بقلم مختار الخلفاوي- باحث وكاتب تونسي
دبي، الإمارات العربية المتحدة(CNN)-- (ملاحظات المحرر: أعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي الثلاثاء أنّ هوية رئيس الحكومة الجديد في تونس سيعرف السبت. ووفقا لترجيحات من مراقبين فإنّ المرشحين الأبرز للمنصب هما الوزير المخضرم الذي عمل سنوات طويلة مع الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، مؤسس تونس الحديثة، وكذلك نائب رئيس البنك الدولي السابق مصطفى كمال النابلي الذي سبق له أن تقلد مناصب مهمة في الإدارة التونسية إبان حكم بورقيبة فضلا عن شغله مناصب رفيعة في حكومات الرئيس السابق زين العابدين بن علي. الكاتب والباحث التونسي البارز مختار الخلفاوي كتب المدونة التالية بشأن ذلك.)
في إحدى التماعات المجاهد الأكبر(اللقب الذي كان يطلق على الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة) سنة 1972، صرّح قائلا بثقة لا تشوبها شائبة: "لن يكون من السّهل تعويض شخص مثلي. بيني وبين الشعب التونسيّ علاقة عاطفيّة عمرها أربعون عاما من الحياة والمعاناة المشتركة. هذا أمرٌ لن يتوفّر في من سيأتي بعدي !"
بعد سنتيْن فقط، آثر بورقيبة أنْ يشرع في تحقيق هذه النبوءة بنفسه، فاختار أن يستمرّ رئيسا مريضا مدى الحياة منذ مؤتمر الحزب (إضافة من المحرر: الحزب الاشتراكي الدستوري الذي كان قد أسسه منذ عشرينيات القرن الماضي) سنة 1974 . أنْ يكون المجاهد الأكبر رئيسا مدى الحياة فهذا ليس اعترافا له بالجميل فقط، بل لأنّ وجود الزعيم في حدّ ذاته يرقى إلى مستوى المعجزة. معجزة لا تحدث إلاّ مرّة واحدة على مدى القرون. إنّ العباقرة لا يذرعون الطرقات جيئة وذهابا كما كان يقول !
اليوم، يَجِدّ فرقاء الحوار الوطنيّ (في تونس بين الحكومة والمعارضة برعاية أبرز المنظمات التونسية) في البحث عن شخصيّة مستقلّة تعهد إليها مهمّة تشكيل حكومة كفاءات (بعبارة جبهة الإنقاذ وسائر المعارضة والرباعي الراعي للحوار)، أو حكومة انتخابات (بعبارة حركة النهضة وحلفائها في الحكم).
ومن المفارقات أو الموافقات أنّ الأسماء التي يتمّ تداولها إلى حدّ الآن في أغلبها أسماء من وزراء بورقيبة أو من النخب التي أفرزتها تجربة الدولة الوطنيّة منذ استقلال 1956: أحمد المستيري، منصور معلّى، محمّد الناصر، الشاذلي العيّاري.
"انبعاث" هذه الأسماء التي شهد بعضها كالسيّد أحمد المستيري مداولات المجلس القومي التأسيسي الأول (1956 - 1959)، وشارك في حكومات ما قبل الاستقلال وبعده أصاب الكثيرين بخيبة الأمل والإحباط.
تونس التي أنجبت على مدى القرنيْن التاسع عشر والعشرين أجيالا من النخب الفكريّة والسياسيّة بدءا من خير الدين وكوكبة المصلحين الكبار في القرن التاسع عشر مرورا بالنخب الصادقيّة والزيتونيّة في النصف الأوّل من القرن العشرين وصولا إلى النخب الفكريّة والسياسيّة التي أفرزتها تجربة تأسيس الدولة الوطنيّة، ما الذي ألجأها إلى مَن أحوجت الثمانين سمعَه إلى تُرجمان؟ وهل تراها، الآن وهنا، أخفقت في أن تنجب أجيالا جديدة أكثر شبابا وقربا من مشاغل عموم التونسيّين؟
نتذكّر، بُعيد الرابع عشر من يناير/كانون الثاني 2011 أيضا،(اليوم الذي أطيح فيه الرئيس السابق زين العابدين بن علي) حين اُحتيج إلى مرجعيّات، فإذا بها لم تخرج عن زمن بورقيبة (أحمد المستيري، أحمد بن صالح، مصطفى الفيلالي..). ونتذكّر حين ألجأت الضرورة لرجل دولة يقود الحكومة الانتقاليّة، بعد فشل حكومة الغنّوشي، كان زمن بورقيبة، في شخص الباجي قايد السبسي مزيجا أُريد له أن يكون مركّبا من الولع والحاجة!
يبدو، الآن، أنّ الحوار يميل إلى التوافق على شخصيّات من زمن بورقيبة باعتبارها توفّر - إلى حدّ ما - شروط الكفاءة و"النظافة" و"الاستقلاليّة". وهذا يطرح أكثر من سؤال بخصوص النخب الفكريّة والسياسيّة التي وإن تكوّنت في عهد بورقيبة فقد عاصرت أو اشتغلت بدرجة أو بأخرى في دولة خلفه المخلوع زين العابدين بن عليّ.
هل شحّت القريحة ونضبت عن أن تنجب كفاءات شابّة تتوفّر فيها شروط الكفاءة والمصداقيّة والاستقلاليّة تجاه فرقاء الحوار جميعا؟ وأخيرا، أليس من الغبن أنْ يُوهَبَ هذا الشرف شرف قيادة التونسيّين في منعطف 2013 / 2014 إلى انتخابات نزيهة وشفّافة ومراقَبة دوليّا إلى شخصيّات جاوزت الثمانين دقّاقة الرّقاب بعدما نالت حظّها من التشريف والتكليف وزيادة؟
قال بورقيبة مرّة: حيّا أو ميّتا، أشعر أنّي مسؤول عن مصير هذه الأمّة. هذه أطياف بورقيبة، وتلك نبوءاته.
الغنوشي: لم نخرج من الحكم والحل مع السلفيين بالحوار
رأي.. شهران منذ إطاحة مرسي والتأزم يتزايد
تحليل: تونس صدرت ثورتها لمصر فهل تستورد انقلابها الشعبي؟
التونسيون والانتخابات: الهروب من قبضة بن علي إلى "جحيم" الإسلاميين
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.