مصر.. الحكومة تنتظر مقترحات "الحوار الوطني" بشأن الدعم النقدي.. وخبراء يعلقون
القاهرة، مصر (CNN)-- تنتظر الحكومة المصرية مقترحات وتوصيات منتدى الحوار الوطني عن ملف الدعم النقدي لتضمينها ببرنامج التحول من الدعم العيني إلى النقدي، والمقرر تطبيقه تجريبيا خلال العام المالي المقبل، وفق تصريحات لمسؤولين.
يأتي هذا في وقت عقد منتدى الحوار الوطني أولى اجتماعاته لإعداد جدول الاجتماعات والمشاركين لمناقشة الملف خلال الفترة المقبلة، فيما أكد خبراء أهمية التحول للدعم النقدي شريطة تحديد معايير للمستفيدين من المنظومة، وكذلك معايير لتحديد قيمة الدعم على أن يكون مرنا ويراعي التضخم.
وتقول الحكومة المصرية إن الموازنة العامة تتحمل مبالغ ضخمة مقابل توفير عدد من السلع والخدمات بأسعار أقل من قيمتها الحقيقة من خلال منظومة الدعم العيني.
ويحصل المستفيد من المنظومة على سلع أساسية من خلال منافذ وزارة التموين عبر "بطاقة إلكترونية"، كما يباع الخبز المدعم من المخابز البلدية بسعر 20 قرشا (0.0041 دولار) للرغيف الواحد، كما تتحمل الموازنة فارق تكلفة إنتاج وبيع السولار وبعض أنواع البنزين والكهرباء، بينما يواجه المواطنون موجات متتالية من ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
وتبنت الأكاديمية الوطنية للتدريب في إبريل/نيسان 2022 تنفيذ توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بعقد لقاءات بين كافة أقطاب القوى السياسية والشبابية، ضمن ما يُسمى بـ"الحوار الوطني" بهدف تطوير أجندة أفكار وطنية من قبل القوى السياسية والشبابية المشاركة للتعامل مع "القضايا المُلحة" بشقيها الاقتصادي والسياسي.
وناقش الحوار الوطني، منذ تدشينه، ملفات عدة في المحور الاقتصادي، أبرزها السيطرة على غلاء الأسعار وسبل التحكم في معدلات التضخم، واستراتيجية توفير النقد الأجنبي.
وفي نهاية مايو/أيار الماضي رفعت الحكومة أسعار الخبز المدعم بنسبة 300%، لخفض فاتورة الدعم بالموازنة العامة، وأعلنت عزمها التحول للدعم النقدي على أن يتم طرحه للمناقشة المجتمعية من خلال الحوار الوطني لتحديد معايير مناسبة للتطبيق، وفق تصريحات صحفية لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي.
وبعدها بدأ مجلس أمناء الحوار الوطني، الاثنين، إعداد جدول الجلسات والمشاركين لمناقشة هذا الملف خلال الفترة المقبلة، على أن يشارك في هذه الاجتماعات جميع المعنيين من خبراء ومتخصصين ومؤسسات تنفيذية ومجتمعية، وتكون المناقشات بتجرد وحياد، وأتاح المجلس تلقي كافة المقترحات والتصورات المتعلقة بقضية الدعم وذلك لمدة أسبوعين حتى 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، كما أرسلت الحكومة بياناتها المتعلقة بالدعم من الوزرات المعنية، وفق تصريحات صحفية لعضو مجلس الأمناء، طلعت عبدالقوي.
وتستهدف الحكومة من التحول للدعم النقدي ضمان استدامة وحوكمة منظومة الدعم، من خلال صرف دعم مالي للمستحقين؛ لشراء احتياجاته الفعلية لتحقيق مصلحة المواطن، وإنهاء التجاوزات في المنظومة، لتوجيه الوفر في بناء مدارس ومستشفيات لتحسين الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، وفق تصريحات صحفية سابقة لرئيس الوزراء.
وزاد حجم الإنفاق على الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية بالموازنة العامة من 529 مليار جنيه (11 مليار دولار) خلال السنة المالية الماضية بنسبة 4.5% من الناتج المحلي إلى 635 مليار جنيه (13.1 مليار دولار) خلال موازنة السنة المالية الحالية 2024/2025 تمثل نسبة 7% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق بيانات وزارة المالية.
وأيد رئيس حزب المصريين الأحرار عصام خليل اتجاه الحكومة المصرية لتطبيق الدعم النقدي بدلا من الدعم العيني، لافتا إلى أن الملف يتصدر أولويات البرنامج الاقتصادي للحزب منذ نشأته في 2011.
