تقرير: بن ويديمان
الحشود المصرية الغاضبة.. قد ينفد صبرها قريباً
القاهرة، مصر(CNN)-- تخضع مناطق في العاصمة المصرية القاهرة للأحكام العرفية، غير أن هذه المدينة المسالمة التي تتسم بالفوضى الاعتيادية، والتي يقطنها 18 مليون نسمة، اجتاحتها مؤخراً حمى كرة القدم المجنونة، الأمر الذي ترتب عليه قيام الحكومة بنشر الآلاف من عناصر شرطة مكافحة الشغب ورجال أمن يرتدون ملابس مدنية في بعض أحياء المدينة التي تشتهر عادة بالمطاعم الفاخرة والمحلات التجارية الراقية.
ليلة الخميس الماضي، هرع الآلاف من مشجعي كرة القدم الغاضبين نحو جزيرة الزمالك، الحي الفاخر، الذي يقطنه المصريون الأثرياء والدبلوماسيون ورجال الأعمال والصحفيون.
لقد كانت الجموع الغاضبة تتجه نحو مقر السفارة الجزائرية في شارع حسن صبري الشهير.
قبل ذلك، أي مساء الأربعاء، شهد استاد المريخ بمدينة الخرطوم، المباراة الفاصلة بين منتخبي الجزائر ومصر في التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا، والتي وصفتها صحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية بأنها "مباراة الخروج من الجحيم."
في تلك المباراة، فازت الجزائر بهدف دون مقابل، أحرزه اللاعب الجزائري عنتر يحيى، وبواسطته حجزت الجزائر مقعداً لها في نهائيات كأس العالم 2010، وعاد المصريون إلى وطنهم خاسرين.
لقد تعطلت الحياة في مصر والجزائر، وتوقفت تماماً مساء الأربعاء بغية مشاهدة المباراة التي أقيمت في استاد المريخ بالخرطوم.
والمريخ، كما هو معروف، أحد كواكب المجموعة الشمسية، ويرمز بحسب الأساطير إلى إله الحرب.
لقد أثارت المباراة، قبلها وبعدها، حرباً إعلامية شرسة و"سيّئة"، إذ اتهم كل طرف الآخر بقتل رعاياه وتحطيم الممتلكات.
ووجهت الحكومة الجزائرية فجأة صفعة لشركة الاتصالات المصرية العملاقة "أوراسكوم" Orascam، عندما طالبتها بدفع ضرائب تصل إلى 600 مليون دولار، وهو ما قالته عنه الشركة (أوراسكوم) إنها مطالبة "عارية عن الصحة وغير مقبولة."
والجمعة، ظهرت صحيفة يومية مصرية يتصدرها عنوان بالخط الأحمر العريض "رعب في السودان" ويحتوي على صورة فوتوغرافية ملونة كبيرة لنساء مضمدات الرؤوس، وشرطي يحمل سكيناً ذات نصل طويل، وتحت الصورة قال الشرح التوضيحي، إن السكين الطويلة استخدمها مشجع جزائري ضد مشج مصري.
وعلى موقع "يوتيوب" حالياً ثمة العديد من لقطات الفيديو التي احتوت على لعنات متبادلة بين المصريين والجزائريين، وإهانات بأقذع الألفاظ.
ويسهم كل هذا في تأجيج مشاعر الغضب والاستياء بين أنصار المنتخبين.
في حي الزمالك مساء الخميس، لم تتمكن الحشود الغاضبة من اختراق الحصار الذي فرضته الشرطة، غير أنها فرّغت غضبها في السيارات المتواجدة في المكان تلك اللحظة، وكذلك بتحطيم واجهات المتاجر.
ويقول شهود عيان إن الشرطة لم تفعل شيئاً في البداية للحيلولة دون ذلك، ما يغذي الافتراض بأن السلطات أرادت للحشد الغاضب تفريغ غضبه، ومن ثم عودة المتظاهرين إلى بيوتهم، كما جرت العادة في مناسبات أخرى عديدة.
