المقرحي عند وصوله إلى طرابلس
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- قال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد مليباند الجمعة، إن رؤية الحشود التي استقبلت الليبي عبدالباسط المقرحي، المدان بتفجير طائرة أمريكية فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية عام 1988 في طرابلس كان "مؤسفاً ومثيراً للغضب الشديد."
وانتقد مليبند حصول السجين الليبي الذي أفرجت اسكتلنده عنه لأسباب إنسانية بسبب إصابته بسرطان البروستات على ما وصفه بـ"استقبال الأبطال،" في حين قال رئيس حكومته، غوردون براون، إنه طلب بشكل خاص من الزعيم الليبي، معمر القذافي، عدم تنظيم حفل استقبال حار للمقرحي.
وذكر مكتب رئيس الوزراء البريطاني إنه بعث برسالة إلى وزارة الخارجية الليبية طلب فيها من طرابلس "التصرف بشكل يراعي الحساسية" حيال عودة المقرحي.
وبالعودة إلى تصريحات مليبناند التي أدلى بها إلى راديو BBC، فقد ذكر الوزير البريطاني أن لندن أوضحت لطرابلس بأن أسلوب تصرفها خلال الأيام المقبلة حيال عودة المقرحي "سيكون مهماً للغاية في تحديد نظرة العالم نحو عودتها إلى صفوف الدول المتحضرة.
من جهته، أصدر محامي المقرحي بياناً منسوباً إلى السجين الليبي السابق، قال فيه إن الأخير "سيمضي أيامه الأخيرة في ظل الحكم الجائر الصادر بحقه،" كما شدد على براءته مكرراً توجيه التعازي لضحايا الطائرة.
وكان المئات من الليبيين قد استقبلوا مساء الخميس في مطار معيتيقة الدولي في طرابلس عبدالباسط المقرحي، الذي أفرج عنه من سجن اسكتلندي لأسباب إنسانية.
وعاد برفقة المقراحي سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي معمر القذافي، فيما استقبلته عائلته وأصدقاؤه في المطار، وفقاً لما أوردته وكالة أنباء الجماهيرية الليبية الرسمية.
وقالت الوكالة إن "تمسك ليبيا بموقفها بضرورة الإفراج عن المقرحي، حظي بدعم عالمي واسع، على اعتبار حالة استمرار حجزه، رهينة سياسية طبقاً لكل القوانين والأعراف الدولية."
وكانت اسكتلندا قررت في وقت سابق الخميس الإفراج عن المقرحي، وذلك "لأسباب إنسانية" باعتبار أنه مصاب بسرطان البروستات الذي وصل إلى مرحلة متقدمة لم تعد تتيح له العيش لأكثر من أشهر.
وقد وصف الرئيس الأمريكي، باراك أوباما قرار الحكومة الاسكتلندية بـ"الخاطئ،" كاشفاً أن واشنطن اتصلت بطرابلس طالبة منها إبقاء المقرحي قيد الإقامة في منزله.
وقال أوباما: "نحن على اتصال بالحكومة الليبية ونرغب بالتأكد من أنه (المقرحي) لن ينال استقبالاً عند عودته، وطلبنا عوض ذلك أن يتم سجنه في منزله،" مضيفاً أن واشنطن اتصلت بعائلات ضحايا الطائرة لتؤكد لهم عدم رضاها عمّا قامت به أدنبرة.
من جانبه، قال وكيل وزارة الخارجية الأمريكية، بي جي كراولي، إن الأسلوب الذي ستتعامل عبره الحكومة الليبية مع المقرحي "سيحدد سيؤثر على مستقبل علاقاتها بواشنطن" مضيفاً أن الإدارة الأمريكية اتصلت بوزارة الخارجية الليبية وبسفارة طرابلس بواشنطن "للتحذير بضرورة عدم حصول المقرحي على استقبال الأبطال" سواء عند وصوله أو في الأيام المقبلة، أو حتى عند وفاته.
وكان وزير العدل الاسكتلندي، كيني ماك أسكل، قال إن الظروف القانونية لا تتيح له الإفراج عن المقرحي بسبب الجرائم المنسوبة إليه، والتي اعتبر أن أدنبرة "لن تنساها أبداً" غير أنه قال إن القيم الإنسانية الاسكتلندية تحتم عليه استخدام صلاحياته في هذا الإطار لتخلية سبيله.
