أنواع جديدة من القردة تسلط الضوء على حدود الاستنساخ
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- وُلد "ريترو"، وهو قرد مكاك ريسوسي مُستَنسخ بتاريخ 16 يوليو/تموز في عام 2020.
ويبلغ عمره الآن أكثر من 3 سنوات، وهو "في حالة جيدة، وينمو بقوة"، وفقًا لما ذكره فالونج لو، أحد مؤلفي دراسة منشورة في مجلة "Nature Communications" الثلاثاء، تصف كيف جاء "ريترو" إلى العالم.
و"ريترو" هو النوع الثاني من الرئيسيات، تمكن العلماء من استنساخه بنجاح.
وأعلن فريق الباحثين ذاته في عام 2018 أنّهم صنعوا قردين مستنسخين متطابقين من فصيلة cynomolgus (نوع من قردة المكاك) لا يزالان على قيد الحياة حتى اليوم.
وقال لو، وهو باحث في مختبر الدولة الرئيسي للبيولوجيا التنموية الجزيئية ومعهد علم الوراثة والبيولوجيا التنموية في الأكاديمية الصينية للعلوم: "لقد تمكنا من استنساخ أول قرد ريسوسي حي وصحي، ويُعتبر الأمر خطوة كبيرة إلى الأمام حوّلت المستحيل إلى ممكن، رُغم أنّ الكفاءة منخفضة للغاية مقارنةً بالأجنة المخصبة الطبيعية".
وأضاف: "في الوقت الحالي، لم نشهد الولادة الحية الثانية بعد".
واستُنسِخ أول حيوان ثديي، النعجة دوللي، في عام 1996 باستخدام تقنية تُسمى النقل النووي للخلايا الجسدية (SCNT)، حيث يقوم العلماء خلالها بإعادة بناء بويضة غير مخصبة عبر دمج نواة الخلية الجسدية (وليس من الحيوان المنوي أو البويضة) مع بويضة أُزيل النواة منها.
ومنذ ذلك الحين، استنسخ العلماء الكثير من الثدييات، بما في ذلك الخنازير، والأبقار، والخيول، والكلاب، حيث تنجح العملية أو تفشل أحيانًا.
وقال ميغيل إستيبان، وهو باحث رئيسي في معهد قوانغتشو للطب الحيوي والصحة في الأكاديمية الصينية للعلوم: "بطريقةٍ ما، أحرزنا تقدمًا كبيرًا بحيث أنّه بعد دوللي، تم استنساخ العديد من أنواع الثدييات، ولكن الحقيقة هي أنّ عدم الكفاءة لا يزال عائقًا رئيسيًا".
ولم يشارك إستيبان في أحدث البحوث، ولكنه تعاون مع بعض أعضاء فريق البحث في دراسات رئيسية أخرى.
نسخ قرد من فصيلة المكاك الريسوسي
واستخدم الفريق الصيني، ومقره في شنغهاي وبكين، نسخة معدلة من تقنية النقل النووي للخلايا الجسدية (SCNT) في عملهم على القردة من صنف cynomolgus، وقاموا بتعديل التقنية بشكلٍ أكبر لاستنساخ قرد الريسوس (Macaca mulatta).
وخلال المئات من محاولات الاستنساخ الفاشلة، أدرك الفريق أنّ الغشاء الخارجي الذي يشكل المشيمة لم يتطور بشكلٍ صحيح في الأجنة المستنسخة المبكرة .
ولمعالجة هذه المشكلة، أجرى الفريق عملية تُسمى زرع كتلة الخلايا الداخلية، والتي انطوت على وضع خلايا داخلية مستنسخة في جنين غير مستنسخ، ما سمح للجنين المستنسخ بالتطور بشكلٍ طبيعي، بحسب ما شرحه إستيبان.
ومن ثمّ اختبر الفريق التقنية الجديدة باستخدام 113 أجنّة أُعيد بنائها، ونُقِل 11 منها إلى 7 أمهات بديلات، وأدّت العملية إلى ولادة حية واحدة فقط، بحسب الدراسة.
وقال لو: "نعتقد أنّه قد يكون هناك المزيد.. من العيوب التي يجب إصلاحها. وتبقى الاستراتيجيات الرامية إلى تعزيز معدل نجاح تقنية SCNT في الرئيسيات.. محور تركيزنا الرئيسي في المستقبل".
الآثار المترتبة على استنساخ القردة
وقال الباحثون إنّ القدرة على استنساخ القردة بنجاح قد تساعد في تسريع الأبحاث الطبية الحيوية نظراً لوجود قيود على ما يمكن للعلماء تعلمه من فئران المختبر.
وكانت الأبحاث على الرئيسيات غير البشرية، وهي الأقرب إلى البشر، محورية في التقدم الطبي المنقذ للحياة، بما في ذلك صناعة لقاحات لمكافحة "كوفيد-19"، وفقًا لتقريرٍ صادر عن لجنة من الأكاديميات الوطنية للعلوم، والهندسة، والطب في مايو/أيار.
ويُشكّل استخدام القردة في الأبحاث العلمية قضية مثيرة للجدل بسبب المخاوف الأخلاقية بشأن رفاهية الحيوانات.
وأكّد الفريق أنّه اتبع القوانين والمبادئ التوجيهية الصينية المُنظِّمة لاستخدام الرئيسيات غير البشرية في الأبحاث العلمية.
وأفادت الجمعية الملكية لمنع القسوة على الحيوانات في المملكة المتحدة أنّ لديها "مخاوف أخلاقية خطيرة تتعلق بتطبيق تكنولوجيا الاستنساخ على الحيوانات. ويتطلب استنساخ الحيوانات إجراءات قد تسبب الألم والضيق، ويمكنه أن ينطوي على معدلات فشل ووفيات عالية".
وأشار إستيبان إلى أنّ القدرة على إنتاج قردة متطابقة وراثيًا قد تكون مفيدة. وأوضح: "هذا البحث يثبت أنّه يمكن تطبيق الاستنساخ على أنواع مختلفة من الرئيسيات غير البشرية، ويفتح الباب أمام طرق جديدة لتعزيز الكفاءة. ومن الممكن تعديل القردة المستنسخة وراثيًا بطرق معقدة لا تستطيع القردة البرية القيام بها، وللأمر آثار كثيرة على نمذجة الأمراض. وهناك أيضًا جانب متعلق بالحفاظ على الأنواع".
وقال عالم الأبحاث في المركز الوطني للتكنولوجيا الحيوية (CNB-CSIC) في إسبانيا والذي لم يشارك في البحث، الدكتور لويس مونتوليو، إنّ استنساخ كلا النوعين من القردة أظهر أمرين: "أولاً، من الممكن استنساخ الرئيسيات. والأمر الثاني الذي لا يقل أهمية، هو أنّه من الصعب للغاية النجاح في هذه التجارب بفعاليات منخفضة كهذه".
وأضاف مونتوليو أنّ معدل النجاح المنخفض لهذه العملية لا يًظهر أنّ "الاستنساخ البشري لم يكن غير ضروري ومثير للجدل فحسب، بل أنّه في حال تمت محاولته، فإنّه سيكون صعبًا للغاية وغير مبرّر أخلاقيًا".