رأي.. الحبتور يكتب لـCNN عن اقتراحات زيادة الضريبة على القيمة المضافة في الإمارات: مَن يده في النار ليس كمَن يده في الماء
هذا المقال بقلم خلف أحمد الحبتور، رجل أعمال إماراتي ورئيس مجلس إدارة مجموعة الحبتور الإماراتية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأيه ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
كان لجائحة "كوفيد 19" تداعيات وخيمة على الأعمال والشركات في مختلف أنحاء العالم. وقد اتخذت الإمارات العربية المتحدة، منذ بدء انتشار الوباء، سلسلة إجراءات للتخفيف من تداعياته على الاقتصاد. وفي هذا الإطار، أُعلِن في عام 2020 عن خطط تحفيز ضخمة تستهدف الشركات والأعمال في البلاد، وقد بلغت قيمتها مئات المليارات من الدراهم واشتملت على إلغاء عدد كبير من الرسوم المفروضة على الخدمات الحكومية، وتقديم حسومات على فواتير التشغيل والانتفاع من الخدمات العامة.
هذه المقاربة هي عين الصواب، لأنه يجب إلغاء مختلف الرسوم الإضافية في أوقات الأزمات، كي لا ترزح الشركات وروّاد الأعمال الذين هم بمثابة الشريان الذي يضخ الحياة في الاقتصاد، تحت عبء الضرائب والضريبة على القيمة المضافة لا سيما وأنهم يعانون الأمرّين بسبب التباطؤ الاقتصادي. فالشركات التي تتكبّد خسائر في الظروف الراهنة يجب أن تتمكّن من اقتطاع هذه الخسائر من مجموع أرباحها عندما تتحسن الأوضاع، ويجب ألا يُثقَل كاهلها بالضرائب.
خلال تنفيذ برنامج التعقيم الوطني في الإمارات، فُرِض الإغلاق العام لبضعة أشهر مع ما ترتب عنه من تداعيات شديدة الوطأة على عدد كبير من الشركات والمشاريع المحلية، فقد اضطُرّ بعضها إلى إغلاق أبوابه نهائياً فيما عمدت أخرى إلى خفض حجم عملياتها أو أعداد موظفيها كي تتمكن من الاستمرار.
في الأزمنة العادية، تُستخدَم الضريبة على القيمة المضافة (VAT) بمثابة أداة أساسية لتعزيز النشاط الاقتصادي والحفاظ على دوران عجلة الأسواق من خلال نقل الضريبة الاستهلاكية في كل مرحلة من مراحل سلسلة التوريد من الإنتاج إلى المستهلك. صحيحٌ أنني لا أحبّذ من حيث المبدأ ضريبة القيمة المضافة، لكنها "شرٌّ لا بد منه" إذا صح التعبير، وذلك للأسباب الآنفة الذكر.
ولكن في فترات التباطؤ الاقتصادي، تعمد البلدان المتقدّمة ذات الهيكليات الاقتصادية السليمة إلى إصلاح نظام الضريبة على القيمة المضافة من خلال خفضها أو إلغائها، أقلّه بصورة مؤقتة. وهذه الإجراءات هي من الوسائل الأساسية التي تستطيع الحكومات الاستعانة بها لدعم القطاعات الاقتصادية المختلفة ومساعدة الأعمال على استعادة نشاطها بصورة طبيعية إلى حين السيطرة تماماً على الوباء.
من شأن اتخاذ تدابير مؤقتة لخفض الضريبة على القيمة المضافة، أقله لمدة تتراوح من بضعة أشهر وصولاً إلى عام أو أكثر، أن يساهم إلى حد كبير في تحفيز الطلب الاستهلاكي، لا سيما عند تطبيق هذه التدابير في قطاعات محددة مثل المواد الغذائية والفنادق والمطاعم والسياحة. وهذا الإجراء المؤقت يمكن تطبيقه بسهولة وسرعة.
سوف يبثّ ذلك جرعة زخم في الاقتصاد في المدى القصير بحيث يتيح للمستهلك، من خلال عدم تسديده الضريبة على القيمة المضافة، الاحتفاظ بقدر أكبر من الدخل القابل للإنفاق، وبالتالي استخدامه في الاستهلاك بما يُحفّز الحركة الاقتصادية. وهذا ما يُعرَف بـ"الأثر على الدخل"، ومن مفاعيله الإيجابية أنه يشجّع المستهلك على شراء الأغراض التي يرغب في الحصول عليها بدلاً من تأجيل شرائها في إطار ما يُعرَف بـ"أثر الاستبدال"، وذلك لأنه يُفيد من تدنّي أسعارها بصورة مؤقتة.
