جورجيا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- في مشهد يتصاعد فيه الدخان الأسود بكثافة من كتل النار التي تحجب عين الشمس، تهرع أم مع طفل رضيع إلى الاحتماء في الطابق السفلي من وابل الصواريخ وقذائف الدبابات.
وفي مشهد آخر، تحطم القذائف التي تطلقها القوات الحكومية جدار أحد المنازل، كان يستخدم كمركز غير رسمي لوسائل الإعلام في مدينة حمص، التي كانت محور الاحتجاجات المعادية لنظام بشار الأسد، هذا الأخير الذي حاول إسكات المدينة بالقوة.
ويظهر رعب دائم من هجوم شامل من قبل الجيش السوري بشكل واضح في الحياة اليومية لسكان حمص، من خلال فيلم وثائقي تبثه شبكة CNN في نهاية هذا الأسبوع.
فمع مساعدة من الناشطين المحليين، تم تهريب طاقم CNN إلى حمص، والانتقال من منزل إلى منزل، حيث واصل الجيش السوري إطلاق الصواريخ وقذائف الدبابات.
وحتى مراسلة شبكة CNN أروى دامون، بخبرتها الواسعة في تقديم التقارير من مناطق الحرب، كان لديها تحفظات على المخاطر التي ترافق العمل، إذ تقول "لقد كتبت في الواقع رسالة إلى عائلتي، وذهبت لرؤية بعض الأصدقاء المقربين جداً أيضاً.. من باب الاحتياط."
وقد انضم إلى دامون، نيل هولزوورث، وهو مصور مخضرم عمل في العراق وأفغانستان وإسرائيل، وأيضاً تيم كروكيت، وهو ضابط سابق في القوات الخاصة، رافق الفريق من أجل التعامل مع القضايا الأمنية، وأصبح أيضاً مصوراً فوتوغرافياً.
ومجرد الدخول إلى حمص كان مأزقاً استمر لمدة خمسة أيام، وهو أمر كان ليأخذ في السابق ساعتين بالسيارة.
وتقول دامون: "كان الدخول ينطوي على عملية معقدة، إذ نتحرك عبر الطرق الزراعية، والطرق الخلفية، في محاولة لتجنب الحكومة، ونصل إلى بيوت آمنة مختلفة، وفي كل خطوة وكل توقف.. هناك شخص مختلف مسؤول ليرافقنا في المرحلة المقبلة.. شخص يعرف تفاصيل الوضع على الأرض."
وبالنسبة لآلاف المحاصرين في حي بابا عمرو الشهير، فإن ذلك الطريق كان الشريان الوحيد لحياتهم، وقد وافقت شبكة CNN على إبقاء التفاصيل حوله طي الكتمان.
وتواصل دامون بالقول إن "حمص (تبدو) مهجورة في الغالب، فمعظم المباني أصابها نوع من الضرر.. وبعد ذلك ترى أطفالاً يخرجون رؤوسهم من أحد المداخل في نظرة خاطفة، أو ترى رجلاً يمشي في الشارع يحمل بندقية رشاشة."
وكان القصف الدائم في معظمه على حي بابا عمرو، حيث يتعرض الناس للقتل أو الجرح يومياً، في وجود طبيبين، أحدهما طبيب أسنان، يكافحان ضد الزمن لمساعدة الضحايا، في عيادة مؤقتة دون الكثير مما يلزم.
ويعتقد أن مئات المدنيين لقوا حتفهم في حصار بابا عمرو، كما أن ما يقل عن ثلاثة من النشطاء المتورطين في إخراج تسجيلات الفيديو من بابا عمرو، قد قتلوا أيضاً.
وتتواصل المشاهد في فيلم شبكة CNN الوثائقي، على صوت مآذن المساجد تحذر الناس قبل بدء القصف، من التواجد في الطوابق العليا، ومحاولة البقاء بعيداً عن النوافذ، والعثور على غرف واقية، داخل منازلهم.
وفي أقبية تستخدم كملاجئ، يأمل المدنيون بأن تخطئ القنبلة القادمة بيوتهم وذويهم.. وفي واحدة من هذه المخابئ، التقى طاقم CNN فتاة في سن المراهقة، كانت وضعت مولوداً بالأمس.
كانت ابنتها فاطمة وجه البراءة وسط جحيم حمص، فوالدها لا يعرف أنها ولدت، فقد غادر الملجأ للحصول على إمدادات قبل شهر ولم يعد مرة أخرى، وانضمت قصتها إلى قصص مروعة مماثلة يحملها كل شخص تقريباً في الملجأ الذي ضم نحو 300 شخص.
وبعد أن تحول الوضع إلى ما آل عليه في حمص، كان من الصعب على شبكة CNN إبقاء طاقمها هناك، بسبب خطورة الوضع.
تقول دامون: "من غير العدل أننا نعيش في عالم نذهب فيه لتصوير فيلم، ثم نغادر ونحن نعرف أن الناس الذين تركناهم وراءنا سوف يعانون المزيد.. نشعر أنه كان علينا فعل المزيد لهم.. أو أنه كان بإمكاننا فعل المزيد."