانت قد أعدّتها لعلاج النظام المالي العالمي أم لا.

فموضة اقتصاديّات العرض لم تعد رائجة منذ زمنٍ طويلٍ ويبدو محتّماً أن المنطقة ستتذوّق الطعم المرير الذي سيلي الإنفاق من موازنات عاجزة في الدول الصناعية حالياً. فمع الاضطرار لإنفاق الكثير من الأموال لسدّ مستويات العجز العالية في السنوات القادمة، لن تجد إلاّ مبالغ صغيرة طريقها إلى المنطقة على شكل استثمارات أجنبية مباشرة.

وتستمرّ هذه المنطقة في الانفتاح على العالم الخارجي لتبنّي مشاريع تنمويّة طويلة الأمد. ولكن فيما تحاول اجتياز السنوات القليلة القادمة، لن تتمكّن إلاّ من تمويل المشاريع المحليّة.

وما زالت المقاربة العربية المحافِظة في القطاع المصرفي تعود بحصص من الأرباح.



ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.

الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.