ويتضافر الأثر على الدخل وأثر الاستبدال معاً لتوليد تأثير مضاعَف، بحيث إن الأشخاص يتجهون إلى إنفاق المزيد وشراء كميات أكبر من السلع، ما يقود مباشرةً إلى زيادة الطلب على المنتجات أو الخدمات التي تُقدّمها الشركات، وهذا بدوره يؤدّي إلى استحداث مزيد من الوظائف وزيادة المداخيل والأرباح، وبالتالي إلى تحفيز الإنفاق وتوليد دورة إيجابية ومثمرة. ومن الواضح تماماً أن ذلك يتيح تحقيق فوائد جمة في ظل الأوضاع الراهنة حيث يحاول سوق العمل التعافي بعد الأزمات والإخفاقات التي طبعت عام 2020.
من شأن خفض الضريبة على القيمة المضافة أو إلغائها بصورة مؤقتة أن يحقق نتائج فعّالة، لا سيما حين تتمكّن الشركات من تلبية الطلب الإضافي على منتجاتها وخدماتها والذي يحفّزه انخفاض الأسعار. وقد شهدنا في أماكن كثيرة حول العالم، ومنها دبي ولندن، أن المستهلكين أقبلوا على التسوّق والشراء بعد إنهاء الإغلاق العام أو رفع الإجراءات التي تُقيّد حركة الأشخاص، وكأننا أمام حالة من التهافت على "الشراء الانتقامي" للتعويض عما يعتبرونه فقداناً للسيطرة على خياراتهم الاستهلاكية وعاداتهم التسوّقية خلال مرحلة الحجر والإغلاق. في هذا الصدد، سوف يساهم خفض الضريبة على القيمة المضافة مقروناً بخطط التحفيز المطبَّقة راهناً في تحقيق نتائج ممتازة مما يساعد على تعزيز الاقتصاد الذي يعاني من تداعيات الوباء.
ولكن ينبغي على الحكومات التحرك سريعاً للنظر في خفض الضريبة على القيمة المضافة أو إلغائها. فالتوقيت مهمٌ كي يتسنّى تطبيق هذه الخفوضات لفترة كافية قبل أن يُعاد العمل بالمستويات السابقة للضريبة على القيمة المضافة بحيث يتزامن ذلك مع الانتعاش الطبيعي في الدورة الاقتصادية.
خلافاً لأشكال أخرى من التحفيز، يمكن تطبيق هذه الخفوضات على نحو سريع، ويمكن استخدامها للمساهمة في زيادة الطلب على المنتجات والخدمات بعد تخفيف قيود التباعد الاجتماعي وغيرها من الإجراءات أو إلغائها في مرحلة ما في المستقبل. تكشف معطيات وأدلّة سابقة أن خفض الضريبة على القيمة المضافة أو إلغاءها ساهم فعلاً في إعادة الإنفاق الاستهلاكي إلى حالته الطبيعية. الجدير بالذكر أنه خلال أزمة 2008-2009 التي طالت بتداعياتها العالم بأسره، ساهم هذا الإجراء في تصحيح الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق في قطاع التجزئة في بعض البلدان. وقد ورد في تقرير صادر عن معهد الدراسات المالية بعنوان "التأثير التحفيزي لخفض الضريبة على القيمة المضافة بصورة مؤقتة في المملكة المتحدة في عام 2008" أن خفض الضريبة على القيمة المضافة من ديسمبر 2008 إلى ديسمبر 2009 أدّى إلى تراجع كبير في الأسعار الاستهلاكية ونجح في تعزيز إقبال المستهلكين على الشراء وارتفاع نسبة المشتريات في قطاع التجزئة.
إذا كانت المملكة المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وهي من الأسواق الأكثر ثراء وتصنيعاً وتطوّراً في العالم، قادرة على تحقيق الازدهار من خلال اعتماد سياسة خفض الضريبة على القيمة المضافة، يجدر بالدول الأخرى ومنها الإمارات أن تحذو حذوها وتعتمد هذه الأساليب المجرَّبة والموثوقة من أجل تحسين اقتصاداتها.
انطلاقاً من ذلك، فإنّ التخفيف من وطأة الأعباء المالية التي تواجهها راهناً الشركات والمستهلكون النهائيون سوف يؤدّي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية على المدى الطويل. قد يزعم بعض خبراء الأسواق أن المطلوب هو زيادة الضريبة على القيمة المضافة من أجل تعزيز الاقتصاد. ولكن، كما يقول المثل العربي، "مَن يده في النار ليس كمَن يده في الماء". وفي الاقتصاد الحقيقي، مَن يعملون على الأرض، أي الأشخاص الذين يتولون إدارة الشركات وتشغيلها بصورة يومية أو "مَن يدهم في النار" بحسب المثل، لديهم رأي مغاير بشأن الضريبة على القيمة المضافة التي يجب خفضها أو إلغاءها في أوقات الأزمات، كي لا يتحمّلوا أعباء كبيرة ويُضطروا إلى تقاسمها مع المستهلكين، ما يتسبب بشل القدرة الاستهلاكية ويدفع باتجاه الركود.
