الزميل جون دفتريوس، معد ومقدم برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" الجديد يقوم بتسجيل انطباعاته ومشاهداته أسبوعياً، ويطرح من خلالها، وبلغة مبسطة، رؤيته لاقتصاد المنطقة، انطلاقاً من خبرته الطويلة في عالم الصحافة الاقتصادية.
لندن، بريطانيا (CNN) -- شهدنا في هذا الصيف حلول ذكرى مرور 40 عاماً على نزول رائد الفضاء الأمريكي، نيل أرمسترونغ، فوق سطح القمر، عندها قال كلمته التاريخية في 21 يوليو/تموز 1969: "إنها خطوة صغيرة لرجل.. وقفزة كبيرة للجنس البشري."
وقد أعقب قول هذه العبارة الكثير من النقاش حول وجود خطأ في قواعد اللغة الإنجليزية فيها، وقد أعرب أرمسترونغ آنذاك عن أمله في أن يمنحه التاريخ "فرصة للنجاة من هذا الإحراج،" فكان أن تحدث البعض عن مشكلة اعترضت البث الصوتي خلال الرحلة الشهيرة، بما شوّه الجملة وجعل البعض يتحدث عن أخطاء فيها.
أستعيد اليوم ذكرى هذه الرحلة التي استغرقت ساعتين ونصف إلى سطح القمر، لأننا اليوم نواجه نقاشاً روحياً وثقافياً حول الأزمة المالية العالمية التي نعيشها اليوم، وما إذا كانت ستلعب دوراً في تغيير المقاربة التي نقدمها للتجارة والأعمال، أم أنها ستكون مجرد حادث يعترض مسيرة العولمة المستمرة.
وخلال الشهر الجاري، جرت مراجعة كافة أوجه الأزمة من قبل المحللين، في مسعى لمعرفة موقعنا اليوم، والخطوات التشريعية التي يجب أن تنجم عن اجتماع مجموعة العشرين في مدينة بيترسبورغ الأمريكية، لكن البعض يرى أننا - في خضم الانشغال بهذه التفاصيل - نفوّت على أنفسنا فرصة النظر إلى الصورة بشكل كلّي.
لقد استمعت إلى رواد الفضاء عن المشاعر الغريبة التي تنتابهم لدى النظر إلى كوكب الأرض من الفضاء الخارجي، وقال لي البعض إن هذا المنظر يبدل وجهات نظر المرء حول الحياة إلى الأبد، وربما يتوجب علينا أن نقوم بهذا الأمر، أي أن ننظر - ليس فقط إلى ما تمخضت عنه الأمور بشكل جزئي، بل إلى مسيرة العالم ككل، وقطع الأحجية التي يتم وضعها في مكانها.
أصحاب العقول الذكية ينظرون إلى الأمام والوراء في الوقت نفسه، وأنا أحرص كل عام على تمضية بضعة أيام في جبال الألب مع رجال أعمال وصناعيين ألمان في ورشة عمل لفهم المتغيرات التي تحصل في العالم اليوم، وقد عقدنا جلسة العام الماضي قبل عامين من انهيار مصرف "ليمان براذرز" وقد عدت إلى دفتر ملاحظاتي لتذكر ما قيل آنذاك، ووجدت أن التحليلات كانت في مكانها.
لقد تحدث المجتمعون آنذاك عن خطة لإنقاذ المصارف بمبالغ مالية غير مسبوقة في التاريخ، كما أكدوا اتجاه العالم نحو وضع ضوابط قانونية للمنتجات المالية، لكن أحداً منا لم يتوقع بشكل كامل اتجاه الأمور، كأن يعيش الاقتصاد الأمريكي اليوم تحت وطأة قروض تتجاوز 1.5 ترليون دولار.
لقد أصدر مصرف " جي بي مورغان" مؤخراً دراسة تتحدث عن خفض كبير تقوم به المصارف للعوائد على السيولة، بحيث تضعها عند مستوى 11 في المائة مقابل 15 في المائة خلال الفترة الماضية، إلى جانب رصد الدراسة لتشديد القوانين المحركة للمصارف وطلب زيادة السيولة لديها.
ولكن المدير التنفيذي لشركة "سيمنز" جو كايسر، الذي توظف شركته أكثر من 400 ألف شخص حول العالم، يفترض أمراً مختلفاً كلياً، إذ أنه يصر على أن الأزمة المالية الحالية تشكل خطوة كبيرة على طريق تعزيز العولمة.
وفي الوقت الذي يعيش فيه الغرب على أموال وأوقات مستدانة، فإن خبراء الاقتصاد في الشرق يعيدون تنظيم صفوفهم بسرعة، ورغم أن البعض يقلل من صدقية النظرية التي تشير إلى أن الشرق والغرب باتا منفصلين على المستوى الاقتصادي، إلا أن الأرقام تقول غير ذلك.
فخلال 2009، ستعيش معظم الدول الغربية في حالة ركود، بينما ستنمو الصين بنسبة ثمانية في المائة، بينما ستنمو كل من الهند وإندونيسيا بمعدل خمسة في المائة لكل منهما، وترى بكين أن خطة تحفيز الاقتصاد التي أقرتها ستضمن استمرار النمو عند هذه المستويات حتى عام 2015.
أما بالنسبة لدول الشرق الأوسط، فإن بقاء النفط فوق حاجز 60 إلى 70 دولاراً سيضمن بقاء النمو القوي.
لذلك، فإن خطوة العولمة الكبرى المرتقبة للدول الصناعية ستكون الذهاب إلى حيث تتوافر الفرص، فشركة "جنرال إلكتريك" على سبيل المثال أبرمت قبل أيام صفقة بقيمة 2.5 مليار دولار لبناء محطة كهربائية في الكويت، ولديها صفقات بالحجم نفسه مع السعودية.
لقد بدا لنا أننا وقعنا جميعاً من فوق المنحدر في سبتمبر/أيلول 2008، واضطر معظمنا إلى التساؤل: "هل المصرف الذي أودعت به أموالي بوضع جيد؟" لكن عوض التفكير في ما حصل العام الماضي، فلنفكر جميعاً بالكلمات التاريخية التي قالها أرمسترونغ قبل أربعة عقود.
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.