تونس(CNN)-- قبل ثلاث سنوات يوما بيوم، أضرم الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه وأشعل معها فتيل الاحتجاجات في تونس لتمتد لاحقا إلى جزء كبير من الدول العربية.
واليوم، يرقد البوعزيزي في مقبرة مهملة داخل قرية تعودت الإهمال. تقع المقبرة في قرية سيدي صالح المعروفة أيضا باسم "أولاد البوعزيزي" وتحولت، في فترة ما، إلى مزار يومي يأتي إليه زوار المنطقة والبلاد عموما، وتعوّد المسؤولون الجدد في البلاد زيارتها، لذلك فقد تم وضع علم عملاق بالقرب منها، لكن "هناك من جاء واقتلعه" وفقا للناشط الاجتماعي محمد علي الحامدي.
وأضاف الحامدي، الذي اختار الانتقال إلى تونس العاصمة، قادما من محافظة سيدي بوزيد، التي شهدت انطلاق شرارة الربيع العربي، حتى "يكون قريبا من المحاكم والحكومة للدفاع عن مصالح الشهداء والمعدمين" قائلا "ليست هناك أي جدية من قبل السلطات المحلية للاعتناء بالمقبرة التي غيّر أحد سكانها التاريخ."
وبالقرب من المقبرة يقع منزل مهجور، هو مأوى عائلة البوعزيزي التي غادرته شهورا بعد انتحار ابنها، حيث انتقلت والدته للعيش في ضواحي العاصمة، وانتقلت شقيقته للدراسة في باريس.
شوارع غرب تونس مازالت بعد ثلاث سنوات تعجّ بالاحتجاجات
والآن أصبح تونسيون، من ضمنهم جيران للبوعزيزي، يتداولون رواية مختلفة عن تلك التي انتشرت بشأنه، وينفي البعض منهم أن تكون موظفة المراقبة فادية الحمدي قد صفعته أو اتصلت بالشرطة لمنعه من بيع بضاعته.
ويقول الناشط الاجتماعي المعروف الأمين البوعزيزي، إنّ "ذلك لا يغير شيئا من همّتنا فشوارع المدينة مازالت تحافظ على كل الشعارات التي هتف بها المنتفضون منذ وطيلة الثلاث سنوات التي مضت، لكن كل إداراتها مازالت في قبضة عصابة السراق التي انتفضنا ضدها. 17 ديسمبر 2010، هو نهج الشعوب في التحرر الذاتي للإطاحة بمخططات الإذلال الوطني والاجتماعي، والإطاحة بنهج التحيّز النخبوي والتحديث الكولونيالي والانقلابات العسكرية التوريثية الوضيعة. مــواطنة مـقاومة، لا صلح لا مساومة." (تجدد الاضطرابات بتونس و8 قتلى بسيدي بوزيد).
في طريقه، إلى تونس لمتابعة ملف الشهداء، يمر محمد علي الحامدي بالمحافظة المجاورة القصرين للتنسيق مع عائلات القتلى هناك. ففي مدينة تالة، التابعة لمحافظة القصرين، قتل 22 من المتظاهرين وجرح العشرات بالرصاص. وقضت المحكمة العسكرية بالمؤبد على الرئيس السابق زين العابدين بن علي، والسجن 12 عاما لوزير داخليته والسجن أيضا بمسؤولين أمنيين آخرين.
الرئيس السابق زين العابدين بن علي مرفوقا بزوجته ليلى الطرابلسي وصهره صخر الماطري
لكن تلك الأحكام لم تشف غليل عائلات القتلى الذين مازالوا يطلبون "الحقيقة" عبر لجنة وطنية ترى أنّ القتلى قضوا برصاص "نخبة من القناصة" وليس من قبل قوات مكافحة الشغب مثلما خلصت إلى ذلك المحكمة العسكرية.
لكن الحكومات الثلاث التي أعقبت إطاحة بن علي، تلتزم الصمت حتى أن رئيس الحكومة السابق باجي قايد السبسي قال في مؤتمر صحفي "إذا رأيتم قناصا فآتوني به وسنحاكمه."
ولم تعثر السلطات على جزء من الأرشيف والوثائق الضرورية للمحاكمة، وهو ما يزيد من أسف عائلات القتلى الذين يخشون أن يكون أبناؤهم قد حملوا أسرار مقتلهم معهم إلى المقابر وإلى الأبد.
وأجمعت التقارير المستقلة والحكومية والدولية على أن عدد القتلى بلغ 300، وأكثر من 1000 جريح تم تعويضهم من قبل الحكومة "رغم أنّ هناك شكوكا في صدقية عدد منهم" وفقا للصحفي مجيد عريبي.
ويتداول كثير من التونسيين، الآن وبعد ثلاث سنوات من الانتفاضة، روايات عن هويات من قتلوا وجرحوا حيث يقول البعض إن عددا "واضحا" منهم، وفقا لعريبي، كانوا سكارى وأشخاصا اقتحموا مؤسسات الدولة لنهبها، ولم تكن لهم علاقة بالاحتجاجات الحقيقية. وأضاف عريبي "أعتقد أنّ اختلاط أسماء أولئك النهابين والسكارى بالثوار الحقيقيين لعب دورا في تناقص الدعم الشعبي لمطالب عائلات الضحايا."
وقالت الباحثة حول تونس والجزائر في منظمة هيومن رايتس ووتش آمنة القلالي إنّ "القانون التونسي ليس معززا بكيفية جيدة بشأن كيفية التعامل مع الجرائم الجماعية التي يتم ارتكابها في مثل هذه الظروف. والأحكام الصادرة لاغ توفر صورة واضحة عمّا حدث."
