كيف اختفى إنسان "نياندرتال"؟ تحليل جديد يلقي الضوء على هذا اللغز

نشر
7 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- ظهر دليل على تزاوج البشر الأوائل مع إنسان "نياندرتال" لأول مرة في العام 2010. الأمر الذي اعتبره كثيرون حينها بمثابة "قنبلة علمية".

محتوى إعلاني

وكشفت الأبحاث أنّ هذا الإرث الجيني يلعب دورًا في حياة الناس المعاصرين، ويؤثر على أنماطهم اليومية، ووظيفة جهازهم المناعي، والطريقة التي يشعر بها بعضهم بالألم.

ومع ذلك، وجد العلماء صعوبة مفاجئة في تجميع تدفق الجينات بالاتجاه المعاكس: كيف يمكن أن يكون الاختلاط بين المجموعتين قد شكّل"إنسان نياندرتال"، الذي انقرض منذ حوالي 40 ألف عام.

وأظهر التحليل، الذي نُشر في 12 يوليو/تموز في مجلة "Science"، أن المجموعتين تبادلتا الحمض النووي في مراحل مختلفة على مدى الـ250 ألف سنة الماضية، ما يُلقي الضوء على كيفية اختفاء إنسان "نياندرتال"، وربما يُعيد كتابة قصة مغادرة أسلافنا، أي الإنسان العاقل، من إفريقيا.

وقال جوشوا أكي، الأستاذ في معهد "لويس سيجلر" بجامعة "برينستون" والمؤلف الرئيسي للدراسة: "حتى وقتنا الحالي، أوضحت معظم البيانات الوراثية أن الإنسان العاقل قد تطور في إفريقيا منذ 250 ألف عام، وبقي هناك لمدة 200 ألف عام أخرى، ثم قرر الانتقال للخارج منذ 50 ألف عام".

وتشير النتائج إلى أن التاريخ البشري المبكر كان معقدًا.

ومن المرجح أن الإنسان العاقل قد تفاعل مع إنسان "نياندرتال"، وأنواع أخرى من البشر القدماء، بما في ذلك إنسان "دينيسوفا" الغامض، بشكل أكثر تكرارًا مما كان معترفًا به سابقًا، وذلك منذ ظهورنا كنوع منذ حوالي 250 ألفًا إلى 300 ألف عام.

مراحل متعددة من التزاوج

يستطيع العلماء إعادة بناء العلاقات بين مختلف الأنواع والمجموعات السكانية من خلال مقارنة تسلسل الحمض النووي في قواعد البيانات. 

ونظرًا إلى أن التغيرات الجينية تحدث بمعدل ثابت على مدار الجيل، يمكن حساب الوقت الذي تبادلت فيه مجموعتان الحمض النووي. 

وكشفت الدراسة عن مغادرة البشر إفريقيا وتزاوجهم مع إنسان "نياندرتال" على مدار ثلاث مراحل.

وتتمثل أول مرحلة قبل فترة زمنية تتراوح بين 200 ألف سنة و250 ألف سنة، والثانية منذ 100 ألف عام، والأخيرة منذ حوالي 50 ألف سنة إلى 60 ألف سنة.

وتُعدّ المرحلة الأخيرة معروفة على نطاق واسع، وتم تحديدها لأول مرة في عام 2010، عندما قام عالم الوراثة الحائز على جائزة "نوبل"، سفانتي بابو، بتسلسل أول جينوم لإنسان "نياندرتال". 

واكتشف العلماء أن نسبة الحمض النووي للإنسان العاقل في جينوم إنسان "نياندرتال" ربما كانت مرتفعة بنسبة 10% منذ 200 ألف عام، ثم انخفضت مع مرور الوقت، حتى أصبحت تصل إلى 2.5% إلى 3.7% في المتوسط.

وحددت دراسة مماثلة نُشرت العام الماضي آثارًا جينية للقاء بين المجموعتين منذ حوالي 250 ألف عام، لكن مساهمة الحمض النووي للإنسان العاقل في إنسان "النياندرتال" قبل حوالي 100 ألف سنة هو اكتشاف جديد، بحسب ما ذكره لوريتس سكوف، عالم الوراثة والباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا بيركلي، والذي لم يشارك في الدراسة.

