عدنان يوسف يكتب: حاجة ترامب لإنعاش نظام أمريكا المصرفي.. نظرة عربية
هذا المقال بقلم عدنان أحمد يوسف، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا، والآراء الواردة أدناه تعكس وجهة نظره ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا لإعادة النظر
في قانون الأنظمة المالية الصادر عام 2010 والمعروف باسم دود-فرانك،
والذي يعتبره البعض في وول ستريت شديد التقييد للسوق وذلك
بغية تقليص الضوابط التنظيمية للخدمات المالية في الولايات
المتحدة.
والقانون قدمه الرئيس أوباما عام 2010 كرد فعل معاكس للانهيارات
المصرفية والمالية التي حدثت في العام 2008 في أمريكا وسمي باسم "
قانون دود – فرانك" اقتباسا من اسمي الشخصين اللذين عملا على وضعه.
والغرض من إصدار هذا التشريع المهم - كما تقول إحدى الدراسات -
كان يتمثل في عدة نقاط من أهمها وضع معايير جديدة للشفافية و الإفصاح
ومبدأ تحمل المسؤولية في الشركات، خاصة المسجلة بالبورصات والبنوك
وشركات التأمين، بهدف الحد من المخاطر الكبيرة التي تعصف بها ومن ثم
بالنظام المالي الأمريكي مع العمل على السيطرة علي هذه
المخاطر.
والقانون يوجه هذه المؤسسات المالية الكبيرة لتحمل مسؤولياتها بدلا من ترقب إنقاذ الحكومة لها، كما يجري الحال، مع توفير أسس المراقبة التنظيمية التي تضمن حماية المستهلك من الممارسات المالية والمصرفية والتأمينية الخاطئة. ومسعى القانون هو أن تعتمد الشركات على نفسها عند الضيق و عدم ضخ أموال من أموال دافعي الضرائب، أي عدم تقديم الدعم الحكومي وإلزام الشركات لتحمل نتائج أعمالها.
قد يهمك أيضاً.. أرامكو تختار استشارة مصرف بنيويورك لأكبر طرح بالعالم
عندما صدر القانون آنذاك اعتُبر أنه يمثل سعيا جادا من الحكومة الأمريكية للوصول إلى طريق الاستقرار المالي واستقلاليته، خاصة وأن القانون تضمن تكوين مجلس أعلى، برئاسة وزير الخزينة، من العديد من الوكالات الفدرالية، مع وجود بعض الأعضاء المستقلين من مراقبي البنوك والبورصات و التأمين دون أن يكون لهم حق التصويت. والجهات المكونة للمجلس ذات اختصاص مباشر يمكنها من توجيه الأمور نحو ما يقود إلى الاستقرار المالي وتجنب المخاطر المحتملة. كما أعطى القانون اللجنة العليا الصلاحيات التي تمكنها من القيام بدورها، و كل هذا لمحاولة تجاوز إخفاق مجلس الاحتياطي الأمريكي في مقابلة المخاطر أو التنبوء الصحيح بحدوثها والفشل في فهمها.
كما أعتبر عند قيام الأزمة العالمية عام 2008 أن وجود الشركات الكبيرة كان من المشاكل التي أدت للانهيارات، لأن هذه الشركات وصلت إلى قناعة بأنها "أكبر من الفشل" و فوق الجميع، و لذا فان القانون الجديد أتى بنظرة مختلفة تتضمن أحكاما للحد من سلطات الشركات المالية الكبيرة، خاصة وأن هذه السلطات ساعدت أو قد تساعد في حدوث الخلل الذي قد يقود بدوره إلى الانهيارات. و يركز القانون على تحقيق أعلى درجات حوكمة الشركات و الإدارة الرشيدة الفعالة، ومن ضمنها وضع أسس جديدة لتحديد رواتب ومزايا ومنح أعضاء مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية العليا في الشركات.
و من الأحكام الهامة التي استحدثها قانون دود – فرانك توفير عدة طرق متطورة لتقديم التحذير والإنذار المبكر والتنبيهات المسبقة عن الخلل وكيفية تداركه وفق المعايير التي يضعها المجلس الأعلى، والذي بدوره يقوم برفع تقارير سنوية ودورية للكونغرس لتوفير المزيد من الرقابة (التنفيذية والتشريعية) على هذه القطاعات المهمة، وبما يضمن تطوير الارتقاء بالأداء لحماية المستثمرين و المستهلكين - وقبل كل هذا الخزينة العامة ودافع الضرائب المسكين والمغلوب على أمره. كما نص القانون على تشكيل هيئة حماية المستهلكين وفرض على المصارف الاحتفاظ بنسبة أعلى من رؤوس الأموال لتفادي المديونية المفرطة والخضوع سنويا لاختبارات الملاءة لتقييم صلابتها في حال حصول أزمة.
أيضاً.. بريكسيت ثم ترامب.. والآن إيطاليا تستعد لتغيير العالم
ونحن بطبيعة الحال ننظر إلى قرار الرئيس الأمريكي بإعادة النظر في القانون في إطار خطته التي أعلن عنها لتحفيز الاقتصاد الأمريكي والتي تتمحور حول ثلاثة منطلقات أساسية، هي الخفض الضريبي الذي يستهدف استقطاب حوالي تريليوني دولار أمريكي من الاستثمارات الأمريكية التي ذهبت للخارج لتفادي سقف الضريبة العالي في بلادها بمنحها خفضاً مقداره 10% لمرة واحدة على أمل مساهمة هذه الأموال العائدة في زيادة التوظيفات الاستثمارية وخلق فرص عمل للأمريكيين، إضافة إلى خفض السقف الضريبي العام من 39.6% إلى 33%؛ وحزمة إجراءات تحريرية لحركة رأس المال من الضوابط بما فيها تلك التي أنشأتها المؤسسة الحاكمة، الرئاسية والتشريعية، للتعامل مع الأزمة المالية الاقتصادية لعام 2008، وحزمة التحفيز المالي. وتهدف الخطة أيضا إلى استعادة آليات السوق، وهي لذلك ستقوم بإزالة الضوابط التي اضطرت إدارة أوباما لوضعها، خصوصاً على القطاعين المالي والمصرفي في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، فيما يتعلق بحدود الاتجار في العقارات الممولة بقروض متناسخة تحت مسمى المشتقات، وانفلات أعمال تمويل الاستهلاك ببطاقات الائتمان المصرفية. علماً بأن ما يسمى بالديون العقارية المسمومة هي التي أطلقت شرارة تلك الأزمة.
نحن نفترض هنا أن القانون وبعد نحو ست سنوات من تطبيقه استطاع أن يؤدي وظائفه المطلوبة وفرض توجهات وضوابط معينة استطاع النظام المالي والمصرفي الأمريكي تجاوز العديد من الصعوبات التي كان يواجهها. ولكننا لا نجزم أنه استطاع تجاوز كل الصعوبات. ولعل التوجه لإعادة النظر في القانون المذكور، تماشيا مع تعافي الاقتصاد الأمريكي والعودة لرفع سعر الفائدة، هو بهدف تمكينه من التغلب على صعوبات أخرى يواجهها وخاصة الأصول السامة من جهة وتعزيز دوره في التعافي الاقتصادي من جهة أخرى.