قبل 70 ألف عام..هكذا كان إنسان نياندرتال يستخدم المطيّبات بالطعام

نشر
7 دقائق قراءة
كهف شاندر شماليّ العراق. Credit: Chris Hunt

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يثير التطوّر الذي نلمسه لدى طهاة العصر الحجري الدهشة، حيث كانوا يجمعون بين عدد من المكونات، ويستخدمون تقنيات مختلفة من أجل إعداد وجبات طعامهم وإضافة نكهات إليها، بحسب ما توصّل إليه تحليل بعض بقايا الطعام المتفحّمة القديمة.

محتوى إعلاني

وبحسب دراسة جديدة نُشرت في مجلة Antiquity، كشفت المواد النباتية التي عُثر عليها داخل كهف شاندر، شماليّ العراق الذي يشتهر بدفن إنسان نياندرتال داخله وإحاطته بالزهور، وكهف فرانشثي في ​​اليونان، عن أنّ الطبخ في عصر ما قبل التاريخ الذي كان يعدّه إنسان نياندرتال والإنسان الحديث الأول، كان معقدًا، ويتألف من خطوات عدة، وأنّ الأطعمة المستخدمة كانت متنوعة.

محتوى إعلاني

وكانت تُستخدم بالأطعمة غالبًا المكسّرات البرية، والبازلاء، والبيقية والبقوليات التي تحتوي على بذور صالحة للأكل، بالإضافة إلى الأعشاب التي تُمزج مع البقول مثل الفول أو العدس، الأكثر شيوعًا، وأحيانًا الخردل البري. لجعل النباتات أكثر استساغة، إذ كانت تُنقع البقول، التي لها طعم مر بشكل طبيعي، أو تُطحن بشكل خشن، أو تكسر بالحجارة لإزالة قشرها.

الخبز بالصورة الأولى (اليمين) عثر عليه في كهف شاندر بالعراق، والصورة الثانية للخبر في كهف فرانشثي باليونانCredit: Ceren Kabukcu

وداخل كهف شاندر، درس الباحثون بقايا نباتات تعود إلى 70 ألف عام خلَت، حين كان يعيش إنسان نياندرتال، وهو نوعٌ منقرض من البشر، وصولًا إلى 40 ألف عام، عندما كان الكهف موطنًا للإنسان الحديث الأول (الإنسان العاقل).

ويعود تاريخ بقايا الطعام المتفحّم من كهف فرانشثي إلى ما قبل 12 ألف عام، عندما كان يشغله أيضًا مجتمع الصيادين البشريين (الإنسان العاقل).

ورغم المسافة الزمنية والجغرافية الفاصلة بينهما، تم تحديد نباتات وتقنيات طهي مماثلة في الموقعين، وربما يشي ذلك بتقليد طهي مشترك، بحسب الدكتورة سيرين كابوكو، المؤلفة الرئيسية للدراسة، وعالمة علم الآثار في جامعة ليفربول بالمملكة المتحدة.

وتابعت أنه استناداً إلى بقايا الطعام التي حلّلها الباحثون، فإن إنسان نياندرتال، والبشر الأوائل من ذوي الحواجب الكثيفة الذين اختفوا قبل حوالي 40 ألف عام، والإنسان العاقل، استخدموا مكوّنات وتقنيات مماثلة، رغم أنّ الخردل البري لم يُعثر عليه إلا في كهف شاندر الذي يعود تاريخه إلى الوقت الذي كان يعيش فيه الإنسان العاقل.

المواد الغذائية المعالجة الأولى

وبحسب ما ذكرته كابوكو، فقد عُثر على مادة تشبه الخبز داخل الكهف اليوناني، رغم عدم وضوح سبب صنعها. أما إقدام البشر القدامى على خفق البقول ونقعها في كهف شاندر قبل 70 ألف عام، فإنه يُعتبر أول دليل مباشر خارج أفريقيا على معالجة النباتات من أجل الغذاء.

وقالت كابوكو إنها فوجئت عندما وجدت أن إنسان عصور ما قبل التاريخ كان يجمع بين المكونات النباتية بهذه الطريقة، وهو مؤشر على أهمية النكهة. وكانت تتوقع أن تجد النباتات النشوية فقط مثل الجذور والدرنات، التي تبدو في ظاهرها مغذية أكثر وأسهل للتحضير.

