القاهرة، مصر (CNN)-- بدأ عدد من المتهمين الأجانب فيما يُعرف بقضية "التمويل الأجنبي للجمعيات" في مغادرة مصر مساء الخميس، بعد قرار النائب العام، المستشار عبد المجيد محمود، برفع أسمائهم من قوائم الممنوعين من السفر، لإسدال الستار على القضية، التي أثارت توتراً حاداً في العلاقات بين مصر والولايات المتحدة.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية، اللواء مروان مصطفى، لـCNN الخميس، إن مجموعة من الأمريكيين والبريطانيين، كانوا ضمن 43 متهماً في القضية، منهم 19 أمريكياً، سيغادرون مطار القاهرة "قريباً"، مشيراً إلى أن "طائرة عسكرية" هبطت في المطار في وقت سابق، لإعادتهم إلى بلدانهم.
وكانت مصادر قضائية ومسؤولون في وزارة الخارجية المصرية قد كشفوا، في وقت سابق الخميس، عن "الأسباب الحقيقية" لتسوية قضية "التمويل الأجنبي للجمعيات"، على ضوء التطورات المثيرة التي شهدتها القضية، خلال الساعات القليلة الماضية.
وأكد رئيس محكمة استئناف القاهرة، المستشار عبد المعز إبراهيم، أن إخلاء سبيل المتهمين في القضية، بضمان مالي قدره مليوني جنيه، أي حوالي 330 ألف دولار، لكل منهم، جاء على اعتبار أن الوقائع المتهمين فيها تمثل "جنحة"، وليست "جناية"، وأن العقوبات المحتملة بحقهم لا تتعدى الغرامة المالية.
وقال المسؤول القضائي، في تصريحات للتلفزيون المصري الخميس، إن المتهمين قاموا بتسديد الكفالات المقررة، التزاماً بأحكام القانون، مشيراً إلى أنه سيتم السبت المقبل، تحديد جلسة جديدة لاستئناف نظر القضية، التي أثارت توتراً حاداً في العلاقات بين مصر والولايات المتحدة.
وأضاف إبراهيم، بحسب ما أورد موقع "أخبار مصر"، نقلاً عن وكالة أنباء الشرق الأوسط، أن المتهمين قدموا طلبات إلى المحكمة لإخلاء سبيلهم، وتم إحالتها إلى محكمة الجنايات، والتي رأت أن التهم المنسوبة للمتهمين بالانضمام إلى جمعيات تعمل بدون ترخيص، تعتبر "جنحة"، وليست "جناية."
كما كشف رئيس محكمة استئناف القاهرة عن أنه شخصياً من طلب من المستشار محمد شكري، رئيس الدائرة التي كانت تنظر القضية بمحكمة جنايات شمال القاهرة، "التنحي" عن نظر القضية، نظراً لأن أحد أبنائه، يعمل محامياً في مكتب للاستشارات القانونية، له علاقة بالسفارة الأمريكية.
وكانت تقارير رسمية قد ذكرت، في وقت سابق الأربعاء، أن المستشار شكري تقدم بمذكرة إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة، أثبت فيها تنحي هيئة المحكمة بالكامل عن استكمال نظر القضية، بداعي "استشعار الحرج"، دون أن تورد مزيداً من التفاصيل.
وفي تصريحاته للتلفزيون الرسمي الخميس، قال المستشار عبد المعز إبراهيم إن القضية تختص بها دائرة جنايات "قصر النيل"، إلا أنه تم إسنادها إلى الدائرة التي تعمل في شهر فبراير/ شباط، وهي "دائرة عين شمس"، برئاسة المستشار محمد شكري.
وتابع رئس محكمة الاستئناف قائلاً: "لكن المستشار شكري لم يفصل في القضية على وجه السرعة، وأجلها إلى 26 أبريل/ نيسان المقبل، مما سيؤدى إلى عدم الفصل في القضية خلال العام الحالي، لأن السنة القضائية تنتهي في 30 يونيو/ حزيران."