وذكر خليل أن هناك "إهدار ضخم" لموارد الدولة من منظومة الدعم العيني، سواء نتيجة استفادة عدد كبير من غير المستحقين من المنظومة أو آليات الصرف، مؤكدًا الحاجة إلى تحقيق الانضباط في السوق من خلال القضاء على السوق السوداء لبعض السلع الناتجة عن وجود سعرين لنفس السلعة.
ويصل عدد المستفيدين من منظومة الدعم العيني للخبز 71 مليون مواطن، فيما يصل عدد المستفيدين من منظومة التموين 63 مليون مواطن، حسب تصريحات لرئيس الحكومة.
وأضاف خليل، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، أن المستفيدين من منظومة دعم الخبز والتموين يطالبون بالتحول للدعم النقدي بما يتيح لهم الحرية في شراء احتياجاتهم اليومية من السلع وبجودة عالية، وأن هناك ممارسات خاطئة من بعض المستفيدين من منظومة الخبز بالحصول عليه، واستخدامه كعلف للحيوانات مما يكلف موازنة الدولة أموالًا طائلة من الدعم المخصص للخبز.
غير أنه شدد على ضرورة وضع آليات ومعايير محددة لتطبيق منظومة الدعم النقدي، أبرزها تحديد المستحقين للحصول على الدعم، وتحديد معيار لقيمة الدعم النقدي المنصرف للمستحقين، على أن يكون مرن طبقا لمعدلات التضخم في البلاد، وكذلك يكون مشروط، وتحديد آلية صرفه للمواطنين، كما يجب أن يتم التحول من الدعم العيني إلى النقدي تدريجيًا حتى يتم معالجة كافة التحديات التي تواجه التطبيق.
كما أكد رئيس حزب المصريين الأحرار على ضرورة أن تستمر الدولة في تدبير احتياجات البلاد من استيراد القمح من الخارج، وبيعه في الأسواق بالسعر الحر، دون أن تترك للقطاع الخاص منفردًا مسؤولية استيراد القمح، مستبعدًا تأثر معدل التضخم بتطبيق منظومة الدعم النقدي، والمتوقع أن يستمر هذا المعدل في التراجع حال استقرار التوترات الجيوسياسية بالمنطقة، بحسب خليل.
ووفقا لبيانات رسمية، زادت الحكومة حجم الاحتياطي الاستراتيجي من القمح ليصل إلى 6.1 أشهر، بعد تعاقدها على استيراد كميات ضخمة، معظمها من روسيا، وآخرها شحنة قوامها 430 ألف طن بسعر 235 دولارًا للطن.
وقال أستاذ التمويل والاستثمار، الدكتور مصطفى بدرة، إن منظومة الدعم العيني "تعاني من العديد من الاختلالات تؤثر على زيادة التكلفة المخصص بالموازنة العامة، وفي الوقت نفسه لا تلبي احتياجات المواطنين"، مضيفا أن أبرز هذه الاختلالات عدم صرف الدعم لفئة كبيرة من المستحقين، والهدر من خلال الممارسات الخاطئة لبعض المستفيدين من المنظومة، مما يستوجب على الحكومة إعداد منظومة بديلة للدعم العيني.
وأضاف بدرة، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، أن التحول لمنظومة الدعم النقدي يستوجب على الحكومة إعداد قاعدة بيانات رقمية بالمستفيدين من الدعم، وتحديد معايير قيمة الدعم، على أن يتم تطبيق هذه المنظومة تدريجيا إما بمحافظات محددة أو فئات بعينها لعلاج أي تحديات تواجه التطبيق، قبل تعميم التجربة في كل أنحاء البلاد.
وسبق أن اعترف رئيس الوزراء بحصول شرائح غير مستحقة على الدعم، رغم الخطوات التي تم بذلها في تنقية بطاقات الدعم، ووضع معايير متعددة يتم التنقية على أساسها، لتحديد المُستحق وغير المُستحق، مثل الراتب، وفاتورة استهلاك الكهرباء، واستهلاك الهاتف المحمول، وعدد السيارات لدى الأسرة وموديلها، وفق تصريحات صحفية.
وأشار مصطفى بدرة إلى مراعاة توقيت التحول للدعم النقدي، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية التي تؤثر على الوضع الاقتصادي وتسبب في ارتفاع معدل التضخم، كما يجب مراعاة استمرار الدولة في توفير السلع للمواطنين في الأسواق حتى لا تسبب هذه المنظومة في ارتفاع معدل التضخم.