رأي.. "آن الأوان لاقتراض مصر من صندوق النقد ولكن.. "
هذا المقال بقلم عمر الشنيطي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
مرة أخرى تلوح في الأفق إمكانية حصول مصر على قرض من صندوق النقد مع توالي بعثات الصندوق لمصر وتقاريره المختلفة. وكما هو معتاد، يؤيد المصرفيون وأهل البورصة قرض الصندوق ويعتبرونه دليلا على ثقة المؤسسة الدولية في الاقتصاد المصري، بينما يعترض عليه المعارضون لهيمنة المؤسسات الدولية على الدول النامية مستشهدين بالعديد من التجارب الفاشلة للصندوق. ذلك الخلاف ليس جديدا، لكن الجديد هو الوضع العام الحالي الذي يحيط مساعي مصر للحصول على قرض الصندوق.
قد تكون الحكومة الحالية هي الأحرص في الحصول على القرض مقارنة بالحكومات السابقة. فعجز الموازنة، المتوقع أن يسجل 280 مليار جنيه في العام القادم على أفضل تقدير، سيزيد الضغط على مصادر التمويل المحلية سواء الاقتراض المحلي الذي يضغط على القطاع أو توسع البنك المركزي في طباعة النقد لتمويل عجز الموازنة وهو ما يزيد من حدة التضخم. وقد استعانت الحكومة بالمساعدات الخليجية في العامين الماضيين لتمويل عجز الموازنة. لكن مع تراجع الدعم الخليجي، فإن من المنطقي أن تلجأ الحكومة للاقترض الخارجي. وبالفعل شرعت الحكومة في ذلك عن طريق طرح سندات دولارية لتوفير العملة الصعبة وتقليل الضغط على الاقتراض المحلي. ومما لا شك فيه ان إتمام اتفاق مع الصندوق سيعطي شهادة ثقة كبيرة تساعد على التوسع في الاقتراض الخارجي.
أما صندوق النقد فقد عمل جاهدا على إتمام اتفاق مع مصر في فترة 2011-2013 لكن ذلك الجهد لم يكتب له النجاح بسبب الإضطرابات السياسية. كما أن الحكومات المتعاقبة لم تكن مستعدة لإجراء الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة والتي بطبيعة الحال كانت قاسية. لكن على الرغم من ذلك، ظل الصندوق مهتما بوضع الاقتصاد المصري من خلال بعثات متتالية وتقارير عديدة وكذلك المشاركة في المؤتمر الاقتصادي. ولا يبدو ذلك غريبا، فمصر دولة محورية في المنطقة وصندوق النقد يحب أن يلعب دورا في تشكيل سياساتها الاقتصادية ومساعدتها على اجتياز الأزمة الاقتصادية.
فضلاً عن رغبة الطرفين على إتمام الإتفاق، فإن التطورات التي شهدها الاقتصاد في العام الماضي تجعل مصر مؤهلة إلى حد كبير للحصول على قرض الصندوق للأسباب التالية:
أولا: مرت مصر بفترة سياسية وأمنية مضطربة منذ 2011 لكن الوضع الآن يبدو أكثر استقرارا على الرغم من استمرار أحداث العنف والاضطرابات في سيناء. وكان الاقتصاد عرضة للانهيار بعد 30 يونيو إلا أن المساعدات الخليجية السخية أعطته قبلة الحياة حتى خرج من مرحلة الخطر.
ثانيا: شهد الاقتصاد المصري معدلات نمو منخفضة تقارب 2٪ لمدة أربعة أعوام غير أن المساعدات الخليجية وسياسات الحكومة دفعت معدلات النمو للارتفاع حيث يتوقع نمو الاقتصاد في العام الحالي بقرابة 4٪ والعام القادم بقرابة 5٪. وعلى الرغم من المخاوف حول استدامة هذا النمو في ظل تراجع الدعم الخليجي وتباطوء تدفق الاستثمار الأجنبي إلا أن الصورة الكلية للاقتصاد تبدو مطمئنة إلى حد كبير.