الرئيس المؤقت منصف المرزوقي
غير أن الأمل الآن في قانون العدالة الانتقالية الذي تمت المصادقة عليه في نهاية الأسبوع على عجل، تفاعلا مع نشر رئاسة الجمهورية كتابا يفضح "منظومة الإعلام" زمن بن علي. ووفقا للقانون الجديد، تم إحداث "هيئة الحقيقة والكرامة" التي ستتولى، فيما يشبه ما قام به الزعيم الراحل نلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، معالجة المظالم التي وقت منذ سنة 1955.
ولم تشهد تونس في نهاية الأسبوع المصادقة على ذلك القانون فقط، حيث أنها شهدت حلحلة في أزمتها السياسية بانتهاء الحوار الوطني بين الحكومة والمعارضة بإعلان اختيار وزير الصناعة الحالي مهدي جمعة، 51 سنة، رئيسا للحكومة بدلا من الرئيس الحالي الإسلامي علي العريض.
زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي
ورغم أنّ الاختيار المفاجئ مازال يثير ردود فعل واسعة، إلا أنّه يعطي علامة على أنّ الأمور تتحرك فعلا في البلاد، وفق ما أوضح في بيان رسمي ، راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الحاكمة ، والتي باتت أول حركة ذات مرجعية دينية تتخلى عن الحكم في العالم الإسلامي.
اقرأ أيضا..تونس.. رئيس حكومة جديد أفضل من لا شيء
وتزامن التعيين مع استعدادات البلاد لإحياء الذكرى الثالثة لاندلاع الاحتجاجات في 17 ديسمبر/كانون الثاني، رغم أنه من غير المتوقع أن تشهد مشاركة رسمية من قبل رؤساء البلاد والحكومة والمجلس التأسيسي على خلاف ما جرت عليه العادة في السنتين المقبلتين عندما كانوا يتحولون إلى سيدي بوزيد للإشراف على اجتماع شعبي هناك.
وقال رئيس لجنة مهرجان 17 ديسمبر في سيدي بوزيد، محمد العماري الجلالي في تصريحات إنّه تم إلغاء حفل الافتتاح الرسمي لدواع أمنية، مضيفا أن الرؤساء "الثلاثة لن يشاركوا في المهرجان." وكانت تقارير رجّحت ذلك قبل أيام بالنظر للغضب الذي مازال ينتاب سكان سيدي بوزيد وعدم رضاهم عن أداء الحكومة وقادة البلاد.
وسيكتفي قادة البلاد بالمشاركة في جلسة المجلس التأسيسي في العاصمة إحياء للمناسبة، في الوقت الذي وضعت قوات الأمن نفسها في حالة تأهب لتجمع شعبي تنظمه أحزاب ومنظمات أمام مقر الحكومة.
المتهمون باغتيال الزعيم البارز شكري بلعيد
ودعا تنظيم أنصار الشريعة، الذي حظرته الحكومة متهمة إياه بالوقوف وراء الأعمال الإرهابية في البلاد ومن ضمنها اغتيال معارضين بارزين، وأصدرت بطاقة جلب دولية ضد زعيمها سيف الله بن حسين الملقب بـ"أبو عياض"، التونسيين إلى "المقاومة الشعبية" و"التصدي" لما أسماه "ظلم" الحكومة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية. كما دعت إلى التظاهر الثلاثاء في ساحة القصبة حيث يوجد مقر الحكومة.
اقرأ أيضا..المرزوقي لـCNN: ما يحصل في مصر صدمة والربيع لن يموت بتونس
وأوردت الجماعة في بيان نشرته على موقعها الرسمي في الانترنت "إنه لا بد من المقاومة، ومن صورها أن تكون شعبية بسواعد أبناء هذا الشعب، وعليه فإننا نمد أيادينا لكل يد طاهرة تقف في وجه الظلم". وقالت "ندعم (..) الخروج الشّعبي، المقرر يوم الثلاثاء (..) إلى ساحة القصبة" وسط العاصمة حيث يوجد مقر الحكومة. ودعت "كافة الجهود الشعبية، جماهيرها مفكريها، قياداتها، مثقفيها ، طلابها، وقواها الثورية المتهيكلة لدعم هذا التحرك والتعبئة له لتقول للظالم: إليكَ عنا". ونصحت النساء بعدم المشاركة في التظاهرة قائلة "نهيب بأمهاتنا وأخواتنا وبناتنا بأن يلزمن بيوتهن حرصا على سلامتهن."
لكنّ بيانا باسم وزارة الداخلية أوضح أنّ وزارة الداخلية ستتخذ الإجراءات الأمنيّة الضرورية لتأمين هذه تظاهرة الأحزاب والمنظمات القانونية الثلاثاء في منطقة القصبة بالعاصمة تونس. ودعا الأطراف المنظّمة إلى تحمّل مسؤوليتها في المحافظة على احترام البرنامج المسبق والتوقيت طبقا للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل المتعلقة بالاجتماعات العامة والتظاهرات. لكنه أكد أنّ أنه سيتم "منع مشاركة أي تنظيمات محظورة ورفع لشعاراتها، وكلّ مخالفة لهذه الإجراءات تُعرّض المنظّمين للتتبعات القانونية والتدخل الأمني الفوري في إطار القانون."
عامان على ثورة تونس.. الجيش ينتشر في "بن قردان"
الغنوشي: لمرسي رؤية عميقة للديمقراطية ولست منافسا للقرضاوي
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.