اعتمدت الإمارات إجراءات أخرى العام الماضي لتأمين المساعدات المالية، مثل خطة الدعم الاقتصادي الاستهدافي التي تُعفي مؤقتًا جميع الشركات التي تأثرت بتداعيات الوباء من سداد فوائد القروض المستحقة؛ وصندوق الـ100 مليار درهم التي وُزِّعت على المصارف من دون فوائد. وقد أصدر مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي تعميماً طلب فيه من المصارف استخدام هذه الأموال من أجل إعفاء الشركات والأفراد مؤقتًا من سداد القروض عن طريق إرجاء آجال الاستحقاق وتمديد العمل بالتسهيلات المطبَّقة، وقد كانت هذه التدابير مفيدة جدًا للقطاع الخاص. ومن الخطوات الأخرى تجميد رسوم الأسواق، وخفض فواتير المرافق العامة وغيرها من الرسوم، وتعليق رسوم التسجيل فضلًا عن إعفاءات أخرى كثيرة، ليصل إجمالي حزم التحفيز في الإمارات إلى 395 مليار درهم. وقد أظهر تطبيق هذه التدابير في الوقت المناسب جهوزية الإمارات وحرصها الشديد على حفاظ الشركات على عافيتها في أوقات الأزمات.
في الغرب، نفّذت بلدان كثيرة برامج دعم سخيّة، فقد أقدمت الحكومة في كل من النمسا والمجر مثلًا على سداد رواتب موظفي الشركات، ودفعت أيضًا جزءًا من الإيرادات المتوقّعة للشركات التي طالتها تداعيات الجائحة. واتخذت النمسا إجراءات لدعم القطاعات التي تكبّدت أضرارًا شديدة بسبب الوباء، مثل السياحة. وخُصِّصت رزمة قروض بقيمة 100 مليون يورو لدعم الفنادق التي عانت من تراجع في مبيعاتها بنسبة تفوق 15 في المئة. وأخذت الحكومة المجرية على عاتقها سداد 70 في المئة من الرواتب المستحقة لموظفي القطاع الخاص. ودفعت الدولة للفنادق 80 في المئة من قيمة الحجوزات لشهرَي أكتوبر ونوفمبر 2020، شرط الاحتفاظ بجميع الموظفين وعدم تسريحهم. وتولّت الدولة تغطية نصف رواتب الموظفين في المطاعم والمنشآت الترفيهية.
وقد سمحت الحكومة البريطانية بتأجيل سداد دفعات الضريبة على القيمة المضافة المستحقّة بين 20 مارس و30 يونيو بحسب رغبة المكلَّف، على أن تُسدَّد المبالغ في مهلة أقصاها 31 مارس 2021. وفي إطار إجراءات التحفيز الاقتصادي، أطلقت الحكومة خطة القروض المخصصة للشركات التي تأثرت بالجائحة (Coronavirus Business Interruption Loan Scheme)، ما أتاح للشركات البريطانية اقتراض مبالغ محددة بحسب حجم مبيعاتها لمدة 12 شهرًا من دون فائدة، مع كفالة حكومية للمصرف الدائن قدرها 80 في المئة من قيمة كل قرض، إضافةً إلى تغطية كلفة الفوائد خلال الأشهر الاثنَي عشر الأولى. كذلك سدّدت الحكومة البريطانية رواتب الموظفين الذين لم يتمكّنوا من العمل بسبب الجائحة، وفي هذا الإطار دفعت مبلغًا يصل إلى 80 في المئة من قيمة الراتب في حال احتفاظ صاحب العمل بالموظف، وغطّت الرواتب حتى مبلغ 2500 جنيه في الشهر. وقد ساهمت هذه التدابير الجذرية في حماية ملايين الأشخاص من التسريح من عملهم بسبب الأزمة.
وأبقت الولايات المتحدة على سياسة سداد شيكات بطالة شهرية للعاطلين عن العمل. قد لا تكون هذه الإجراءات عملية في البلدان التي لا تفرض ضريبة على الدخل، إلا أنه لا يزال بإمكان الحكومات أن تساهم في دعم اقتصاداتها المحلية والقطاع الخاص من خلال إلغاء العبء الذي تتحمّله الشركات والمستهلكون النهائيون بسبب الضريبة على المبيعات أو الضريبة على القيمة المضافة. ختاماً، إن كان من عبرة تعلّمناها من الجائحة، فهي أنه يجب علينا جميعاً أن نتكاتف ونعمل يداً بيد في سبيل إيجاد حل للخروج من هذه الأزمات.