امرأة تقوم بعدة وظائف دون أي أجر.. ليقول لها أحدهم: "وانتي وراكي ايه؟"
هذا المقال بقلم مي بابكر، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر كاتبتها، ولا تعكس بالضرورة وجهة رأي CNN.
"المهنة: ربة منزل." عبارة نراها على جوازات السفر والاستمارات، نسمعها في جلسات التعارف، وتستخدمها ملايين النساء العربيات عند سؤالهن عن عملهن معتقدات أن حالتهن كربّات بيوت لا يعملن خارج منازلهن يعني في الحقيقة أنهن بلا وظيفة.
فهذا الدور، "ربة منزل" أو "ست بيت" غير مدرج ضمن قائمة المهن المتعارف عليها، ولا يدر دخلاً، ولا يتطلب دفع ضرائب، ولا يساهم في الناتج القومي. ولكنه مازال عملاً، هو عمل أكثر من فرد في الحقيقة. ففي البيوت التي لا تعيش فيها "ربة منزل"، نجد عاملات أو عمال النظافة، الطاهي أو الطاهية، المربية، وأحياناً السائق والمدرس أو المُدرسة الخصوصيين. يعملون جميعاً مقابل أجر، ولديهم أموال يستطيعون التصرف فيها بشيء من الحرية، كما أن بإمكانهم الاستقالة في أي وقت. ربة المنزل أمرأة عاملة لها وظائف تعادل هؤلاء جميعاً، فقط هي وظائف غير مدفوعة الأجر ولا يحميها قانون العمل ولا تترجم لتحسن في المستوي الاقتصادي للأسرة أو الدولة.
ولسنا هنا بصدد المطالبة بأن يتم تعويض ربات البيوت مادياً عن العمل في منازلهن، كل ما في الأمر أنه ليس من العدل أن ينظر لدورهن في الحياة أنه بلا قيمة اقتصادية وأن يتم التقليل من هذا الدور علي المستوي الاجتماعي. كم من نسائنا العربيات سمعن أسطوانة: "وانتي وراكي ايه؟"، "مانتي قاعدة مرتاحة في البيت طول النهار"، بينما الحقيقة أنها تؤدي عشرات الوظائف في ذات الوقت دون راحة.
قد يهمك أيضاً.. 6 سيدات أعمال من الأكثر نفوذاً في العالم العربي.. تعرف إليهن
فلا يتخيل مرددو تلك الأسطوانات الحجم الاقتصادي الفعلي للعمل الذي تقوم به المرأة في المنزل. طبقاً لتقرير للأمم المتحدة عام 2013، يساوي عمل المرأة غير مدفوع الأجر في المنزل بحساب الساعات وتقدير تكلفة المهام التي تقوم بها في سوق العمل الخارجي ما يساوي 10-39% من الناتج المحلي الإجمالي للدول. إذا طبقنا هذا الرقم الهائل علي بعض دولنا العربية سنجد نتائجاً مذهلة. ففي مصر مثلاً، قدر البنك الدولي الناتج المحلي الاجمالي لعام 2014 ب285.5 مليار دولار. 10% -وهو الحد الأدني- من تلك القيمة يساوي 28.5 مليار دولار.
كما أن إنشغال المرأة بالكامل في العمل غير مدفوع الأجر داخل المنزل فرصة اقتصادية ضائعة لنفسها ولأسرتها واقتصاد دولتها. فتحقيق المساواة بين النساء والرجال في المشاركة في سوق العمل يضيف 13 تريليون دولار للناتج الإجمالي العالمي بحسب دراسة صادرة عن معهد مكنزي العالمي في عام 2015 وأفادت دراسة صادرة عن مؤسسة المرأة الجديدة في مصر عام 2015 أنه لو قضت المرأة وقتها في عمل مدفوع الأجر خارج المنزل، سيرتفع الناتج المحلي الإجمالي للدولة بما يزيد عن الـ30% بالقياس علي موازنة 2012- ما يكفي نظرياً لسد عجز الموانة بالكامل بل ويفيض أيضاً!
تزداد المشكلة تعقيداً عندما نصل للمرأة التي تعمل خارج وداخل المنزل في دوام لا ينقطع. فبحسب دراسة مؤسسة المرأة الجديدة، تقضي المرأة المصرية العاملة 68 ساعة أسبوعياً بين العمل داخل وخارج المنزل في مقابل 53 ساعة للرجال. ويرجع ذلك بالأساس للتنشئة الاجتماعية وطريقة تربيتنا لأبنائنا وبناتنا. فعندما نبدأ تحميل الفتيات الصغيرات مسؤوليات الطهي والتنظيف و"خدمة" إخوانهم الذكور، نرسخ بذلك لمجتمع ينظر لتلك المهام باعتبارها تخصصات نسائية بحتة لا يجب أن يشارك فيها الرجال. فتكون النتيجة الطبيعية أن تعود المرأة العاملة من عملها خارج المنزل الذي قد لا يقل صعوبة عن عمل زوجها لتمارس هي بمفردها مهام رعاية الأسرة أيضاً دون مساعدة أو مشاركة. النتيجة أيضاً هو شعور المرأة الغير العاملة بالضغط للبقاء في المنزل لتولي "مسؤولياتها" الكثيرة بدلاً من تخصيص بعض من وقتها في ممارسة عمل مدفوع الأجر. ويتفاقم الأمر أحياناً لإشعار ربات البيوت أنهن عبء علي أزواجهن من الناحية الاقتصادية بينما الحقيقة هي أنهن يوفرن علي هذا الزوج الآلاف مما قد يضطر لدفعه لو استبدل مجهودهن بمجهود عمال النظافة، وطهاة الطعام أو المطاعم، والمدرسين الخصوصيين، والمغسلة والمكوجي والمربية والسائق، بل وأحياناً السباك.
كذلك.. ضربة قاضية من سيدة مغربية لرجل تحرّش بها في سوق شعبي
تلك المفاهيم المغلوطة والقوالب الاجتماعية الجاهزة التي نربي عليها أبناءنا يترتب عليها أن يأتي ترتيب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المركز الأخير عالمياً علي مستوي المساواة في عدد الساعات التي يقضيها النساء والرجال في ممارسة أعمال رعاية الأسرة. بينما يبلغ متوسط عدد ما تقضيه النساء في ممارسة تلك المهام إلي ما يقرب من 6 ساعات، يقل متوسط ما يقضيه الرجال في تلك المهام إلي أقل من الساعة الواحدة في اليوم. ولا تخالف تلك النظرة فقط المنطق وأبسط قواعد العدل، بل هي نظرة لها تكلفة اقتصادية عالية وتؤثر بالضرورة علي انتاجية النساء ومساهمتهن في الاقتصاد.
عمل المرأة حق، أولاً وأخيراً، لابد أن ينبع من اختيارات النساء الحرة بعيداً عن ضغط المجتمع سواء في العمل خارج المنزل أو إعطاء الأولوية لرعاية الأسرة. وبينما قد يبدو الحديث عن عمل المرأة للبعض رفاهية، أو أمر ثانوي أقل أهمية من الحديث عن التحديات الاقتصادية الطاحنة التي تعج بها نشرات الأخبار في المنطقة العربية، يبقي الواقع ماثلاً أمامنا وموثقاً بالمئات من الدراسات والدلائل: أن يغسل الرجال أطباقهم هو أقصر الطرق لاقتصاد أفضل!