وأضاف عبر البريد الإلكتروني: "ما يبدو مؤكدًا هو أن تاريخ الإنسان وإنسان نياندرتال متشابك أكثر بكثير مما كنا نعتقد سابقًا".

تحليل جيني

خلال المرحلتين السابقتين من التزاوج، امتص إنسان "النياندرتال" الجينات البشرية، وبقي النسل ضمن مجموعات الإنسان البدائي، وفقًا للدراسة الجديدة.

وقال أكي إنّ مراحل التزاوج المبكرة هذه، التي نتجت عن هجرة مجموعات صغيرة من الإنسان العاقل من إفريقيا، لم تترك أثرًا كبيرًا في جينات الإنسان المعاصر. ولكن كان لها تأثير كبير على جينوم  إنسان "النياندرتال".

وأضاف: "أعتقد أن التفسير الأبسط هو أن هذا يعكس التغييرات في أحجام السكان مع مرور الوقت".

وأوضح أكي: "في البداية، غادر الإنسان الحديث المبكر إفريقيا. وكانت تجمعات النياندرتاليين كبيرة بما يكفي لاستيعاب هذه التشتتات الأولية للبشر وجيناتهم بين بعضهم البعض".

وأضاف أنه عندما غادر الإنسان العاقل إفريقيا قبل حوالي 60 ألف سنة، وذلك في هجرة دائمة حول العالم، نشأ النسل الناتج عن لقاءات الإنسان العاقل-النياندرتال ضمن مجموعات الإنسان الحديث. وبقيت بصمته الوراثية ضمن مجموعة الجينات البشرية، ما أثّر على حياتنا اليوم.

لغز اختفاء إنسان "نياندرتال"

قال كريس سترينجر، الباحث الرئيسي في مجال التطور البشري في متحف التاريخ الطبيعي في لندن، والذي لم يشارك في الدراسة، إن هناك عددا قليلا من حفريات الإنسان العاقل التي قد تعكس رحلاته المبكرة الأقل نجاحًا، والتي قام بها من إفريقيا إلى الشرق الأوسط وأوروبا.

وتشمل هذه الآثار حفرية لإنسان عاقل عُثر عليها في كهف "أبيديما" في جنوب اليونان يعود تاريخها إلى 210 آلاف عام، وبقايا عُثر عليها في مواقع إسرائيلية مثل "السخول" و"القفزة". 

وكانت الحفريات التي عُثر عليها في إسرائيل تتميز بـ"سمات بدائية"، مثل حواجب أكبر، وجماجم مسطحة بشكلٍ أكبر، وأذقان مختلفة.

وقال سترينجر "لقد فسرت هذه السمات على أنها محفوظة من أسلاف أكثر بدائية، غير النياندرتاليين، ولكن يمكن أن تكون بدلاً من ذلك علامات على تدفق الجينات من إنسان نياندرتال، وربما ينبغي النظر إلى هذه الخصائص مجددًا اليوم، في ضوء هذا العمل الجديد".

وأشار أكي إلى أن ديناميكيات السكان التي تم تحديدها في هذا البحث قد تكون السبب الرئيسي وراء اختفاء نياندرتال قبل 40 ألف عام. ويشير تحليل الباحثين إلى أن حجم سكان نياندرتال في ذلك الوقت كان أصغر بنسبة 20% مما كان يُعتقد سابقًا.

وأضاف: "كانت التجمعات البشرية أكبر، ومثل الأمواج المتلاطمة على الشاطئ، أدت في النهاية إلى اختفاء إنسان النياندرتال". 

ويتفق سترينجر على أن المرحلة الأخيرة من التزاوج ربما ساهمت في انقراض إنسان "نياندرتال"، حيث أصبح عدد سكان إنسان "نياندرتال" أصغر وأقل تنوعًا مع دخول حمضه النووي إلى مجموعة الجينات البشرية الأكبر.

نشر
محتوى إعلاني