رأي: هناك شيء مختلف وراء هذه الاحتجاجات الإيرانية
مقال بقلم تريتا فارسي، وهو مؤلف "فقدان العدو: أوباما وإيران
وانتصار الدبلوماسية"، ورئيس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي. الآراء
الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظره ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
CNN.
نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- في غضون أيام،
انتشرت الاحتجاجات في إيران بسرعة بجميع أنحاء البلاد، بطريقة تركت
الحكومة بحالة صدمة والنقاد في حيرة من أمرهم. بين الأسباب الرئيسية
لهذه الحيرة السائدة كانت الاختلافات بين الحراك الحالي وما حصل عام
2009 من حيث الحجم والقيادة والهدف.
ولكن هناك سبب آخر، وهو أن العناصر الدافعة لهذه الاحتجاجات هي من
شريحة من السكان نادراً ما كانت تجد نفسها ضمن إطار التطورات السياسية
الإيرانية في العقدين الماضيين- وهي تضم أولئك الذين لم يعتقدوا أبداً
أو فقدوا الأمل بفكرة التغيير الحقيقي من خلال الإصلاح.
والتشابه بين الاحتجاجات الحالية وانتفاضة 2009 محدودة جداً، إذ بدأت
المظاهرات الحالية خارج طهران -في مشهد وقم- وسرعان ما انتشرت إلى
المدن الأخرى. وحجمها لا يزال صغيراً نسبياً مقارنة بما لاحظه العالم
بعد انتخابات إيران المزورة عام 2009.
وفي الأيام القليلة الأولى بعد انتخابات 2009، احتج أكثر من مليون شخص في شوارع طهران، على الرغم من شراستها. ونادراً ما تضم الاحتجاجات الحالية أكثر من عدة آلاف تجمعوا في مكان واحد.
ما هي ترسانة إيران العسكرية إن تصدّت للمتظاهرين؟
وكانت أهداف احتجاجات عام 2009، محددة جداً- على الأقل في بدايتها. ووجه المحتجون اتهامات للسلطات بتزوير الانتخابات الرئاسية، وطالب المتظاهرون بإعادة فرز الأصوات. كما كان للاحتجاجات قيادة قوية من مرشحي الرئاسة آنذاك مير حسين موسوي، ومهدي كروبي الذي أعطى الحركة للاحتجاجات المنظمة.
وتظهر الاحتجاجات الحالية على أنها أقل مركزية دون وجود قيادة واضحة بدليل تحول الأهداف الملموس خلال الأيام الأربعة الماضية. ووفقاً للشهود الذين تحدثت إليهم. "بدأت الاحتجاجات في مشهد من قِبل المتشددين الدينيين الذين يسعون للاستفادة من المظالم الاقتصادية المشروعة للسكان، وذلك لتسجيل نقاط ضد حكومة حسن روحاني، التي يعتبرونها معتدلة جداً".
ولكنهم سرعان ما فقدوا السيطرة على الاحتجاجات، لأن الرسالة الاقتصادية لاقت صدى من شريحة أوسع من السكان أكثر مما كان متوقعاً. ويبدو أن الإحباطات بالفساد وانخفاض مستويات المعيشة، أفسحا المجال أمام شعارات سياسية أكثر وضوحاً مثل "الموت للديكتاتور" و"لتسقط الجمهورية الإسلامية"!
الصدمة الأكبر جراء الأحداث كانت من نصيب الإصلاحيين الإيرانيين، فغياب شعارات وهتافات احتجاج قادة الحركة الخضراء مثل موسوي، وكروبي أو الرئيس السابق محمد خاتمي يعطي مصداقة لادعاءاتهم بأنهم ليسوا القوة الدافعة وراء هذه الاحتجاجات. وفي الواقع، لم تظهر أي شخصية إصلاحية كبيرة داعمة للاحتجاجات، بل إن بعض النشطاء تحدثوا ضدهم.
وتبنت عناصر رئيسية في "الحركة الخضراء" تحدثت إليها في إيران وفي المنفى بوضوح مسافة محسوبة من المتظاهرين، على الرغم من تعبيرها عن تعاطفها تجاه مظالم السكان.
وحقيقة أن الإصلاحيين - الذين كانوا في صميم معظم الاحتجاجات الواسعة النطاق في إيران على مدى العقدين الماضيين – هم اليوم خارج إطار قيادة التحركات هو حدث سياسي جديد بحد ذاته.
ومن المحتمل أن يكون بين المتظاهرين بعض مؤيدي الرئيس روحاني الذين خابت آمالهم. ولكن تذكر أن روحاني فاز بإعادة انتخابه بنسبة 57 في المائة من الأصوات (و70 في المائة من مشاركة الناخبين) قبل سبعة أشهر فقط. وهذا يعني أنه من الأرجح ألا يكون أنصاره هم العمود الفقري للاحتجاجات.
وتوحي شعارات التحركات المناهضة للنظام بلا مهاودة، بأنها قد تنتمي إلى شريحة السكان الذين يميلون إلى عدم التصويت، ولا يعتقدون أن النظام يمكن إصلاحه، ولم يشتركوا أبدا أو فقدوا الأمل في فكرة التغيير التدريجي، إضافة إلى أولئك الذين انضموا إلى الاحتجاجات انطلاقا من إحساس اليأس الاقتصادي والإذلال.
على الخريطة.. أين تتركز الاحتجاجات في إيران؟
ولم يلتفت معظم المحللين إلى هذه القطاعات من السكان تحديدا لأنهم لم يكونوا محور التغيير السياسي في إيران في التاريخ الحديث. كما أنه ليس لديهم سجل حافل من القدرة على للاحتجاج بهذا الحجم.
ولأن هذه ظاهرة جديدة على وجه التحديد، فإنه من الصعب أيضا التنبؤ بكيفية تطور الاحتجاجات وكيفية استجابة المتظاهرين للقمع المحتمل من قبل السلطات في الأيام المقبلة. وقد يفسر ذلك أيضا سبب رد فعل الحكومة حتى الآن.
ومن المؤكد أن الحكومة الإيرانية ليست معروفة بافتقارها إلى الوحشية، حيث تم قمع الاحتجاجات في عام 2009، وسجل الناشطون انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان على هواتفهم المحمولة.
فالوحشية التي كانت قادرة عليها - على الأقل حتى الآن - لم يتم حشدها بالكامل. والسؤال هو لماذا؟
هل ذلك لأن حكومة روحاني تحسب أن الاحتجاجات سوف تتعثر من تلقاء نفسها حتى إن استفاد منها للضغط على الإصلاحيين من أجل الحصول على حق تنفيذ المزيد من الإصلاحات؟ أم هل يرجع ذلك إلى أن المتشددين يعرقلون الأمور لإحراج روحاني وإظهار أنه غير قادر على الحفاظ على الأمن؟
أم أنه ببساطة أن الحكومة ككل تسعى إلى معرفة كيفية الرد على هذا الاستياء من السخط من شرائح مجتمعية نادرا ما تولي اهتماما لها؟
أيام من الاحتجاجات، ولا تزال هناك أسئلة أكثر من الإجابات. ومع ذلك، فإن الصورة المسيطرة هي أن المشهد السياسي في إيران يهزه أولئك الذين يسعون إلى التغيير خارج طريق الإصلاح.