أعد التقرير: مصطفى العرب
الصراع يتعمق في شتى القطاعات
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يرى البعض أن عبارة "ضريبة الديمقراطية" ليست مجرد تعبير مجازي، بل ترتدي في بعض الأحيان طابعاً حقيقياً يظهر من خلال التأثيرات الاقتصادية التي تتعرض لها بعض الدول جراء التنافس السياسي والصراع بين مراكز القوى في المجتمعات التي تشهد تبدلات بفعل الانتخابات والتداول على السلطة.
وتعتبر الكويت واحدة من الدول الأبرز في هذا الإطار، خاصة وأنها عرفت في السنوات الأخيرة سلسلة من المشاكل السياسية التي انعكست على الشق الاقتصادي، غير أن فورة النمو السريع خففت من وطأتها، إلا أن آثارها في هذه المرحلة قد تكون أكبر من السابق، خاصة بسبب الأزمة المالية العالمية، وتراجع أسعار النفط.
وربما كانت ولاية الحكومة الكويتية الأخيرة، التي ترأسها الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح، أبرز دليل على تأثر الاقتصاد بالصراع السياسي، فكانت قضايا "داو كيميكال" و"المصفاة الرابعة" و"قانون الاستقرار" عناوين لأبرز الملفات الشائكة التي وسمت المرحلة السابقة.
ويشير المحلل المالي، فهد مطلق شريعان، نائب مدير عام شركة الاتحاد للوساطة المالية في حديث لموقع CNN بالعربية إلى الترابط القائم بين الاقتصاد والسياسة في الكويت، بالقول إن حجم الشريحة الشعبية التي تتعامل في السوق المالية الكويتية، على سبيل المثال، يجعل من السوق مجال ضغط كبير يسمح بتشكيل "لوبي" سياسي واقتصادي.
ويلفت شريعان إلى أن الحكومات الكويتية تدرك بأن عليها تحسين الاقتصاد لنيل الرضا الشعبي، وخاصة على صعيد البورصة، حيث أن استمرار تلوّن مؤشرها باللون الأخضر سيكون له وقع شعبي إيجابي يخفف من أي موقف سلبي حيالها.
ويصف المحلل المالي البورصة الكويتية بأنها "ملعب سياسي كبير"، يمكن أن يكون "عنصراً ضاغطاً" لاختيار مرشحين أو أعضاء في الحكومة.
كما كشف شريعان أن لبعض المرشحين ملكيات كبيرة في أسهم جيدة تشهد صعوداً في أسعارها حالياً، مشيراً إلى أن ذلك بات يستخدم بديلاً عن المال السياسي وشراء الأصوات، حيث يتلقى بعض الناخبين وعوداً بشراء الأسهم منهم بأسعار مرتفعة بعد الانتخابات، عوض دفع المال لهم مباشرة لقاء التصويت.
وعن اتجاه الأمور الاقتصادية مستقبلاً بعد الانتخابات، قال شريعان: "الدولة تضغط بشكل لإحداث التغيير مستقبلاً، والبعض ينادي بهذا التغيير، ولكن يجب أن ننتظر اتجاه الأمور."
وتوقع شريعان أن يشهد مجلس الأمة المقبل تبدلات واسعة قد تطال نصفه تقريباً، غير أن اختيار رئيس الحكومة المقبل سيلعب دوراً في تحديد فرص حدوث التأزيم من عدمه.
ويعتمد الاقتصاد الكويتي بشكل أساسي على النفط وصادراته، وعلى غرار سائر دول المنطقة، شهدت الكويت طفرة كبيرة مع الصعود القياسي لأسعار النفط العام الماضي، قبل أن تعود لتشهد تراجع مداخيلها مع انخفاض أسعاره.
وترافق ذلك مع وصول الأزمة المالية العالمية إلى ذروتها، حيث كان للكويت نصيب منها مع ظهور أزمة "بنك الخليج"، الذي يعتبر بين أكبر المصارف التجارية في البلاد ومنطقة الخليج، إلى العلن في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عندما أعلن البنك خسارة الملايين في عمليات تخص منتجات مصرفية لحساب بعض زبائنه.
وتسبب ذلك بحالة من الهلع في الأسواق، باعتبار أن المصرف كان أول ضحايا الأزمة المالية العالمية في الخليج، ودفع ذلك بالحكومة الكويتية إلى ضمان حقوق كل المودعين.
وتبع ذلك استقالة رئيس مجلس إدارة المصرف، بسام الغانم، وتعيين شقيقه قتيبة الغانم مكانه، وقد كشف البنك في 20 أبريل/نيسان الماضي أن خسائره للعام 2008 بلغت 1.2 مليار، ما دفعه لزيادة رأسماله بنحو 376 مليون دينار (1.296 مليار دولار) مع تخصيص الجزء غير المكتتب فيه من رأس المال، والذي بلغ 16 في المائة للهيئة العامة للاستثمار، التي اكتتبت بها.
ولم تكن قضية "بنك الخليج" الأزمة الوحيدة التي تدخلت فيها الهيئة العامة للاستثمار في الكويت، بل عمدت الهيئة، وبتوجيهات حكومية، إلى الدخول لأكثر من مرة في سوق المال لشراء أسهم، ووقف النزيف الحاد للبورصة.
