كيف يمكن للتأمل أن يغير وظائف الدماغ؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في وقت يبدو ألا نهاية للأحداث المؤلمة، مثل انتشار الأوبئة، قد تكون اليقظة الذهنية أداة للشعور بالقدرة على التحمل خلال فترات عدم اليقين.
وقالت مونيكا فيرماني، اختصاصية نفسية سريرية مقرها في تورنتو الكندية، إنّ "اليقظة الذهنية هي مجموعة من الممارسات التي تهدف إلى مساعدة معظمنا على تنمية الوعي في اللحظة الراهنة".
وأوضحت أن اليقظة الذهنية لا تجعلك على دراية بجسدك فحسب، بل على دراية بمحيطك وعالمك أيضًا.
وأضافت: "إنها تجبرك على الاهتمام بالحياة بدلاً من الانغماس في أفكار مقلقة ومخاوف حول المستقبل".
وليس للتأمل، أي ممارسة اليقظة الذهنية، تعريف عالمي واحد.
ولكن مع تزايد الاهتمام باليقظة الذهنية والتأمل، يمكن تعريفها على أنها "ممارسة للعقل والجسم تركز على العلاقة التفاعلية بين الدماغ والعقل والجسد والسلوك، وتستوجب أربعة عناصر رئيسية هي: مكان هادئ مع قليل من التشويش، ووضعية مريحة، ومحور اهتمام، وموقف منفتح"، وذلك وفق ما توصلت إلى دراسة وضعت عام 2021.
لا يزال العلماء يبحثون عن الأثر الإيجابي لممارسة التأمل على جوانب أخرى من الصحة، مثل مساعدة أجهزة المناعة لدينا على العمل على النحو الأمثل، وتحسين النوم، وخفض الكوليسترول، وتخفيف الألم.
أشارت فيرماني إلى أن ممارسة التأمل تساعد على تحسين الذاكرة والتركيز، وتزيد من المرونة، وتساعدك على إدارة التوتر بشكل أفضل، كما تنعكس إيجابيًا على العلاقات".
وأوضحت أن التمتّع باليقظة وبميل للاستجابة مقابل رد الفعل في العلاقات، يعني أنك ستتوقف وتفكر قبل التفوّه بأي شيء مؤذٍ أو سلبي للطرف المقابل.
أثره على التوتر وطول العمر
وجدت جمعية علم النفس الأمريكية أن ممارسة اليقظة الذهنية تؤثر على مسارين للتوتر في الدماغ، من خلال تغير بنية الدماغ ونشاطه في المناطق التي تنظم الانتباه والعاطفة.
وكان الأشخاص، الذين يمارسون الحد من التوتر والعلاج المعرفي القائمين على اليقظة الذهنية، أقل عرضة لأفكار سلبية أو ردود فعل عاطفية غير مفيدة لدى مواجهتهم مواقف عصيبة، وفقًا لدورية بحثية نشرت عام 2015.
وبالإضافة إلى أي تغييرات هيكلية في الدماغ، يمكن أن تكون هذه الفوائد ناجمة عن العمليات الفيزيائية أيضًا.
فالتأمل قد يساعد بتنظيم الجهاز العصبي اللاإرادي، وهو جزء من نظامنا العصبي المسؤول عن تنظيم الوظائف الفسيولوجية اللاإرادية مثل معدل ضربات القلب، وضغط الدم، والتنفس، والهضم.
ويمكن أن يخفّف تمرين التنفس من توتر العضلات ومعدل ضربات القلب، بحسب فايل رايت، عالم النفس والمدير الأول لابتكار الرعاية الصحية في الجمعية الأمريكية لعلم النفس، لـCNN، عام 2020.
ولفتت فيرماني إلى أن الهدوء الذي نشعر به أثناء أو بعد ممارسة التنفس العميق خلال التأمل قد يكون بسبب وصول المزيد من الأكسجين إلى الدماغ والجسم.
مآزق البحث المتبقية
ورغم وجود بعض الفوائد المعروفة للتأمل على الصحة العقلية والجسدية، لا يزال الباحثون يبحثون عن أفضل الطرق للقياس الموضوعي لكيفية تأثير هذه الممارسة على الدماغ.
واستخدم بعض الباحثين بشكل متزايد طرق علم الأعصاب الإدراكي، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي، لتحديد ما يحدث في الشبكات العصبية للمشاركين أثناء التأمل أو بعده، بحسب دراسة نُشرت عام 2019 في مجلة Perspectives on Psychological Science.
من جهة أخرى، توصلت بعض الدراسات إلى أنّ فكرة التأمل قادر على مساعدة أي شخص بصرف النظر عن اختلاف ظروفه الشخصية، غير دقيق. إذ تم تسجيل تجارب خطيرة أو مؤلمة بدرجة كافية لم يساهم التأمل بحلها وكان هماك حاجة للخضوع لعلاج إضافي أو عناية طبية في أكثر من 20 تقرير حالة منشور أو دراسة قائمة على الملاحظة.
ووثقت هذه التقارير النادرة أحداث تشمل الاضطراب العقلي، والهوس، والقلق، والذعر، واستعادة الذكريات المؤلمة، وتبدد الشخصية، وهي حالة ذهنية تبدو فيها الذات غير واقعية، ويشعر الشخص بالاغتراب عن نفسه وعن العالم الخارجي، وفقًا لجمعية علم النفس الأمريكية.
وأكدت فيرماني أن الاختلافات بين الأشخاص، الذين يستفيدون من التأمل أو لا يستفيدون منه، يمكن أن تتلخص في معرفة نوع التأمل الأفضل لجسم المرء وحالته العقلية.
وأضافت فيرماني أن ممارسة التأمل في أماكن خاضعة للإشراف من قبل محترفين يمكنهم التثقيف حول الآثار المحتملة للتأمل، كان مفيدًا للأشخاص الذين يعانون من حالات عاطفية معقدة.
كيفية البدء
قال الدكتور روبرت والدينغر، أستاذ الطب النفسي في كلية الطب بجامعة هارفارد والمشرف على دراسة هارفارد لتنمية البالغين، إن التأمل "سهل الوصول إليه للغاية".
وأشار والدينغر إلى أن هناك العديد من التطبيقات المتوفرة على الهاتف ذكي التي يمكن من خلالها تعلم التأمل.
وأضاف أنه "غالبًا ما يكون مفيدًا استخدام أحد التطبيقات التي يرشدك خلالها شخص ما على كيفية ممارسة التأمل".
ويمكنك أيضًا حضور حصة تمهيدية بأحد مراكز ممارسة التأمل، أو قراءة كتاب، أو مشاهدة مقطع فيديو عبر الإنترنت أو حتى التدرب بمفردك.
مع ذلك، هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة حول التأمل، على سبيل المثال، الاعتقاد بأن الافكار السلبية لن تعود، وهذه ليست الحقيقة على الإطلاق، إذ أن العقل ينتج الأفكار. لذلك، لن تتخلص من هذه الأفكار.
وأوضح والدينغر أنه يمكن للمرشدين أن يعلموك جوانب التأمل غير البديهية، مثل كون تشتت الذهن أمرًا عاديًا.
ونظرًا لأن التأمل يتعلق بالتواجد، فيمكن القيام به في أي مكان - ولكن يفضل أن يكون بمنطقة هادئة، وهي بيئة مثالية للمبتدئين الذين ما زالوا يتعلمون التركيز على اللحظة الحاضرة.
ويمكنك البدء بممارسة التأمل لمدة خمس دقائق فقط يوميًا، ثم زيادة المدة تدريجيًا.