رأي.. سعي الحكومة المصرية لبيع حصص من البنوك العامة كمن يبيع محلاً يعتاش منه كي يسدد ديناً
هذا المقال بقلم صفوت قابل، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرور عن رأي شبكة CNN.
صرّح محافظ البنك المركزى المصري بأنه يتم دراسة طرح حصص من بنوك عامة فى البورصة، ولبيان مدى صحة هذا الاتجاه علينا أولا أن نناقش القضية الأساسية وهى ما هو دور الدولة فى الاقتصاد وهل من الصواب أن تنسحب الدولة من النشاط الاقتصادى تطبيقا للمبادئ الرأسمالية بإفساح المجال للقطاع الخاص، فلقد سارت الدولة على هذا الطريق منذ السبعينيات وكان هدفها أن يزداد حجم القطاع الخاص بالنسبة لمجمل النشاط الاقتصادى وهو ما تحقق من خلال الخصخصة والسماح للقطاع الخاص بالحصول على التوكيلات والاستيراد والتصدير دون قيود، بل وقامت ببيع بنك الإسكندرية وامتلأت السوق المصرفية بعشرات البنوك الخاصة، فهل أدى ذلك إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية أم ما زلنا نعانى من تدهور الاقتصاد وزيادة الديون والمشاكل؟ وهل قام القطاع الخاص بما كان مستهدفا أم استغل تراجع الدولة فى زيادة أرباحه وغرقت الدولة في المشاكل؟
ولقد بدأت الحملة لتبرير ثم تمرير الخصخصة من خلال كتابات لعدد من الكتاب؛ والتى تركز على أننا لكى نتقدم فلنعمل مثل الآخرين الذين تقدموا، وهو قول منقوص فالتقليد ليس فى أن تبيع الدولة قطاعها العام إلى القطاع الخاص ولكن علينا أن نتبع حزمة من الإجراءات وليس البيع فقط بل لابد من الشفافية والقوانين التى تمنع الاحتكار، وأن تكون هناك الأدوات التى تتصدى لزيادة الأسعار دون مبرر اقتصادى وأن يكون هناك توافق على نسب الربح التى يحصل عليها المنتج وباقى حلقات التوزيع ( كما يحدث فى الدول التى يريدون تقليدها)، وأن تكون هناك قواعد عادلة للتوظيف تمنع استغلال العمالة التى تحتاج العمل وليس كما يحدث لدينا من ظروف وساعات عمل غير آدمية وأجر منخفض يجعل العاملين يحاولون الالتحاق بعمل حكومى بأجر قليل ولكنه مضمون.
إننى لا أطالب بدور كبير للدولة فى الاقتصاد بل ألا يقل دورها عما وصلنا إليه، فالدولة لم تعد تستطيع التصدى للكيانات الاحتكارية فى السوق وإذا حدث وقامت بتحويل محتكرين إلى القضاء كما فعلت منذ سنوات مع شركات الأسمنت فإنهم يدفعون الغرامة التى يقررها القانون ثم يعاودون تصرفاتهم الاحتكارية وفرض الأسعار التى يريدونها، بل وصل الأمر أخيرا بالنسبة لارتفاع الأسعار إلى مناشدة أصحاب السلاسل التجارية بعدم زيادة الأسعار وإعطائهم حوافز لذلك فى توفير أراضى فى مناطق متميزة لكى يمارسوا نشاطهم.
***
وإذا عرفنا أن عدد البنوك التجارية العاملة فى القطاع المصرفى أربعين بنكا منهم ثلاث فقط تمتلكهم الحكومة وأن حصة البنوك الحكومية حوالى 35 % من حجم السوق المصرفى، وهو ما يوضح أن حصة الحكومة ليست كبيرة لكى تعمل على التخلى عن جزء منها، فالحكومة تحتاج إلى هذه البنوك لكى تساعدها على توفير احتياجاتها المالية ومن خلالها تستطيع التأثير المباشر على سوق النقد والحصول على تمويل عجز الموازنة بالأسعار التى تحددها، كما أنها تستفيد من أرباح هذه البنوك وهى ليست بالقليلة ولن يعوضها ما ستحصل عليه من ضرائب نتيجة البيع، بل يستطيع البنك المركزى توجيه هذه البنوك لمجالات الإقراض التى تفيد التنمية وليس الإقراض لتمويل شراء السيارات كما تفعل البنوك الخاصة.
إن الحكومة فى سعيها لطرح حصص من البنوك العامة فى البورصة تكون كالشخص الذى يبيع محلا يتعيش من إيراده لكى يسدد دينا ثم يجد نفسه لا يملك ما يسد به رمقه فيضطر إلى محاولة الاقتراض ليعيش بينما يرفض المقرضين لأنه لم يعد لديه ما يملكه، أما القول بأن الحكومة تريد بيع جزء من البنوك لزيادة رأسمال هذه البنوك فمن الواضح أن ذلك مجرد تبرير غير صحيح فلقد قامت هذه البنوك بزيادة لرأسمالها منذ سنوات ولا تحتاج للمزيد وإن كان هذا مطلوبا فلديها من الاحتياطيات ما يمكنها من ذلك دون بيع لجزء من أصولها.
***
على الحكومة قبل الهرولة إلى البيع أن تقوم بدراسة التجربة الماضية فلنا أكثر من أربعين عاما والدولة تعطى المزيد من الامتيازات والخصخصة إلى القطاع الخاص بحيث أصبح هو المسيطر على النسبة الأكبر للنشاط الاقتصادى، فهل قاد الاقتصاد إلى التقدم أم مازلنا نعانى المزيد من المشاكل حيث القطاع الخاص يبحث عن تراكم أرباحه خصما من حقوق الآخرين، ويسعى للحصول على الموارد بأبخس الأثمان عن طريق المزيد من الفساد.
وعلى المروجين للخصخصة أن يطالبوا بوضع قواعد للشفافية تمنع الفساد وقوانين لا يتم التحايل عليها تعاقب الفساد، إضافة لوضع قواعد للعمل تراعى مصالح كل أطراف العملية الإنتاجية. ثم لماذا لا تطرح فكرة فصل الملكية عن الإدارة بحيث تظل الدولة مالكة لما تبقى من قطاع مصرفى أو إنتاجى لكى تستفيد من عوائده فى سنوات تتزايد فيها النفقات ولا تجد إيرادات تكفى لذلك من الضرائب، وخاصة أن المتوقع استمرار عجز الميزانية للأعوام القادمة.
أما القول بأن الهدف هو دعم البورصة فهم أول من يعرف أن ذلك لن يدعمها وأن البورصة تحتاج إلى دراسة لكل مكوناتها لكى تتحول من المقامرة إلى المساهمة فى التمويل. أما إذا كان هذا التوجه لتنفيذ توصيات صندوق النقد الدولى للحصول على القروض فهذا يحتاج إلى مناقشة أخرى.