رأي: شباب مصر أعداء الوطن أم ثروته.. من يوقف لطابور الساخطين؟
هذا المقال بقلم مصطفى النجار، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNNبالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN
"الأخوة والأخوات .. يمثل الشباب تحت سن 25 حوالي نصف مجتمعاتنا العربية ومن المنطق أن يكون الاهتمام بهم وبقضاياهم يوازي هذه النسبة، للشباب آمال وطموحات وقضايا وتحديات وبهم تنهض المجتمعات أو تنهار وعلى يديهم تتحقق الإنجازات أو الإخفاقات، أريد أن نختار شابا أو شابة تحت سن الـ25 ليمثل قضايا الشباب وطموحاتهم، أريده وزيرا معنا في حكومة الامارات، أطلب من جامعاتنا في الدولة ترشيح 3 شباب و3 شابات من كل جامعة ممن تخرج في آخر عامين أو ممن هم في سنواتهم الأخيرة لنختار منهم وزيرا، دولتنا دولة شابة قامت على الشباب ووصلت للمراكز الأولى عالميا بسببهم وهم سر قوتها وسرعتها، وهم الكنز الذي ندخره للأيام القادمة."
هذا ما كتبه محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبى على حسابه على تويتر منذ يومين، لعل أهم ما جاء فيما كتبه هو الاعتراف كحاكم عربى أن الاهتمام بالشباب وتمكينهم لا يناسب حجمهم المتزايد فى بلادنا العربية، كما لفت النظر إلى أن الشباب قد يكونون مصدر الإنجازات أو مصدر الإخفاقات إذا لم يتم استيعابهم واحتواءهم وتوظفيهم فى المسارات الصحيحة لخدمة أوطانهم.
اقرأ: رأي.. "ما بعد الحذف والإضافة.. كيف نضع مناهج ضد التطرف؟"
استدعت هذه الكلمات مشاهد جموع شباب الألتراس وهم يزأرون بالهتاف ضد السلطة بسبب ما يرونه من ضياع الحقوق وإهدار الدماء وإفلات قتلة زملاءهم فى مذبحة استاد بورسعيد وغيرها من الأحداث التى كست وجه مصر بالدماء على مدار السنوات الماضية، استدعت هذه الكلمات صورة الباحث الشاب إسماعيل الاسكندرانى المعتقل منذ شهور بلا تهم مقنعة سوى التعبير عن آرائه كذلك الباحث والإعلامى المهنى المتميز هشام جعفر الذى يتم تجديد حبسه بلا مبرر مقنع لأى شخص يعرف قيمة الرجل وتأثيره الإيجابى على مئات الإعلاميين الذين قام بتدريبهم وتأهليهم بينما يتم اتهامه بهذه التهمة المضحكة بالانتماء لجماعة أسست خلافا لأحكام القانون والدستور الغرض منها تعطيل مؤسسات الدولة ومنعها من ممارسة عملها وتلقي رشوة دولية!، استدعت هذه الكلمات صورة الطبيب طاهر مختار عضو لجنة الحقوق والحريات بنقابة الأطباء الذى تم اعتقاله بتهمة محاولة قلب نظام الحكم لأنه تجرأ على الحديث عن حقوق الرعاية الصحية للمعتقلين السياسيين.
أما الطبيب أحمد سعيد الذى جاء لإجازة من ألمانيا وحمل لافتة تحيى شهداء محمد محمود فى ذكراهم فقد تم الحكم عليه وعلى زملائه بعامين سجن وتم تأييدهم فى الاستئناف بعد أن صدر حكم حبسهم من محكمة جنح عابدين من أول جلسة لتنتهي مراحل التقاضي في القضية خلال أقل من 68 يوما فقط، أما الطفل محمد محمود المعروف بمعتقل الـ"تي شيرت" والمسجون أكثر من عامين فقد تضامن العالم كله مع قضيته ولكن السلطة فى مصر ترى أنه لا يستحق الحرية وأن عامين اعتقال غير كافيين لتأديبه على جريمته الكبرى وهى ارتداء تي شيرت مكتوب عليه ( لا للتعذيب )، أما آية حجازى التى جاءت لتساعد أطفال الشوارع وتعيد تأهيلهم إنسانيا فقد مر عام على حبسها بتهم أيضا غريبة حولتها من ملاك للرحمة الى عدو للوطن، وقبل هؤلاء يقبع أحمد ماهر ومحمد عادل وعلاء عبد الفتاح ورفاقهم فى السجون بسبب قانون معيوب دستوريا يساوى بين المتظاهر السلمى وبين البلطجى والإرهابى!
أيضاً: فهمي هويدي يكتب عن "الثورة المرجوّة" بمصر للانخراط في التاريخ
نسمع من السلطة فى مصر كلاما رائعا ومتكررا عن الشباب ودورهم وأهميتهم وحرص الدولة على رعايتهم لكن الواقع تصدمه أفعال تنافى الأقوال، شباب الألتراس كمثال تتهمهم أبواق السلطة وإعلامييها المقربين أنهم جماعة إرهابية وممولة من الخارج وتتخابر مع جهات خارجية وتطالب بسحقهم جميعا، الشباب المعروف بانتمائه لثورة يناير تطارده دعايات التحريض والاغتيال المعنوى والاتهامات التى لا تقوم على أى أساس سوى الرغبة فى الانتقام منهم وتحجيم تأثيرهم، الحراك الطلابى الأخير تم إجهاضه بعد مسلسل تضييق وتأميم للعمل العام داخل الجامعات بدعوى حمايتها من الارهاب، العمل المدنى والنشاط الأهلى التطوعى صار مقيدا بالهواجس الأمنية غير المنطقية التى تؤسس لدولة الخوف التى تخاف من كل شيء فتسعى لتجميده أو منعه أو اتهامه وتشويهه.
المزيد.. بالفيديو: الذكرى الخامسة للثورة المصرية.. سجون ومظاهرات وإرهاب فما الذي تغير؟
لم تعد القضية إثبات فشل السلطة الحالية أو مكايدتها بممارساتها الخاطئة، لكن القضية الأخطر هى إنقاذ الوطن من تراكم المظالم وزيادة الاحتقان القابل للانفجار فى أي وقت، لا اعتقالات ستمنع الشباب عن التمسك بأفكارهم ولا الممارسات القمعية ستؤدى للاستقرار، من يحاربون الشباب يحاربون المستقبل ويسعون لتقويض آمال المصريين فى حياة كريمة يتوقون إليها، كل يوم يمر على مصر يزيد عدد شبابها ويتضاعف غضبهم وإحباطهم مما يلاقونه من تهميش واستهداف لا يمكن إنكاره، لا نتحدث عن بعض الفاعلين السياسيين أصحاب الخصومة المباشرة مع السلطة فقط بل نتحدث عن أجيال متلاحقة تنضم لطابور الساخطين، إذا كنا بالفعل نعترف بالمشكلة ونقول أن الوطن فى ورطة فما الذى نفعله للخروج من هذه الورطة؟ وكيف نترك نفس المعطيات التي أدت لما وصلنا اليه قائمة دون تغيير؟
ليست معركة حول من يحتكر الحقيقة وصحة الفهم وصواب الرؤية بل معركة لإنقاذ الوطن من مصير مظلم نهرول إليه رغم كل صيحات التحذير التي نسمعها، الشباب ثروة الوطن وليسوا أعداءه، فلننقذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.