فيلم "غدوة" .. قصة إنسانية من تونس بتوقيع المخرج ظافر العابدين في تجربة أولى
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- "غدوة" للممثل التونسي ظافر العابدين يكاد يكون من الأفلام القليلة التي تفاجئك، ليس بسبب قصتها، أو موضوعها فقط، وإنما لأنك تكتشف جانبا مختلفا وجديدا لممثل لطالما اعتدنا رؤيته في أطر محددة. في هذا الفيلم، أثبت ظافر العابدين أنه ليس فقط مؤهل للعب دور المخرج والمنتج، وإنما أيضا دور الممثل صاحب القضية والوعي العميق.
يحكي فيلم "غدوة" قصة المحامي، حبيب، الذي قضى حياته في الدفاع عن حقوق الإنسان، والسجناء، والمظلومين في تونس، ولكن تطور الحياة السياسية والاجتماعية بعد الثورة حوّله إلى شخص مختلف، يعاني من واقع كان يحلم أن يعيش فيه بشكل مختلف، ولكن الظروف تمنعه من ذلك.
يبني الفيلم من خلال أحداثه قصة العلاقة التي تربط حبيب بشخصيات أخرى قريبة منه، مثل ابنه، وزوجته السابقة، وجارته، والدولة بصورة عامة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه دائما خلال الأحداث: ما هو الحضن الذي أحاط بحبيب وأشعره بالأمان؟ هل كان ابنه؟ أم وطنه؟ أم كان حبيب نفسه هو الذي يخلق حضنا يشعر من خلاله بالأمان.
وتونس.. تونس الجميلة التي ظهرت في الفيلم مكانا ينقصه الحنان والدفء، فكانت واضحة من خلال الخوف الذي يشعر به الحبيب في زوايا بيته، وخوفه من أن يكون هناك من يلاحقه. بدت واضحة في رحلة الحافلة التي ركز فيها حبيب على تفاصيل حياة الناس، والشارع، والمنازل القديمة، والسيدة التي تساعد ابنتها في ترتيب ملابسها وهي بانتظار حافلة المدرسة. الرحلة القصيرة هذه كانت كفيلة أن تقدم لنا جزءا من معاناة شعب بأكمله في مواجهة كل هذه التفاصيل الصغيرة.
كان إيقاع الفيلم بطيئا في بدايته، وشعرت لوهلة أن ظافر العابدين مع بداية مشاهد الفيلم كان متحفظا بعض الشيء في شخصيته. مع تصاعد الأحداث بدأت أشعر أنه أصبح مرتاحا بشكل أكبر مع حبيب، وأنه قدم لهذه الشخصية المساحة التي تستحقها. إلى جانب ذلك، كانت هناك بعض اللقطات القريبة لملامح حبيب، والتي كنت أتمنى لو رأيت منها لقطات أكثر، حتى لا تكون هناك مساحة باردة بين المشاهد وحبيب.
أكثر الاكتشافات جمالا بالنسبة لي في هذا الفيلم كانت شخصية سعدية، التي قدمتها الممثلة رباب الساريري… ربما لهدوئها وبساطتها، وربما للخيار المتعلق بالاقتراب من تفاصيل وجهها في لقطاتها بالفيلم، فنرى تلك الابتسامة الجميلة التي لم تفرح حبيب فقط، وإنما أسعدت أيضا كل من شاهدها في الفيلم.
لفتني جدا مشهد جلوس حبيب على حافة المبنى مع اقتراب نهاية الفيلم، وكنت أفضل لو كانت هذه هي نهاية الفيلم. نهاية مفتوحة تمنح المشاهد فرصة أن يقرر مصير حبيب. إلا أنه مسار الفيلم عاد ليؤكد أن الأمل موجود حتى وإن صعبت الظروف ولم تكن تسير في صالحنا.
أداء ظافر العابدين في هذا الفيلم ذكرني كثيرا بمسلسل "قيد مجهول"، الذي قدم فيه الممثل السوري عبد المنعم العمايري شخصية مشابهة ولكن بأبعاد مختلفة. وبرغم التشابه بينهما، تمكنا من نقلنا إلى العالم الداخلي لكل منهما بطريقة أخاذة.
كم من المفرح أن تكون ممثلا بارعا، ولكنك أيضا صاحب قضية ووعي بمشاكل بلدك والناس من حولك، فتقرر إنتاج فيلم بهذه القوة وبهذه الشجاعة. أنت لا تتحدى بذلك السلطة التي تكمم الأفواه، ولكنك تتحدى ذلك الصمت الذي يرغم الكثيرين على أن يعيشوا حياتهم مع المذلة والقهر.