ممارسة واحدة تساعدك على تخطّي مخاوفك عند التحدّث أمام الجمهور... ما هي؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يستدعي عمل جيني تشو في مجال المحاماة الكثير من الكلام، وغالبًا ما يضعها في دائرة الضوء. بيد أنّ مشاعر الخوف التي تنتابها جراء التواصل الاجتماعي أنهكتها.
وأستاذة التأمّل الواعي "Mindfulness"، والمؤلفة المشاركة في كتاب "المحامية القلقة: دليل إلى ممارسة قانونية ممتعة ومرضية خلال 8 أسابيع من ممارسة التأمل الواعي والتأمّل"، قالت لـCNN: "أنتقد أدائي باستمرار".
وأضافت: "كنت كلّما دخلت إلى جلسة استماع أشعر باحمرار وجهي وتعرّق كفاي، وأفكّر بأنّ كل المتواجدين في غرفة المحكمة سيلاحظون أنّي قلقة جدًّا وأني سوف أتجمد، وأنسى ما عليّ قوله". وتابعت: "بالطبع، كل هذه الأفكار ستثير مجدّدًا ردات الفعل الفيزيولوجية، ما يعكس تسارعًا في دقات قلبي".
وبعدما تمّ تشخيصها بأنها تعاني من قلق اجتماعي عام 2011، علمت تشو أن الباحثين كانوا يدرسون احتمال مساهمة ممارسات التأمل الواعي، مثل التأمل، في التخفيف من استجابات الخوف لدى الأشخاص الذين يعانون من الحالة عينها.
وبحسب دراسات وُضعت بين عامي 2015 و2020، استخدم بعض الطلاب برامج التأمل الواعي القائمة على تخفيف التوتر، بهدف التقليل من مخاوفهم خلال التقويم الأكاديمي الذي يتداخل مع قدراتهم على الدراسة. واستفاد الأشخاص الذين عانوا من رهاب اجتماعي أو مخاوف مرتبطة بإجهاد ما بعد الصدمة من تدريب التأمل الواعي، وذلك وفق دراسة نُشرت تباعًا عام 2010 و2017.
مخاوف تشو جعلت عالمها محدودًا جدًا وفي محاولة منها لتغيير حياتها، انتسبت إلى برنامج في جامعة ستانفورد الأمريكية للتأمل الواعي الهادف إلى تخفيف التوتر الذي يمتد على 8 أسابيع.
التعاطي مع الخوف من منظور مختلف
وتعلّمت شو كيف تبعد نفسها عن الأفكار المخيفة، وكيف تكون ألطف مع نفسها، وذلك من خلال مشاركتها لمدة ساعتين أسبوعيًّا في صفوف التأمل الواعي، بالإضافة إلى ممارستها التأمل مدة 45 دقيقة يوميًا، والقيام بواجبات منزلية تتحدَى من خلالها المعتقدات الجامدة.
وشرحت تشو ما تشعر به: "يقول لي عقلي أنّ لديكِ جلسة استماع غدًا، وستكونين مريعة خلالها وستخسرين القضية، وإذا خسرتِ سيقاضيكِ وكلاؤك بتهمة سوء التصرّف. وهذا الأمر سيؤدي إلى شطبك من نقابة المحامين، وبالتالي ستصبحين في الشارع". لكنّها بعد خضوعها لتدريب التأمل الواعي صارت "قادرة على مواجهة هذا التفكير، والقول إن هذا مجرد تكييف عقلي. وإنها مجرّد أفكار كوّنها ذهني في مرحلة ما خلال مساري الحياتي، لكن لا يوجد براهين على ذلك".
وهذا لا يعني أنها لم تعد تختبر الخوف والقلق، إلا أنّ استجابتها لهما تغيّرت.
كما حقّق بالغون خضعوا لتدريب على التأمل الواعي لمدة 4 أسابيع من خلال تطبيق "Headspace" على الهاتف الذكي، نتائج مماثلة لتشو. كان لديهم سهولة في التغلّب على ردات الفعل الناجمة عن مخاوفهم، بالمقارنة مع مجموعة مراقبة لم تخضع لتدريب التأمل الواعي، وفقًا لدراسة صغيرة وُضعت عام 2019.
يسمح تطبيق "Headspace" للمشاركين بممارسة تأملات مجّانية موجّهة يوميًا بين 10 و20 دقيقة، ويمنح بيانات الالتزام إلى الباحثين، من دون أن يكون لهذا التطبيق أي مشاركة أخرى في الدراسة، بحسب مؤلفيها.
وقال المؤلف الأول للدراسة يوهانس بيوركستراند، الباحث في علم النفس في جامعة لوند في السويد، إن النتائج تشير إلى أن "التدريب الذهني يبدو أنه يحسن الإبقاء على ذكريات زوال الخوف". بعبارة أخرى، إن إزالة الخوف هو قدرة الدماغ على تكوين وحفظ الذكريات التي تعلّمه بأنه أصبح آمنًا من الموقف الذي كان يخشاه.
كيف يغير التأمل الواعي الذهنيات
ساعدت ممارسة التأمل الواعي، بحسب خبرة تشو المستندة إلى كل هذه الدراسات، إلى إعادة تشكيل الذهنية السلبية لديها أو الحد من توقعها الأسوأ في كل موقف تواجهه.
وقال أسلاك هيلتنس، المؤلف الأول للدراسة لـCNN، إن دورة التأمل الواعي التي امتدّت على 8 أسابيع منحت الطلاب المشاركين فيها هدوءًا، "وجعلتهم يشعرون بمزيد من القبول تجاه أنفسهم وتجاه مشاكل القلق التي يعانون منها". وتابع أنّ "المشاركين لجأوا إلى التأمل الواعي عندما شتّتت مشاعر القلق تركيزهم خلال مواقف الأداء الأكاديمي. ولاحظ بعض المشاركين تحوّلًا تدريجيًا في حياتهم اليومية، حيث اختبروا مشاعر خوف أقل، وأظهروا فضولًا أكبر في دراساتهم الأكاديمية".
وقالت أوريتا صونيا كومار، طالبة دكتوراه في مجال علم النفس السريري في جامعة "موردوخ" الأسترالية، لـCNN، إنّ "التأمل الواعي يمكن أن يساعد الأشخاص الذين ما زالوا يشعرون بالخوف كاستجابة لمواقف معينة، على تقييم هذه التجارب وتعلّم كيفية التعامل معها. وأشارت إلى أنّ الأمر يتعلّق بـ"تنظيم المشاعر، وبالتالي تنظيم السلوك أيضًا، بحيث يدرك الفرد كيف عليه الاستجابة لمحفّز الخوف، خلافًا لردة الفعل التلقائية".
وقال هيلتنس، الأستاذ المساعد في علم النفس السريري في جامعة برغن النرويجية، إنّ مواجهة المخاوف باستمرار من خلال الانتظام بممارسة التأمّل الواعي مهم لكي تأتي بالنتيجة المرجوة.
بعد مرور سنوات عديدة على أول تجربة لتشو مع تدريب التأمل الواعي، ما زالت هذه الممارسة مهمة جدًّا بالنسبة إليها. وقالت: "أدركت حقيقة أنّه في وسع الجميع الإفادة من هذه الأدوات والتقنيات"، لافتة إلى أنها "بدأت بتعليم التأمل الواعي لمحامين آخرين، ثم كتبت بعدها كتاب المحامية القلقة".