الزميل جون دفتريوس، معد ومقدم برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" يقوم بتسجيل انطباعاته ومشاهداته أسبوعياً، ويطرح من خلالها، وبلغة مبسطة، رؤيته لاقتصاد المنطقة، انطلاقاً من خبرته الطويلة في عالم الصحافة الاقتصادية.
لندن، بريطانيا (CNN) -- من المعروف أن فهم نظرية العرض والطلب هو من بديهيات مهنة الصحافة الاقتصادية، وترتكز النظرية على مبادئ تشير إلى الطلب يتحرك وفق سعر المادة المعروضة وتوفرها وطبيعة استخدامها، وهو يرتفع مع تراجع المعروض من المادة، ما يرفع ثمنها، أو يتراجع مع تكدسها.
ولكن الأحداث المتسارعة في العالم اليوم تجعل اختبار هذه النظرية أمراً صعباً، خاصة مع خطط الإنعاش الاقتصادي الكبيرة، وانقسام العالم إلى قسمين، يواصل الأول منهما النمو (الجانب الشرقي) في حين تتعثر أوضاع الثاني (الجانب الغربي،) بل وتصل التعقيدات إلى ذروتها خلال الحديث عن أوضاع النفط.
وهنا يدخل ما يمكن تسميته بـ"العامل الإيراني،" فقد ارتفعت أسعار النفط بشكل ثابت خلال الأسبوع الماضي، بعدما زادت إيران من حدة المواجهة مع الدول الكبرى بإعلانها عن تخصيب اليورانيوم بشكل ذاتي، وتزامن ذلك مع كشف خطط عسكرية أمريكية لضمان أمن الخليج جواً وبحراً.
وبالتالي، خرجت قاعدة "العرض والطلب" عن سكتها الصحيحة، وحلت مكانها قاعدة "العرض والأمن،" فالمخاوف من تطورات الأحداث ترفع الأسعار عالياً، علماً أن الموجود من النفط في السوق والمخازن هو أعلى من الكميات التي كانت موجودة خلال السنوات الخمس الماضية بنسبة ستة في المائة.
وزاد من ارتفاع الأسعار اضطراب الأوضاع في العراق واليمن وأفغانستان، إلى جانب رهان البعض على عودة الانتعاش الاقتصادي إلى الدول الغربية خلال النصف الثاني من العام الجاري.
وخلال لقاء مع عبدالله سالم البدري، الأمين العام لمنظمة الدولة المصدرة للنفط "أوبك،" ناقشنا قضية الأمن والعرض، وذلك عبر التركيز على إيران التي هي مصدر أربعة ملايين برميل من النفط يومياً، كما أنها المحور الرئيسي في الأوضاع المتوترة بالخليج.
ولدى سؤاله عن التحركات الأمنية في المنطقة قال البدري: "لا نحتاج إلى المزيد من المشاكل في هذه المنطقة، علينا أن نتصرف بحذر لأن الأمور قد تنهار بسرعة."
ويقول الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، إنه ما يزال مستعداً للتفاوض مع إيران، ولكنه يعد في الوقت عينه لخطط تهدف إلى تشديد العقوبات عليها وعزلها من قبل المجتمع الدولي.
وحذّر البدري من حصول تداعيات لسحب خطط الإنعاش الاقتصادي على طلب النفط في العالم، قائلاً إن عمليات سحب الدعم يجب أن تتم "بشكل حذر للغاية،" كما توقع أن يكون النصف الأول من العام الجاري "صعباً" على أن تتحسن الأمور في النصف الثاني منه.
وعن رأيه في أسعار النفط التي تتراوح حالياً بين 70 و80 دولاراً، رغم تواضع النمو الاقتصادي العالمي قال الأمين العام لأوبك: "هذه الأسعار تبقي الجميع في وضع جيد، لأن السوق خلقت طلبها الخاص، وهذه المستويات تسمح لنا بالحصول على دخل جيد ومواصلة الاستثمار في مجال الطاقة، وقد تستمر هذه المستويات السعرية حتى نهاية العام."
وأكد البدري أن أوبك ما تزال تنتج كميات من النفط تفوق حاجة الأسواق، موضحاً بالقول: "اليوم أوبك تنتج 29.1 مليون برميل يومياً، في حين أن الطلب يعادل 28.6 مليون برميل، وهذا يعني أن هناك 500 ألف برميل يومي زائد من قبلنا.
وتابع قائلاً: "في ظل الركود العالمي، فإننا لن نعود إلى مستوى الطلب الذي كان عام 2008 عند 31 مليون برميل إلا بعد عامين أو ثلاثة أعوام، لأن الاقتصاد العالمي قائم على حركة اقتصاديات الصين والهند والولايات المتحدة في ظل ركود سائر الدول."
وتزامن ذلك مع إشارة الوكالة الدولية للطاقة إلى أنها سترفع من الطلب المتوقع على النفط خلال 2010، مع النمو المنتظر في الأسواق النامية، دون أن تنسى القول بأن الأوضاع في الدول الأوروبية "ما تزال تواجه حالة عدم استقرار،" مع أزمة الدول الأوروبية التي تواجه عجزاً كبيراً، وكذلك الولايات المتحدة.
أشير هنا إلى أن نظرية "العرض والطلب" ما تزال سارية المفعول، ولكن هناك الكثير من القطع الصغيرة في هذه المعادلة كفيلة بقلبها بشكل يدفع أسعار النفط إلى التراجع دون المستويات الحالية المريحة لدول الشرق الأوسط المنتجة للطاقة.
ولكن قضية الأمن أو "العامل الإيراني" تظل ماثلة في أذهان الجميع، ومن الصعب حسمها، فطالما ظلت الأوضاع كما هي بالنسبة للدولة الثالثة من حيث الاحتياطيات النفطية في العالم، فإن الأسواق ستظل قلقة وتسير على وقع التطورات.
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.