الزميل جون دفتريوس، معد ومقدم برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" الجديد يقوم بتسجيل انطباعاته ومشاهداته أسبوعياً، ويطرح من خلالها، وبلغة مبسطة، رؤيته لاقتصاد المنطقة، انطلاقاً من خبرته الطويلة في عالم الصحافة الاقتصادية.
وفي هذا الأسبوع، يكتب جون زاويته حول ولايته كاليفورنيا، والأوضاع الاقتصادية التي تعيشها حالياً، في ظل الأزمة المالية العالمية والركود.
في وسط حالة إعادة اصطفاف القوى العالمية الحاصل ما بين مجموعة الثمانية ومجموعة العشرين وجدت من المجدي أن أجس النبض لأعرف ما ستكون حالة الولاية الأمريكية التي أنتمي إليها، وهي ولاية كاليفورنيا، التي لو كانت دولة مستقلة لتمكنت من دخول مجموعة الثماني.
ما زالت أجواء الولاية تجتذب أعداداً من الكتّاب الأدبيين الذين يشدهم حجم الضوء وتنوّعه. إنّها العناصر ذاتها التي تؤمّن حيوية الأعمال والطاقة الإبداعية، إنما يجري نقاشٌ هام حول إذا ما انقضت ساعة "الولاية الذهبية" كما يصفون كاليفورنيا، وما قد يعني ذلك بالنسبة إلى النهضة الاقتصادية الأمريكية.
ومن الفكاهة أنّ كاليفورنيا تبقى مغناطيساً جاذباً للزوار من الشرق الأوسط وأوروبا، فقد رحلات الخطوط الجوية البريطانية التي استقليتها من وإلى لوس أنجلوس مزدحمة بالزوار من المنطقة. ومن العدل أن نقول إنّ زوارنا من الخليج سجلوا رقماً قياسياً من حيث نوعية الحقائب المسجلة وعددها. وبالتالي، بقيت الأمور ظاهرياً على حالها، الحماسة خفتت بالنسبة إلى المواطنين الذين حاولوا جمع أجزاء اللغز لحله.
ومن جهة أخرى، ولد من هذه الأزمة كلمات جديدة دخلت اللغة الانكليزية في الولايات المتحدة شأن كلمة " staycation" التي تعني السفر إلى وجهة قريبة. فقد لاقت الطلبات على منزلٍ ما على شواطئ سانتا باربرا تضخماً بنسبة 20 في المائة بسبب المنافسة المحلية من الأمريكيين الذين لم يعودوا قادرين على دفع تكاليف السفر إلى الخارج أو حتى تبريره.
لكننا نجد مؤشرات أكثر خطورة بعيداً عن الشواطئ، وعلى مقربة من كروم العنب المخصصة لإنتاج النبيد بكاليفورنيا، ففي "حزام الأبحاث" الذي يحيط بجامعة الولاية في سانتا باربرا مثلاً، كانت المباني، والواحد تلو الآخر، تحمل لافتات "للإيجار" على المكاتب السابقة لشركات التكنولوجيا والدفاع.
وقد اشار السيد محمد العريان، الرئيس التنفيذي لبيمكو، الشركة الضخمة التي تدير أموال السندات ومركزها نيوبورت بيتش، كاليفورنيا، إلى أنّ "البطالة تزداد وترتفع" وقد أصبحت المسألة الأساسية التي تتناولها سياسات البلدان الصناعية.
وفيما يتوسع شرخ النمو الاقتصادي ما بين البلدان النامية وتلك المتطورة، سيزداد الضغط على صناع السياسات في مجموعة الثماني لحماية الوظائف والرواتب. ومن هذا المنطلق، قدّر صندوق النقد الدولي أن يبلغ الشرخ في النمو نسبة 4 في المائة منتصف عام 2010 علماً أنّه قد سجل نسبة قياسية بلغت 6 في المائة في بداية العام الجاري.
وفيما تناضل منطقة الشرق الأوسط لئلاّ تصاب بعدوى انهيار المصارف الآتية من الغرب، تشير التوقعات إلى أنّ النمو الاقتصادي في المنطقة سيشهد تراجعاً بنسبة 3 في المائة عام 2010. في حين أن الأسواق العالمية متفائلة جراء التقديرات التي ترجح أن تكون أمريكا وألمانيا وفرنسا قد تجاوزت الأسوأ بالنسبة للأزمة المالية.
ومن الواضح جداً أنّ المصرفيين المركزيين وضعوا ما أمكنهم من السيولة لحلّ تلك المشكلة، إنما لم يبق سوى القليل من الذخيرة لمحاربة التباطؤ العام والبطالة المستمرة.
أمضى صديق لي يعيش في لوس أنجلس عقدين من الزمن في العمل كمصرفي لمجموعة من المؤسسات وهو اليوم عاطل عن العمل منذ أكثر من سنة ويعترف ببراءة أنّه غير واثق من أنّ الوظائف في ذلك القطاع ما زالت موجودة.
ويقول إنّ الاحتمالات كلّها أمامه، حتى الانتقال من الولاية التي يحبّها. فبعد أن عاش البطالة لمدة سنة وأكثر، لم يعد يُحتسب ضمن الأرقام الوطنية الرسمية الحالية للبطالة التي تبلغ 9.5 في المائة اليوم وهي النسبة الأعلى منذ 26 عاماً.
وآخرين ممن تحدثت إليهم طلبوا مني عدم غضّ الطرف عمّن يملكون وظيفة سيئة، أي أولئك الذين يعملون مجدداً إنما بعد تخفيض رواتبهم بنسبة 25 إلى 50 في المائة. فلا شك أنّ من الصعوبة بمكان أن يجمع المرء تكاليف التعليم وشراء المنازل في ظلّ انخفاض القدرة الشرائية بهذا الشكل المهول.
كنت مراسلاً في الساحل الغربي خلال الركود الكبير الذي حصل في الولايات المتحدة بين عامي 1991 و1992. وقد عانت ولاية كاليفورنيا من تلك الأزمة كثيراً بسبب انهيار الإنفاق الدفاعي بعد انهيار الاشتراكية. وبالإضافة إلى ذلك، انخفضت أسعار العقارات بشكل كبير، وأصاب الانخفاض في نفقات الأبحاث منطقتي سيليكون فالي وهوليوود اللتين كانتا تحاولان التأقلم مع الثورة الرقمية التي بدأت تستشري.
أجبرت الأزمة الناس على التغيير فتأقلم سكان كاليفورنيا مع الوضع الراهن من خلال إعادة تجهيز القطاعات، فانطلق الاقتصاد من جديد وأصبح أقوى مما كان واستمرّ في اجتذاب الأعمال الجديدة والأجانب. لكن لسببٍ ما، وبعد هذه الزيارة، يقول لي حدسي إنّ السيناريو سيكتب بطريقة مختلفة خلال هذا الانتعاش الفاتر.
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.