ثالثا: تم تعديل التصنيف الائتماني لمصر عدة مرات في العامين الماضيين وأصبحت النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري إيجابية أو مستقرة على أقل تقدير مما يشجع المؤسسات الدولية على اقراض مصر. كما نجحت مصر في الاقتراض من الخارج عن طريق طرح سندات دولارية وتم تغطية الطرح بنجاح مما يعطي انطباعا جيدا عن ثقة المؤسسات العالمية في الاقتصاد المصري.
رابعا: قامت الحكومة برفع أسعار الطاقة ضمن برنامج لتخفيض دعم الطاقة للسيطرة على عجز الموازنة وأوضحت الحكومة استعدادها لرفع أسعار الطاقة مرة أخرى خلال العام الحالي على بعض المنتجات بناء على مستوى أسعار البترول. ولسنوات طويلة ظل ملف دعم الطاقة من المحرم الحديث فيه ولذلك فإن ما حدث يعتبر خطوة جريئة تتماشى مع رؤية صندوق النقد.
خامسا: تتبنى الحكومة برنامج إصلاح اقتصادي تقشفي إلى حد كبير يعمد إلى خفض عجز الموازنة والذي انخفض من 13.8٪ في 2012/2013 ليسجل 12.8٪ في 2013/2014 ومن المتوقع أن يسجل 10.8٪ في العام المالي الحالي ثم لينخفض إلى 9.9٪ في العام القادم. وهذا التطور الإيجابي يطمئن المتابعين على قدرة الحكومة على السيطرة على عجز الموازنة حتى لو على حساب معدلات النمو.
سادسا: دائما ما كان يسود حالة من القلق تجاه الاقتراض الخارجي لكن مؤخرا قامت الحكومة بطرح سندات دولارية بقرابة 1.5 مليار دولار وكذلك أتمت إتفاق في مجال الطاقة يتم تمويله بقروض تصل إلى 9 مليار دولار مما يعني أن الحكومة اقترضت ما يزيد على 10 مليار دولار خارجيا وهو ما يمثل حوالي 25٪ زيادة في الديون الخارجية في بضعة أسابيع ويزيل العائق النفسي أمام الاقتراض من الصندوق.
بناء على ما سبق، فإن الصورة الكلية تكاد تكون مثالية لإتمام إتفاق مع صندوق النقد. ومن المتوقع أن يتم ذلك خلال العام المالي الجديد مع تراجع الدعم الخليجي وحاجة الحكومة لشهادة ثقة دولية ستحسن من الصورة الكلية للاقتصاد وستدفع لتحسين التصنيف الائتماني مرة أخرى وهذا مما لا شك فيه سيفتح الباب للمزيد من الاقتراض الخارجي بشروط وتكلفة جيدة نسيبا. وسيوفر الاقتراض الخارجي عملة صعبة ستساعد البنك المركزي على الحد من الانخفاض السريع في الجنيه.
لكن مثل هذا التوجه لا يخلو من المخاطر. ففي ظل وضع عام كل ما يجري فيه يحدث بشكل عملاق كالمشروعات القومية وصفقات الطاقة الكبرى، فإن الإنفتاح على الاقتراض الخارجي سيؤدي على الأغلب لزيادة كبيرة في الديون الخارجية والتي قد تتضاعف في السنوات القليلة القادمة سواء من خلال قرض الصندوق أو إصدار السندات أو تمويل وكالات ائتمان الصادرات. للوهلة الأولي، سيبدو ذلك تطورا إيجابيا لكن بمرور الوقت ومع التمادي في الاقتراض الخارجي قد تقع مصر في فخ ديون خارجية لا يحمد عقباه. بالاضافة لذلك، فإن اتمام قرض الصندوق مرتبط بإلتزام الحكومة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي والذي يسعى لخفض عجز الموازنة برفع دعم الطاقة والعديد من الإجراءات الصارمة التي تزيد من حدة التضخم وتدهور الأوضاع الإجتماعية المسكوت عنها.