وتمحور تركيز الكثير من الأبحاث حول الأنظمة الغذائية في عصور ما قبل التاريخ، على ما إذا كان البشر الأوائل يتناولون اللحوم في الغالب، لكن كابوكو قالت إنه من الواضح أنهم لم يتناولوا فقط شرائح لحم الماموث الصوفي، إذ كان أسلافنا القدامى يتبعون نظامًا غذائيًا متنوعًا اعتمادًا على المكان الذي يعيشون فيه، ويحتمل أن يشمل هذا مجموعة واسعة من النباتات.

اكتشاف موقد إنسان نياندرتال في كهف شاندر ، حيث عثر على بقايا نباتات متفحمة.Credit: Graeme Barker

واعتُقد سابقًا أنّ تقنيات الطهي الإبداعية هذه ظهرت بالتزامن مع التحوّل من أسلوب حياة الصيد وجمع الثمار إلى تركيز البشر على الزراعة، المعروف باسم التحول الحجري الحديث، الذي تمّ بين 6 آلاف و10 آلاف عام.

وأوضحت المؤلفة أنّ أكثر من ذلك، توصل البحث إلى أنّ الحياة في العصر الحجري لم تكن مجرد معركة وحشية من أجل البقاء، على الأقل في هذين الموقعين، وأن البشر في عصور ما قبل التاريخ بحثوا بشكل انتقائي عن مجموعة متنوعة من النباتات المختلفة وفهموا ملامح نكهاتهم المختلفة.

وقال جون ماكناب، الأستاذ بمركز آثار الأصول البشرية في جامعة ساوثهامبتون بالمملكة المتحدة، لـCNN، إنّ الفهم العلمي لنظام نياندرتال الغذائي قد تغيّر بشكل كبير "مع ابتعادنا عن فكرة أنهم يستهلكون كميات هائلة من اللحم المصطاد".

وتابع أنّ "ثمة حاجة للحصول على مزيد من البيانات من كهف شاندر، لكن إذا تم دعم هذه النتائج، فإن إنسان نياندرتال كان يأكل البقول وبعض أنواع الحشائش التي تتطلّب تحضيرًا دقيقًا قبل الاستهلاك. وأضاف ماكناب، غير المشارك في البحث، أنّ "الأساليب المتطورة في إعداد الطعام لها تاريخ أعمق بكثير ممّا كان يُعتقد سابقًا".

ولفت إلى أنّ "الأمر الأكثر إثارة للاهتمام احتمال أنهم لم يتعمّدوا استخراج جميع السموم غير المستساغة. وتُرك البعض منها في الطعام، كما توحي قشور البذور، أي ذلك الجزء من البذرة حيث المرارة تحديدًا، نكهة النياندرتال المفضلة".

تعقّب ميكروبيومات عصور ما قبل التاريخ

وكانت دراسة منفصلة عن الأنظمة الغذائية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ نُشرت الثلاثاء، حلّلت أيضًا الميكروبيوم الفموي للإنسان القديم، من فطريات وبكتيريا وفيروسات موجودة في الفم، من خلال استخدام الحمض النووي القديم من اللويحات السنية.

وقام الباحثون بقيادة أندريا كواليارييلو، زميلة أبحاث ما بعد الدكتوراه في الطب الحيوي المقارن والغذاء في جامعة بادوفا بإيطاليا، بفحص الميكروبيوم الفموي لـ76 فردًا عاشوا في إيطاليا ما قبل التاريخ خلال 30 ألف عام، بالإضافة إلى بقايا الطعام المجهرية الموجودة في اللوحة السنية المتكلسة.

تم التنقيب عن عظم فك بشري في موقع يعود للعصر الحجري الحديث، في جنوب إيطاليا.Credit: Andrea Quagliariello

وتمكّنت كواليارييلو وفريقها من تحديد اتجاهات النظام الغذائي وتقنيات الطبخ، مثل إدخال التخمير والحليب، والتحول إلى زيادة الاعتماد على الكربوهيدرات المرتبطة بنظام غذائي قائم على الزراعة.

وقال ماكناب إنه من المثير للإعجاب أن الباحثين تمكّنوا من رسم التغييرات على امتداد فترة طويلة من الزمن.

وأوضح ماكناب، غير المشارك في الدراسة، لـCNN أنّ "ما تفعله الدراسة أيضًا أنها تدعم الفكرة المتنامية بأن العصر الحجري الحديث لم يكن ظهورًا مفاجئًا لممارسات عيش جديدة وثقافات جديدة كما كان يُعتقد سابقًا. ويبدو أنّ الانتقال كان أبطأ".

نشر
محتوى إعلاني