على أن الخلاف السياسي في الكويت برز بشكل حاد من خلال مجموعة من الملفات أبرزها:
الشراكة مع "داو كيميكال"
قررت الحكومة الكويتية نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي إلغاء خطط لمشروع مشترك ضخم مع شركة "داو كيميكال" الأمريكية لصناعة الكيماويات، بعد أن لقي هذا المشروع "المثير للجدل" معارضة شديدة داخل مجلس الأمة، ومن قبل خبراء في المجال الاقتصادي.
وتبلغ قيمة المشروع قرابة 17.4 مليار دولار، وقد جاء قرار الحكومة بعد ضغط كبير مارسه نواب، بدعوى أن الصفقة "مكلفة للغاية، ودون جدوى اقتصادية،" في وقت تتراجع فيه أسعار النفط ومشتقاته بشدة.
كما انتقد النواب ما اعتبروه "شروطاً مجحفة" بحق الكويت في الصفقة، وخاصة لجهة وجود شرط جزائي، وقد شكل الخلاف حول الصفقة أحد أسباب التوتر بين البرلمان والحكومة.
من جانبها، ردت الشركة الأمريكية على تلك الانتقادات بالقول إن كلفة مشروعها المشترك مع الحكومة الكويتية أقل بكثير من صفقات أخرى في المنطقة، كما أنه كان سيعود بالنفع على الاقتصاد الكويتي.
المصفاة الرابعة
لعل قضية المصفاة الرابعة دليل جلي على حجم تأثير الخلافات السياسية على المسار الاقتصادي بالكويت، فقد تم طرح مشروع تنفيذ هذه المصفاة بهدف توفير احتياجات الكويت من المحروقات المخصصة لمعامل الطاقة بالاكتفاء الذاتي وبوقود "صديق للبيئة،" إلى جانب بعض المنتجات الأخرى المخصصة للتصدير، وكان من المقرر ان تباشر عملها في مايو/ أيارعام 2012 ، وتصل طاقتها التكريرية إلى 615 إلف برميل يوميا.
وطرحت الحكومة المناقصة الخاصة ببناء المصفاة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2007 ، وتم إغلاق باب تسلم العروض في 26 ديسمبر/كانون الأول من نفس العام، وأعلنت نتائجها في 11 مايو/أيار 2008.
وقد واجه المشروع معارضة من عدة نواب أثاروا وجود مخالفات، وهدد بعضهم بطرح استجوابات للحكومة. وتسبب ذلك في دفع الحكومة إلى اتخاذ قرار بإلغاء المناقصة، وتلقت الشركات الكورية الأربع للإنشاءات المشاركة في الصفقة رسميا ما يشير إلى إلغاء المشروع، الذي تقارب قيمته 6.3 مليارات دولار، والشركات هي "هيونداي للهندسة والإنشاءات" و"ديليم الصناعية" و"جي إس للهندسة والإنشاءات" و"أس كي للهندسة والإنشاءات."
وفي وقت دافعت فيه شركة البترول الوطنية الكويتية عن موقفها بالقول إن المشروع كان قد خضع لدراسة دقيقة، وأن الإلغاء اقتصر على خطاب النوايا، قالت جهات نيابية إن القرار وفّر على الكويت مليارات الدولارات بسبب تراجع أسعار النفط ومشتقاته في ظل الأزمة المالي العالمية.
قانون الاستقرار الاقتصادي
طرحت الحكومة الكويتية في فبراير/شباط الماضي مشروع قانون يهدف لتعزيز الاستقرار المالي في البلاد، على خلفية الأزمة المالية العالمية، التي كان لها تداعيات سلبية على الاقتصاد الكويتي.
وسارع رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية البرلمانية في الكويت، النائب عبدالواحد العوضي، إلى وصف المشروع بأنه خطة إنقاذ للاقتصاد الوطني."
وتضمن المشروع تأكيد عزم الحكومة تقديم قروض للشركات المتعثرة بهدف دعمها ومساعدتها على الاستمرار في العمل، على غرار خطة الإنقاذ الأمريكية.
وقد تعرض القانون للضغط في البرلمان، حيث عارضت بعض الكتل إقراره ما لم تلتزم الحكومة بشراء ديون المواطنين أو إسقاطها أو حتى إعادة جدولتها، وأدى الأمر إلى إصدار الحكومة للقانون بمرسوم بعد حل مجلس النواب، لتكون الكويت أول دولة عربية تطرح خطة إنقاذ رسمية للتعاطي مع الأزمة الحالية.
بالمقابل، وصفت مؤسسة "ستاندر أند بورز" الكويت بأنها "استثناء" في الخليج، لكون السياسة المالية فيها تبقى "الأقل تحفيزاً للاقتصاد غير النفطي" في المنطقة، حيث تلحظ موازنتها للعام المالي 2009/2010 خفضاً في الإنفاق بنسبة 36 في المائة، وإن كانت قد اعتبرتها (الكويت) قادرة على تحمل عجز في المالية العامة بنسبة عشرة في المائة، من دون الحاجة إلى اللجوء إلى التمويل بالدين لمدة 25 عاما على الأقل.