وفور إعلان قرار رفع أسماء المتهمين من قوائم الممنوعين من السفر، تقدم عدد من أعضاء مجلس الشعب بطلبات عاجلة لاستجواب رئيس الحكومة الانتقالية، كمال الجنزوري، ووزير العدل، المستشار عادل عبد الحميد، عما أسموه "جريمة" رفع الحظر عن هؤلاء المتهمين.
وقال وكيل المجلس، محمد عبد العليم داوود، إن "هناك تصريحات للسفيرة الأمريكية نشرتها الصحف، لمسئولين حول إمكانية إنهاء مشكلة هؤلاء الأمريكيين، الأمر الذي يعد إرهاباً وتدخلاً في أعمال السلطة القضائية، ويؤكد استمرار الضغوط الأمريكية على صانعي القرار في مصر."
كما قال النائب مصطفى بكري إن لديه معلومات تفيد بأن هيئة المحكمة، التي تنحت عن نظر القضية، "تعرضت لضغوط من جهة ما، بهدف تسهيل سفر المتهمين الأجانب"، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية.
أما رئيس حزب "الوفد"، الدكتور سيد البدوي، فقد استنكر قرار رفع حظر السفر وإخلاء سبيل المتهمين في قضية التمويل الأجنبي، وذكر أن "الولايات المتحدة استطاعت أن تعرف وتحدد خطواتها، وتمارس ضغوطها، لأنها حصنت نفسها، عبر سنوات طوال، بقوة قانونها، حتى مارسته وفرضته خارج حدودها."
وأشاد البدوي، في بيان أصدره الحزب الخميس، بموقف القاضي المتنحي عن نظر القضية، وقال إن هذا الموقف "أثبت مجدداً أن في مصر قضاة لا يخضعون أو يقبلون الابتزاز أو الإملاءات، أياً كان مبررها، إلا أن العودة لنفس الحيل القديمة، هي ما يجعل دولاً كالولايات المتحدة، تشكك وتبتز وتضغط."
من جانبه، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية، عمرو رشدي، أن تكون الوزارة قد تدخلت بأي شكل من الأشكال في القضية، قد يكون وراء قرار النائب العام، المستشار عبد المجيد محمود، بإلغاء حظر سفر 16 أمريكياً من المتهمين في القضية، والذي جاء بعد ساعات على تنحي هيئة المحكمة.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن رشدي قوله إن قضية التمويل الأجنبي للمنظمات المدنية في مصر، مثلها مثل أي قضية أخرى مطروحة أمام القضاء المصري، مشيراً إلى أنه "ليس من صلاحية وزارة الخارجية، باعتبارها تنتمي للسلطة التنفيذية، التدخل بأي صورة، ولو بالتعليق، على قضية مطروحة أمام السلطة القضائية."
وحول المقارنة بين دور الخارجية المصرية ونظيرتها الأمريكية في إدارة القضية، قال رشدي إنه "من الطبيعي أن تهتم وزارة الخارجية الأمريكية بالقضية، باعتبارها تخص مواطنين أمريكيين في الخارج.. وهو ما تقوم به وزارة الخارجية المصرية، عندما يكون هناك مواطنون مصريون متهمون في قضية خارج مصر."
وكان وزير الخارجية، محمد عمرو، قد شدد، مع بداية الأزمة مع الولايات المتحدة، على أن موقف الدبلوماسية المصرية من القضية يتلخص في "ضرورة احترام الجميع لاستقلالية القضاء المصري."
كما أكد عمرو، خلال لقائه مع نظيرته الأمريكية هيلاري كلينتون، خلال مؤتمر ميونخ للأمن بألمانيا، على ضرورة إتباع جميع المنظمات العاملة في مصر، أياً كانت جنسيتها، للقانون المصري، فيما يتعلق بإجراءات التسجيل وممارستها لأنشطتها.