غير أن هذا التكتيك لم ينجح هذه المرة، فمع انتشار الكلمة في جميع أنحاء القاهرة كان المزيد من الناس، ومعظمهم من الشباب وحفنة من الشابات، يتوافدون ليشقوا طريقهم إلى حي الزمالك.
وكان الحشد الغاضب يحملون الحجارة والزجاجات الفارغة، حيث قاموا برشقها بغضب، ما أدى إلى إصابة أكثر من 30 شرطياً بجروح، وفقاً لوزارة الداخلية المصرية، ليصب الغاضبون جام غضبهم على ناقلة لشرطة مكافحة الشغب، ويشعلوا فيها النيران.
في أعقاب ليلة الفوضى هذه، تبنت الحكومة الجمعة سياسة عدم التسامح، فنشرت الآلاف من عناصر مكافحة الشغب في شوارع الزمالك، وأغلقت الطريق المؤدية إلى السفارة الجزائرية، في وجه حركة المرور.
والحال هذه، وكما يحدث في أغلب الأحيان عندما يشعر رجال الشرطة بالإحباط، فإنهم يتحولون إلى الصحفيين، فعندما حاولت مصورة شبكة CNN في القاهرة، ماري روجرز، تصوير امرأة شابة تحمل العلم المصري أثناء مشادة مع أحد رجال الشرطة، اندفع نحو عشرة من رجال الشرطة باتجاهها واستولوا على الكاميرا.
ويقول، مدير مكتب CNN في القاهرة، بن ويدمان، في تلك اللحظة "عندما أبديت احتجاجي، ووضعت يدي على الكاميرا، انقضوا عليّ ومزقوا قميصي، وأمسك اثنان من رجال الأمن المدنيين، وكانا مفتولي العضلات، بالجزء العلوي من ذراعي وسحباني بعيداً."
وبالطبع "عبرت عن احتجاجي على هذا السلوك، الأمر الذي أدى إلى مجيء المزيد من رجال الأمن، وتسبب ذلك لمزيد من الكدمات التي أصبت بها في ذراعيّ جراء هذه المواجهة مع رجال القانون."
"وبعد كثير من الصراخ والاتصالات الهاتفية واللاسلكية، سمحوا لنا بالذهاب، غير أنه كانت هناك مشكلة واحدة، فالشريط اختفى من الكاميرا، وكالعادة، عندما سألنا الشرطة عن الشريط، لم يكن لديهم أي فكرة عما حدث.
وقال شاب شهد ما حدث لنا: "هذه ليست مصر! إنهم ليسوا مصريين"، في إشارة إلى شرطة مكافحة الشغب.
المشكلة الأساسية على ما يبدو لا علاقة لها بكرة القدم أو الجزائر، بل بوجود استياء عميق بين المصريين، الفقراء والأغنياء على السواء، ضد النظام المصري الاستبدادي والكهل، الذي ينظر إليه كثيرون على أنه أكثر اهتماماً بالحفاظ على نفسه ووجوده والإثراء الذاتي أكثر من اهتمامه بتوفير الرفاه العام.
لقد سمعت امرأة واحدة من بين الحشود وصفت نفسها بأنها ربة بيت، وهي تعترض على أحد رجال الشرطة قائلة: "نحن 80 مليون نسمة في هذا البلد، وعلينا أن نكافح للبقاء، وكل ما تفعلونه هو ضربنا."
إن الورطة التي تعاني منها مصر، هي تلك التي حددتها ببلاغة الصحفية المصرية سارة خورشيد، حين كتبت مؤخراً في صحيفة "ديلى نيوز": "حتى يومنا هذا، يتواصل تجريد المصريين من كرامتهم، يقفون دون حراك في مواجهة الفساد وغياب القانون، والتوزيع غير العادل للسلطة والثروة بين دائرة صغيرة غنية وأغلبية محرومة، يبدو أن صبرها قد لا يكون مضموناً لمدة طويلة."
ربما تنتهي الضجة المتعلقة بالمباراة بعد يوم أو يومين، غير أن ما حدث يشكل تذكيراً صارخاً بأن مظهر الهدوء والاستقرار في مصر يمكن أن يكون مخادعاً.