وفي مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة الاسكتلندية، قال ماك أسكل إنه "اطلع على مرض المقرحي الذي وصل إلى مرحله متقدمة، واستشار الأطباء الذين تابعوه وقالوا إن وضعه تدهور بشكل كبير وتوصل الخبراء إلى أن مرضه قد قاوم العلاج ولذلك كان هناك إجماع بأن توقع شفائه من المرض بات ضئيلاً."
وتابع الوزير الاسكتلندي إن تقرير الأطباء الذي بين يديه يشير إلى أن فترة الحياة المتبقية للمقرحي هي ثلاثة أشهر، مؤكداً أن هذه المشورة: "ليست بناء على فحص الأطباء في السجن فحسب بل تمت الاستعانة بخبرات أطباء آخرين."
وذكر الوزير الاسكتلندي أن بلاده أطلعت الولايات المتحدة على تقارير الأطباء، دون أن يوضح موقف واشنطن منها، رغم أنها كانت قد أعلنت في وقت سابق معارضتها للإفراج عنه.
وكشف ماك أسكل أنه رفض قرار نقل المقرحي إلى ليبيا: "بناء على نصائح كبار ضباط الشرطة الذين قالوا إن ذلك يتطلب إجراءات أمنية."
وبعد تشديده على أن اسكتلندا "ستذكر إلى الأبد الجريمة التي ارتكبت وبعض الآلام لا يمكن أن تُنسى،" أعلن أن الدواعي الإنسانية تبقى دائماً سمة أساسية من سمات قيم بلاده، مضيفاً أنه "لهذه الأسباب وحدها" فقد قرر الإفراج عن المتهم الليبي.
وكانت التقارير حول إمكانية الإفراج عن المقرحي قد تزايدت منذ منتصف أغسطس/آب الجاري، عندما وافقت محكمة اسكتلندية على طلبه عدم التقدم باستئناف الحكم.
وسبق ذلك رفض محكمة اسكتلندية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، الإفراج عن المقرحي لأسباب مرضية، مضيفة أن بوسعه تلقي العلاج في السجن.
ويتيح القانون الاسكتلندي الإفراج عن السجناء إذا ثبت أنهم يعانون مرضاً عضالاً قد يودي بحياتهم خلال ثلاثة أشهر.
من جهتها، سارعت الولايات المتحدة إلى التنديد بالقرار الاسكتلندي، وعبرت وزارة الخارجية، في بيان مقتضب عن "أسفها" للإفراج عن المقرحي، مشددة على وجوب أن يقضي كامل فترة عقوبته في اسكتلندا، وأعادت توجيه التعازي إلى أسر ضحايا الطائرة، قائلة إنهم "سيعشون تحت تأثير خسارتهم إلى الأبد."
وكان القضاء قد أدان المقرحي عام 2001، وعاد وقرر عام 2003 عدم السماح له بطلب إطلاق السراح المشروط قبل قضاء 27 عاماً في السجن، فيما تمت تبرئة المتهم الليبي الآخر، الأمين خليفة فحيمة.
واتهم المحلفون، الذين نظروا القضية، المقرحي بزرع حقيبة تحمل قنبلة على متن طائرة كانت متوجهة من مالطا إلى ألمانيا، مستغلاً عمله في مطار مالطا، قبل أن تُنقل الحقيبة إلى الطائرة الأمريكية التي انفجرت فيها لاحقاً.
وأشار القرار الاتهامي إلى أن المقرحي هو عميل للاستخبارات الليبية، وقد شوهد وهو يبتاع بعض الملابس التي عُثر عليها لاحقاً داخل الحقيبة المفخخة.
وكانت القضية واحدة من بين أبرز أسباب العزلة التي فُرضت على ليبيا، ورغم نفي الزعيم الليبي، معمر القذافي، صحة الاتهامات، غير أن طرابلس عادت لاحقاً ووافقت على تحمل مسؤولية العملية.
كما سمحت طرابلس لمصرفها المركزي بتحويل مبلغ 2.7 مليار دولار يدفع لعائلات ضحايا الحادث، الذي أودى بحياة جميع من كانوا على متن الطائرة، وعددهم 259 شخصاً، إضافة إلى 11 قتيلا على الأرض، على سبيل التعويض.
وعلى خلفية الحادث، فرضت الأمم المتحدة عقوبات على ليبيا عام 1992، ثم قامت بتعليقها عام 1999، بعد أن سلمت طرابلس الرجلين الذين اتهما بتفجير الطائرة، تمت محاكمتهما في هولندا بموجب القانون الاسكتلندي عام 2001.